العلا ...كنز الآثار داخل أحضان مدينة الجبال

العلا ...كنز الآثار داخل أحضان مدينة الجبال

ثمن عدد من رجال الأعمال والسياحة نجاح الهيئة العامة للسياحة والآثار في المملكة في اعتماد موقع الحجر "مدائن صالح" كأول موقع سعودي ينضم إلى قائمة التراث العالمي التي تضم أكثر من 851 موقعا ثقافيا وطبيعيا ذات قيمة استثنائية للتراث الإنساني، خلال الاجتماع الأخير للجنة التراث العالمي التابعة لليونسكو في مدينة كيبك في كندا، في حين أوضحت مصادر خاصة أن منطقتي الدرعية وجدة القديمة في طريقهما للاعتماد ضمن القائمة في غضون الأعوام الثلاثة المقبلة.
ووصف المهتمون إنجاز الهيئة المتمثل في إعداد ورقة ترشيح مقنعة لاعتماد مدائن صالح التابعة لمنطقة المدينة ضمن القائمة العالمية، بالأبرز خلال مسيرة الهيئة الممتدة لثمانية أعوام.
حيث اعتبر فيصل بن معمر الأمين العام لمركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني عضو اللجنة الاستشارية للآثار والمتاحف انضمام موقع الحجر بأنه يجسد أهمية الآثار والمواقع التاريخية في دعم السياحة ومردودها الإيجابي المؤثر في اقتصاد المملكة، وتأكيدا للدور الكبير الذي تقوم به الهيئة العامة للسياحة والآثار في التحفيز للسياحة الداخلية ودعم الاستثمار السياحي، مما أدى إلى تطور السياحة الداخلية، وزيادة أعداد السياح والمهرجانات السياحية في مختلف مناطق المملكة.
وأكد بن معمر أن دعم شركات القطاع الخاص مشاريع الهيئة مطلب يسهم في الارتقاء بالسياحة في المملكة، ودعما للمبادرات المتواصلة التي تقدمها الدولة لدعم النشاط السياحي باعتباره رافدا اقتصاديا مهما له أبعاده المؤثرة وطنيا واجتماعيا وثقافيا.
مشيرا إلى أن الإسهام المتزايد من الشركات الوطنية في دعم الأنشطة السياحية له دور كبير في نجاحها وزيادة الإقبال عليها، إضافة إلى أنه يمثل شراكة اقتصادية بالدرجة الأولى، تعود على أطرافها بالنفع كل في مجال عمله، نظرا لارتباط السياحة بكافة شرائح المجتمع، وشمولها جميع المناطق، وتحفيز المواطنين على زيارة المناطق السياحية في الداخل.
وأشار بن معمر إلى أن الحفاظ على التاريخ و التراث الإنساني، واجب ومسؤولية، وتكمن أهميته في التفكير والاعتبار والتأمل في هذه الآثار، فهي الشواهد والدلالات على حضارة شامخة تأبى الاندثار في المملكة، من خلال ما خلده الزمن من إنجازات، وما تشكله من رمزية لقوة هذه الحضارات كونها رمزا ورابطا بين الأجيال، من خلال الاطلاع على جهود تلك الأمم، وما يمثله للعمل الجاد والبناء والإخلاص، مما يعطي الجيل الحالي دوافع على العمل للمساهمة في البناء الحضاري للإنسانية.
مختتما حديثه بالإشارة إلى أن ما تحقق من اعتماد موقع مدائن صالح يعتبر حدثا عالميا، وإقرارا بالمكانة العالمية لتاريخ المملكة وعمقها التاريخي، وما تمتلكه من تراث حضاري كبير.
وأكد الدكتور سعد الراشد مستشار الأمين العام للآثار والتراث في الهيئة العامة للسياحة والآثار، وعضو اللجنة، أن موقع مدائن صالح بآثاره النبطية والإسلامية ومعالمه الطبيعية، سيكون نقطة جذب للسياحة الثقافية من داخل المملكة وخارجها، وقال: كانت فرحتي غامرة عندما تلقيت خبر الانضمام، وزاد من سروري عندما تواصلت مع زميلي الدكتور على الغبان، ليخبرني عن اندهاش المؤتمرين في كويبك بموقع "مدائن صالح" وكيف نال الموافقة بأغلبية الدول الأعضاء في لجنة التراث العالمي، مشيرا إلى أن هذا التسجيل له معنى كبير، فهو خطوة لتوسيع قاعدة البحث العلمي من جهة، وتطبيق مبدأ الشراكة الذي تنتهجه هيئة السياحة مع المؤسسات الحكومية والأهلية والأفراد من جهة أخرى.
