خريجو جامعاتنا والأساتذة السابقون

خريجو جامعاتنا والأساتذة السابقون

خريجو جامعاتنا والأساتذة السابقون

مازالت تربطني بعض العلاقات مع مجموعة محدودة من الأساتذة الذين كنت محظوظا بأن درسوني في المرحلة الجامعية والدراسات العليا، رغم أنهم الآن في دول أخرى أو أصبحوا متقاعدين. الحقيقة أني ما زلت أجد أن خبرتهم المتجددة كنز يصعب التفريط فيه.
في السنوات الأخيرة ازداد اهتمام جامعاتنا بخريجيها السابقين، حرصاً على تحقيق المزيد من الارتباط والتفاعل مع المُجتمع، وقد سبقتنا إلى ذلك جامعات كثيرة حول العالم. وعلى الرغم من أن هذا الاهتمام ربما أن يكون قد جاء مُتأخراً، إلا أنه بلا شك، خطوة في الاتجاه الصحيح. ولعلنا نذكر كمثال على هذا الاهتمام "برنامج الخريجين" الذي أطلقته جامعة الملك سعود، خلال العام الدراسي المُنصرم.
تقول "رؤية" هذا البرنامج إنه يتطلع إلى "الشراكة والتواصل الدائمين مع خريجي الجامعة". أما "رسالته" فتبين أنه يعمل على "بناء أواصر الصلة والتعاون بين الجامعة وخريجيها، والسعي إلى تبادل المعارف والخبرات معهم؛ وذلك من خلال الحرص الدائم على التواصل معهم، ودعوتهم إلى المشاركة في مناسبات الجامعة المختلفة، إضافة إلى تعزيز مفاهيم الانتماء بين خريجي جامعة الملك سعود، وحثهم على استمرار العطاء المتبادل من أجل خير الجميع وتواصل الأجيال، وبما يتفق مع الأسس الاستراتيجية لخطط التنمية ومتطلبات سوق العمل". ولا شك أن كل من يقرأ هذا الكلام يُعجب بالنوايا، ويتمنى نجاح العمل على تحقيقها.
وإذا كان تفاعل الجامعات مع خريجيها أمراً حسناً يجب الاهتمام به، فلماذا لا يكون التعاون مع أساتذتها السابقين مُهما أيضاً. فلدى جامعاتنا عدد كبير من الأساتذة السابقين في شتى المجالات، سعوديون وغير سعوديين، داخل المملكة وخارجها. من السعوديين هناك من تقاعدوا تقاعداً مُبكراً ويعملون في قطاعات أخرى؛ وهناك أيضاً من تقاعدوا، وما زالوا يتمتعون بالقدرة على العطاء. ومن غير السعوديين، هناك من يعملون في قطاعات أخرى خارج المملكة، وهناك من غادروا إلى بلدان أخرى ويعملون في جامعات ومؤسسات مُختلفة في تلك البلدان.
إن برنامجاً يجمع بين الخريجين والأساتذة السابقين، سيكون مفيداً وأكثر فاعلية من برنامج الخريجين فقط، خصوصاً إذا استطاع مثل هذا البرنامج أن يُنجب مشاريع معرفية مُشتركة، تُعزز العطاء المعرفي لجامعاتنا، وتُعزز شراكاتها المعرفية محلياً ودولياً.
ولعلنا في دعوتنا إلى إنشاء مثل هذا البرنامج، وإتاحة الفرص أمام مشاريع عمل معرفي مُشترك، نورد فكرتين مهمتين من أفكار "إدارة المعرفة" التي تنسجم مع مثل هذه الدعوة. تقول الفكرة الأولى بأن المعرفة تتضمن خبرات فكرية وإمكانات شخصية تُبنى لدى الخبراء، ومن الصعب، وربما غير المُمكن، نقلها إلى الآخرين. وهذا ما قد يكون متوافراً لدى بعض الخريجين وأساتذة الجامعة السابقين، بما يُعطي إمكانات خاصة لمشاريع مفيدة، ينبغي فسح المجال أمام وضعها كمقترحات، وتنفيذها على أساس الحاجة والمُتطلبات.
وتأتي الفكرة الثانية مُكملة للأولى، حيث يقول أصحابها بأن الخبرات المعرفية الخاصة، والمهارات المُتميزة، موجودة بشكل خاص لدى الأكبر سناً من الخبراء، نظراً لعملهم الطويل، وتمرسهم في إنجاز الأعمال. وعلى ذلك لا ينبغي إحالة الخبراء إلى التقاعد الكامل، بل يجب التواصل معهم، ومنحهم فرص العطاء، طالما أرادوا أو استطاعوا ذلك. ويصب أمر هذه الفكرة في صالح الاهتمام بالأساتذة المتقاعدين الأكبر سناً، والخريجين السابقين المُتقاعدين أيضاً، في إطار البرنامج المقترح هنا.
وبالفعل تهتم الجامعات المُتقدمة بكبار السن من أساتذتها، وتمنحهم فرصاً للعطاء المتواصل. فعلى سبيل المثال تجاوز "توماس شلينج" أستاذ الاستراتيجية في جامعة "ماريلاند" الخامسة والثمانين من العمر، وما زال على رأس العمل؛ كما أن "صموئيل هنتجتون" أستاذ العلوم السياسية في جامعة "هارفارد"، وصاحب نظرية صراع الحضارات، تجاوز الثمانين، وما يزال على رأس العمل أيضاً. وقد أمضى الأستاذ العربي الفلسطيني "إدوارد سعيد" حياته الأكاديمية في جامعة "كولومبيا" حتى وافته المنية، وقد تجاوز السبعين. وهؤلاء الأساتذة وغيرهم الكثير يعملون بعقود في الجامعات كأساتذة شرف حتى يتعذر عليهم العطاء بسبب وفاة أو مرض أو عدم الرغبة في العمل في الجامعة.
ولعله من المناسب أن تعمل جامعاتنا على الاستفادة من جميع الطاقات المعرفية التي يُمكن توفيرها من خلال برامج للخريجين والأساتذة السابقين، من أجل تعزيز عطائها المعرفي، وزيادة إسهامها في خدمة المُجتمع، وتحقيق التنمية المُستدامة.

[email protected]

الأكثر قراءة