التقشف يلغي بينالي السينما العربية في باريس ويستبدله بعروض أفلام
دون ضجيج أو صخب أو التفاتة من أحد، وبداعي التقشف، اختفى من خريطة المهرجانات المكرسة للسينما العربية في أوروبا والعالم بينالي السينما العربية الذي كان ينظم في معهد العالم العربي في باريس وكان رائدا بين المهرجانات التي تكرم السينما العربية وتعرف بها خارج الوطن العربي.
وعلى ما أعلن المنظمون فإن أسبابا مالية تقف وراء إلغاء هذا المهرجان الذي كان يقام، كما يعني اسمه، كل عامين منذ انطلاقته عام 1992.
وعلى مدى السنوات 16 الفائتة رصد هذا المهرجان تطورا وتعددا وتنوعا ليس للسينما العربية فحسب وإنما للسينمات العالمية جمعاء، على درب رصدها للمجتمعات والهوية العربية في كل بلد عربي، ولكن أيضا من خلال سينما العرب المهاجرين إلى أوروبا. وكان هذا المهرجان أول من التفت إلى هذه السينما المتنقلة بين عالمين.
وحمل بيانالي السينما العربية إلى معهد العالم العربي في باريس أبرز الأسماء التي لمعت في فضاء الفن السابع العربي من المشرق والمغرب، في فترة ازدهرت فيها سينمات أخرى غير السينما المصرية وشهدت المجتمعات العربية تحولات عميقة حاولت السينما تتبعها ورصدها.
كما ترافقت ولادة البينالي مع صعود سينمات المغرب العربي وتطورها إلى درجة تفوقت فيها على السينما المصرية وخاصة في الحضور على الساحات الدولية والمهرجانات العالمية. وكانت التونسية مفيدة التلاتلي إحدى الفائزات بالجائزة الكبرى لمعهد العالم العربي عام 1996 عن فيلمها "صمت القصور" الذي كرسها مخرجة متميزة منذ العمل الأول.
ونجح بينالي السينما العربية في باريس في أن تكون له شخصيته الفريدة والمتميزة وفي أن يكون منبرا تطل من خلاله السينما العربية على الغرب من قلب عاصمة النور، ولو استمر هذا المهرجان لكان سيكرس أكثر هذا الحضور الصعب للفن العربي في الأوساط الغربية، خاصة مع التحولات السياسية التي يشهدها العالم راهنا.
وترك إلغاء هذا المهرجان، بعد أن قررت الإدارة الجديدة في معهد العالم العربي الذي يرأسه دومينيك بوديس وضع حد لأنشطته، مرارة في نفوس الكثير من السينمائيين العرب الذين أحبوه وأقبلوا عليه بأعمالهم.
وأصرت إدارة المعهد، الذي يواجه أزمة مالية مستمرة، على إلغاء المهرجان على اعتبار أنه مكلف وأنه لا يعود على المعهد بالمال الذي يصرف عليه.
ويتماشى هذا القرار مع التوجه الفرنسي العام السائد لدى السلطات والذي يسعى لأن تكون الثقافة سلعة مربحة مثلها مثل غيرها من السلع الاستهلاكية، وإلا فلا مبرر لوجودها.
ويدخل القرار في إطار سياسة فرنسية راهنة بدأت منذ وصول اليمين الفرنسي الحاكم إلى السلطة في فرنسا قبل أكثر من عام، حيث عمل على تخفيض الميزانية المكرسة للثقافة وحجب المال عن كثير من القطاعات الثقافية كالمسرح والسينما في إطار إعادة هيكلة القطاعات الثقافية عموما ومراجعة السياسات الثقافية المتبعة سابقا.
وانعكست هذه السياسة سلبا على الكثير من التظاهرات الثقافية التي خففت الميزانيات المكرسة لها ما أضر بالفرق المسرحية والمهرجانات الصغيرة إذ حرمها من جزء من ميزانيتها.
ومن شأن ذلك أن يؤثر في طبيعة النتاج الثقافي الفرنسي ويرجع فرنسا، التي طالما اعتزت في الماضي بتمايزها الثقافي وتفردها في دعم الثقافة، إلى رتبة أقل شأنا في لائحة الدول التي تستثمر في الجهد الثقافي عبر العالم.
