سوق النفط مشدودة إلى نمو الطلب وضعف الإمدادات من خارج (أوبك)
سوق النفط مشدودة إلى نمو الطلب وضعف الإمدادات من خارج (أوبك)
يبدو أن السوق النفطية ستكون مشدودة في الأفق المنظور، وذلك بسبب ضعف الطاقة الإنتاجية الفائضة لدى الدول الأعضاء في منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك)، واستمرار النمو في الطلب خارج منطقة منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي التي تضم الاقتصادات الرئيسية في العالم، هذا إلى جانب تراجع الإمدادات من خارج (أوبك)، الأمر الذي يجعل الإمدادات عرضة للانقطاع ويسهم هذا الوضع بالتالي في إبقاء سعر البرميل مرتفعا.
ووفقا لتقرير المدى الوسيط لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، فإن معظم النمو في الطلب على النفط سيتركز في الدول الآسيوية، الإفريقية ومنطقة الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية، التي ستشكل نحو 90 في المائة من حجم الطلب المنتظر.
ويقدر التقرير أن تبلغ نسبة النمو في الطلب 1.6 في المائة سنويا من 86.87 مليون برميل يوميا هذا العام إلى 94.14 مليون عام 2013. خلال فترة السنوات الخمس هذه سيتراجع الطلب في دول منطقة التنمية والتعاون الاقتصادي بنسبة 1 في المائة إلى 48.3 مليون برميل يوميا.
خلال النصف الأول من هذا العام تراجع الاستهلاك النفطي في منطقة منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي بمقدار 760 ألف برميل يوميا، معظمه في الولايات المتحدة الأمريكية. من ناحية أخرى لم تصدق التوقعات الخاصة بالإمدادات من خارج (أوبك) التي كانت تضعها في حدود 860 ألف برميل يوميا وما يزيد على المليون ونصف المليون برميل يوميا العام المقبل، لكن مراجعة التقديرات على أساس الأداء الفعلي تشير إلى أن حجم الإمدادات من خارج المنظمة بلغ في واقع الأمر 230 ألفا فقط يمكن أن ترتفع في النصف الثاني إلى 700 ألف بسبب تحسن وضع الإمدادات في أذربيجان والبرازيل، وتصعد العام المقبل إلى 830 ألف برميل يوميا. لكن مع احتمال التأخير في إنجاز المشاريع وتصاعد التكلفة، فإن الطلب على نفط (أوبك) سيكون في تزايد مستمر.
خلال الربع الثاني الماضي بلغ إنتاج (أوبك) 32.3 مليون برميل يوميا، بزيادة طفيفة لا تتجاوز 100 ألف برميل عن إنتاجها خلال الربع الأول الماضي، وأسهم الإنتاج العالي في كل من العراق وأنجولا في تحسين الإمدادات من (أوبك) وتعويضها عن تراجع الإنتاج النيجيري والفنزويلي والإيراني أحيانا.
السعودية من جانبها ستضخ ابتدءا من مطلع هذا الشهر 9.7 ملايين برميل، وهو أعلى معدل إنتاجي لها في غضون فترة 27 عاما، الأمر الذي سيرفع من ناحية حجم الإمدادات من (أوبك) إلى 32.7 مليون في الربع الثالث من العام، لكن ذلك سيسهم من ناحية أخرى في تقليص حجم الطاقة الإنتاجية الفائضة إلى 1.2 مليون برميل يوميا، وهو ما يضع حجم هذه الطاقة في أو أقل من المليون ونصف المليون برميل يوميا لثالث ربع سنوي على التوالي. وعندما تعمل الصناعة النفطية بطاقة تتجاوز 90 في المائة فإنها تصبح عرضة للانقطاع وهي حالة تسهم في إبقاء الأسعار مرتفعة، وهذا ما يشير إلى أن الصدمة النفطية الثالثة كما أصبح يطلق عليها لا تزال في عنفوانها.
وفي إفادة لدانييل يرجن الباحث المعروف في ميدان الطاقة، أن هناك عوامل تقليدية وأخرى مستحدثة أصبحت تلعب دورا في دفع الأسعار إلى أعلى. وأضاف في شهادة له أمام إحدى لجان الكونجرس أواخر الشهر الماضي، أن المجال يبدو مفتوحا أمام تصاعد سعري بسبب هذه العوامل وعلى رأسها الطلب المتنامي. فخلال السنوات الخمس الماضية سجل الاقتصاد العالمي نموا في حدود 5 في المائة، وهو ما نتج عنه إدخال ملايين من البشر في دائرة النشاط الاقتصادي الذي يحتاج إلى الطاقة الأحفورية، لكن من الجانب الآخر المتعلق بالإمدادات فإن عدم الوصول إلى احتياطيات جديدة، والضباب الذي يحيط بأجواء الاستثمار والنقص في الآليات والقوى البشرية المدربة من مهندسين وجيولوجيين إلى جانب البعد الجيوسياسي، الذي أدى إلى غياب ما بين مليونين إلى ثلاثة ملايين برميل لأسباب أمنية وسياسية. وفوق هذا الوضع الحرج للطاقة الإنتاجية الفائضة ومن ثم عدم اطمئنان السوق، إلا أنه يمكن تلبية كل الاحتياجات حال حدوث انقطاع في الإمدادات.
كما تناول العوامل الجديدة المؤثرة مثل ارتفاع تكلفة تنفيذ مشاريع نفطية جديدة بمقدار الضعف مقارنة بما كانت عليه قبل أربع سنوات، فتكلفة حفارة تعمل في المياه العميقة ارتفعت إلى 650 ألف دولار يوميا من 125 ألفا مثلا، وهناك أيضا والوقت الطويل الذي تستغرقه المشاريع الجديدة لتدخل حيز الإنتاج.
لكن يرجن يرى أن الأسعار العالية للنفط والمستمرة منذ سبع سنوات بدأت تعطي مؤشرات على حدوث تأثير في سلوكيات المستهلكين، فالسوق شهدت في الفترة الأخيرة زيادة في فاعلية أداء السيارات وذلك للمرة الأولى منذ 32 عاما، كما تصاعد الاهتمام باقتصاديات تسيير السيارات وتركيز الشركات على الأداء الاقتصادي.
وأهم من هذا أنه يرى أن الوضع في الولايات المتحدة على الأقل قد تجاوز مرحلة الذروة فيما يتعلق بالطلب في العام الماضي، وذلك في إطار الاستجابة للأسعار العالية، الأمر الذي يفتح الباب أمام متغيرات ستنعكس على مختلف أوجه الصناعة ومن بينها السعر، فمن السهل حدوث ترشيد في حدود 7 إلى 10 في المائة من استهلاك البنزين مثلا، وهو ما يمكن أن ينتج عنه توفير نحو 900 ألف برميل يوميا.
ومع تزايد هذه القناعات بوجود طلب متنام ووجود شيء من الشح في جانب الإمدادات، فإن التركيز على دور المضاربين في دفع سعر البرميل إلى أعلى بدأت في التراجع، خاصة أن التعامل في الأسواق المستقبلية يتركز على الأموال لا على براميل حقيقية يتم تداولها في السوق، وعليه فليست هناك إمدادات حقيقية تم حجبها عن السوق بسبب المضاربة، وهو ما يعيد تركيز الضوء على جانب العرض والطلب.