وأضاف الراشد: موقع "مدائن صالح" بآثاره النبطية والإسلامية، ومعالمه الطبيعية، سيكون نقطة جذب للسياحة الثقافية من داخل المملكة وخارجها، وسيكون له مردود اقتصادي يعود بالنفع على أبناء محافظة العلا خاصة وكافة المنافذ المؤدية لها، مؤكدا أن الفوز بالانضمام سبقته جهود حثيثة للدولة، ابتدء بمحافظتها على الآثار والتراث في مدائن صالح وكافة أرجاء الوطن، وإنشائها إدارة للآثار والمتاحف، والتي أثمرت عن مشروع حماية آثار "مدائن صالح" وتوثيقها، وإزالة المخلفات، وأطنان الرمال التي تكدست عبر القرون على واجهات الجبال والمباني، وتحسين وتجميل الموقع، وترميم المنشآت البنائية فيه.
ويرى الدكتور عبد الرحيم الطيب الأنصاري أن قبول اليونسكو للحجر يعد يوم عرس للأثريين والمؤرخين والمعماريين ومحبي الحضارة الإنسانية في المملكة، مؤكدا أن الحجر"مدائن صالح" تعد مفخرة للتراث القديم في المملكة.
وقال: تعد الحجر أو ما تعرف "بمدائن صالح"واسطة العقد بالنسبة إلى تراثنا التاريخي الذي يعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد حسبما برهن عليه آخر كشف أثري فوق جبل الخريمات إذ وجدت مقابر ركامية كتلك التي وجدت في تيماء "رجوم صعصع" والتي تشبه مقابر هيلي في الإمارات.
وأضاف: إذا كنا قد احتفلنا في السنة الماضية بالبتراء كإحدى عجائب الدنيا السبع في القرن الحادي والعشرين، فان الحجر لا تقل أهمية عن البتراء باعتبار النصوص الثلاثين التي لم يوجد مثلها في البتراء ولا فيما حولها من أرباض البتراء عاصمة الأنباط.
وأشار إلى أن الأنباط سجلوا تاريخهم فنيا وتوثيقيا وكتابيا في الحجر إذ اؤتمنت على ذلك لأنها بعيدة عن أيدي الغزاة فسجلوا فيها أحداثهم رغم أن الحجر كانت خط المواجهة الجنوبي للدولة النبطية ضد من يغزونها من الجنوب أو يلتف عليها من البطالمة أو الرومان عبر موانئ البحر الأحمر.
وأوضح الدكتور الأنصاري أن الحجر"مدائن صالح" سوف تصبح معلما عالميا يأتي إليها الزوار من كل حدب وصوب، ولذا فإن الدولة حفظها الله ممثلة في الهيئة العامة للسياحة والآثار لن تبخل عليها بما يهيئ لمن يقصدها كل الوسائل الضرورية التي يحتاج إليها الزائر.
في حين وقال حامد الفريدي أستاذ التاريخ والمرشد السياحي في العلا، ومالك مؤسسة إرشاد سياحي، أن ورقة الترشيح لمدائن صالح المقدمة لقائمة التراث العالمي تعد أهم إنجازات هيئة السياحة خلال الفترة الماضية، التي هدفت فيها إلى التعريف بالمملكة كموطن للآثار، لافتا إلى أن ذلك من شأنه تطوير السياحة في المنطقة، وتطوير اللغة الإعلامية التي نخاطب بها العالم كمرشدين سياحيين لموقع عالمي.
من جهته أشار عبد الغني الأنصاري عضو لجنة السياحة في غرفة المدينة المنورة، إلى أهمية الحدث السياحي في دخول أحد المواقع السعودية إلى القائمة العالمية للتراث، لافتا إلى ضرورة مواكبة ذلك من خلال منظومة متكاملة من الخدمات في الموقع، لتوازي القيمة المعنوية الجديدة له.
وقال الأنصاري: "يجب أن يتحول السياح الأجانب الذين يقدمون إلى المنطقة، ليكونوا في الفترة المقبلة سفراء إيجابيين بدلا من أن يبدو انتقادات محرجة لمستوى الخدمات المقدمة.