ومن شأن خطوة إلغاء المهرجان ولا شك، كما يرى الكثير من المهتمين الذين تابعوا دورات مهرجان السينما العربية في باريس، أن تضر بفكرة حوار الثقافات التي تمسك بها الرئيس الأسبق فرانسوا ميتران الذي تأسس المعهد برغبة منه في عهده في 1980 ومن ثم تمسك بها خليفته جاك شيراك، وأن فكرة التعريف بالثقافة العربية في باريس تفقد دعامة من دعائمها بخسارتها للمهرجان الذي يقدم الصورة العربية، في وقت يعد فيه فن الصورة فنا سائدا ومتقدما على غيره من الفنون.
وباختفاء بينالي السينما العربية تختفي مساحة تواجد للمبدع السينمائي العربي في باريس من خلال منبر عربي وفي أجواء مهرجانية احتفالية. لكن البلدان العربية التي قصرت في دعم المعهد ماليا على مدى السنوات الماضية ووفقما تنص عليه اتفاقية تأسيسه تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية.
وفي غياب المهرجان الذي كان يقام في مثل هذه الأيام كل عامين، يقتصر النشاط السينمائي لمعهد العالم العربي حاليا على أحياء أنشطة سينمائية وعرض أفلام وتظاهرات سينمائية.
ويقدم المعهد حاليا تظاهرة "ليالي كرفان للسينما العربية الأوروبية في باريس" التي تنظم بين 1 و13 تموز (يوليو) في باريس وهي تظاهرة ستنتقل إلى مرسيليا وسبع مدن فرنسية أخرى.
ورغم تواضع هذه العروض فقد أطلقت عليها تسمية "مهرجان المهرجانات" وهي الفكرة التي كان يريدها رئيس المعهد دومينيك بوديس في طرح أصر عليه وأعده كثير من المراقبين غامضا ويدل على قصور في فهم معنى المهرجان ومعنى حضور المبدعين إلى جانب أعمالهم ولقائهم بالجمهور.
ويتضمن البرنامج عرض 13 فيلما عربيا بالنسخة الأصلية المترجمة إلى الفرنسية من مختلف الدول العربية، ويفترض أن تعرض هذه الأفلام في الهواء الطلق في باحة معهد العالم العربي في الساعة العاشرة من كل يوم مع حلول الظلام، إلا أن طقس باريس الممطر هذا الصيف على نحو شبه مستمر يعطل فكرة عروض الهواء الطلق.
و"كارافان السينما العربية-الأوروبية" برنامج ممول بدعم من الاتحاد الأوروبي ضمن برنامج اوروميد السمعي-البصري، وكان آذار (مارس) قد شهد أول فعاليات هذا البرنامج لعام 2008.
وسيشهد أيلول (سبتمبر) 7 حتى 12 منه "كارافان الفيلم الوثائقي العربي-الأوروبي" في باريس الذي يقدم مجموعة من الأفلام الوثائقية العربية الطويلة والقصيرة بحضور عدد من مخرجيها.
أما التظاهرة الحالية فقدمت أفلام "التلفزة جاية" للتونسي منصف ذويب و"أحمر وأبيض وبير" للجزائري محمد زموري و"السيمفونية المغربية" للمغربي كمال كمال و"البلد رقم واحد" للجزائري رابح عامر زعيميش و"عمارة يعقوبيان" للمصري مروان حامد.
وتقدم الليالي مساء اليوم الأحد فيلم "سكر بنات" للبنانية نادين لبكي كما تقدم فيلم التونسي ناصر خمير "بابا عزيز" مساء الإثنين يتبعه فيلم "خراطيش فرنسية" للجزائري مهدي شارف.
ومساء الأربعاء تقدم الليالي العربية فيلم "قص ولزق" للمصرية هالة خليل ثم فيلم "خارج التغطية" للسوري عبد اللطيف عبد الحميد يتبعه فيلم "بالوما بيكاسو" للجزائري نادر مكناش وفيلم المصري محمد مصطفى "أوقات فراغ".
وتختتم العروض بفيلم التونسي نوري بوزيد "آخر فيلم" الذي يتناول قضية البحث عن الهوية لدى شاب تونسي ممزق بين الحداثة وبين مصيدة الإسلام المتطرف الذي يدفع به إلى الإرهاب.
وجميع هذه الأفلام شاركت في العديد من المهرجانات الدولية وفازت بعدد من الجوائز.