ولفت الأنصاري إلى ضرورة وجود مطار في العلا التي تبعد عن المدينة المنورة مسافة 300 كيلو متر، ومستشفى عالي التجهيز لمواكبة توقعات الزوار القادمين للمنطقة، ومكاتب سياحية تقدم برامجها المتنوعة بحسب تنوع أفواج السياح القادمين ورغباتهم المنصبة غالبا في البحوث العلمية والتحقيق التوثيقي، إلى جانب المطالعات التاريخية للمواقع، مطالبا بدراسة احتياجات المنطقة و زوارها إلى جانب مناقشة احتياجات القطاع الخاص لينهض بدوره في تنمية المنطقة جنبا إلى جنب مع القطاع الحكومي الذي"يتحمل دائما العبء الأكبر".
في حين أوضح حامد السليمان الناشط في الجانب السياحي للعلا منذ 15 عاما، أن الأعوام الثلاثة الماضية كانت الأفضل على مستوى الخدمات المقدمة، ومستوى الوعي بأهمية السياحة الأثرية عند المواطنين، وذلك منذ إنشاء الطرق الجديدة التي اختصرت المسافة الرابطة بين المدينة المنورة والعلا إلى 280 كيلو مترا بعد أن كانت أكثر من 400 كيلو متر.

نظرة تاريخية لمدائن صالح
الطريق من المدينة المنورة إلى العلا " مدينة الجبال"، شاهد أثري بامتياز يقود إلى شواهد أثرية أكثر أهمية اعترفت بها أخيراً منظمة اليونسكو وأدخلتها قائمة التراث العالمي، إذ إن الطريق الصحراوي إلى العلا يمتد موازيا لسكة حديد الحجاز الرابطة للمدينة المنورة بتركيا التي يعود تاريخها لمائة عام، وهي مدة قليلة مقارنة بأعوام طويلة تدخل في خانة الألوف لمواقع أثرية تشاهدها مع نهاية هذا الطريق حين الوصول إلى العلا.
وتعتبر المدينة التي تحيطها الجبال الشهباء غريبة الأشكال والألوان، كنز أثري ثري يحوي البلدة الاسلامية القديمة إلى جانب آبار قديمة مختلفة الأحجام، و قلاع مختلفة العصور، ويبقى الكنز الأبرز في منطقة الحجر حيث مدائن صالح، التي يفضل المرشدون السياحيون إرشاد الزوار خصوصا من المسلمين إلى عدم الأكل أو الشرب داخلها لأنها بحسب النصوص القرآنية كانت دار عذاب، إلى جانب المطالبة بالتمتع بزيارة قصيرة يفضل أن تكون نهارا، للعبرة السريعة فقط، والتي ستكون مؤثرة مع الشواهد التاريخية المذهلة.
واجهات صخرية خلابة
تنتشر 153 واجهة صخرية منحوتة في الجبال يطلق عليها قصور حين التحدث في العصر الثمودي الذي شهد العقاب الإلهي لقوم ثمود بعد أن عقروا الناقة، ويطلق عيها مقابر حين التحدث تاريخيا من منطلق الحقبة التي برز فيها نجم الأنباط أصحاب الحضارة العمرانية البارزة، والذين استخدموا تلك الواجهات والمنحوتات الصخرية كمقابر لذويهم، وزينوها بالواجهات الصخرية الظاهرة حاليا للعيان.
مناظر أخرى لافتة في هذا المكان الغريب الموحش، والتي تدل على وجود أندية السمر والتجمعات لمختلف الأقوام الذين تعاقبوا على منطقة الحجر، مع تلك المقاعد المنحوتة بشكل دائري في فوهة جبل يمره الهواء بشكل انسيابي، ليعطي برودة نسبية، وظلا من كلا الجانبين في فترة الصباح والعصر، ليغطي المكان الذي بدت فيه مجالس الأولين مشابهة كثيرا لمجالس المعاصرين، وإن اختلفت أدواتها، غير أن مقاسات الأطوال للمقاعد والسرائر و الأبواب هي ذاتها، بخلاف ما يشاع من اختلاف أطوالهم عن أطوال المعاصرين، بيد أنها لا يمكن أن تنفي تمتعهم بقوة أكبر.

الأكثر قراءة