عثماني.. فقيه المصرفية الذي وصفه الخليجيون بـ "المتآمر" وأنصفه الغربيون
أنصفت صحف المال الغربية أخيرا، أحد أبرز فقهاء البنوك الإسلامية في الألفية الحديثة بعد وصفه من قبل "المستفيدين" فيما بينهم "بالمتآمر" لإذابة سوق الصكوك الخليجية واغتيالها لمجرد أنه تجرأ بالإشارة إلى هياكل الصكوك "غير الإسلامية"، أي المحرمة بلهجة أشدّ، والتي كانت تتفشى في نسيج صناعة المال الإسلامية.
وكانت صحيفة "الفاينانشيال تايمز" اللندنية قد وصفت عثماني "بصاحب المعروف" الذي عمَ به قطاع الصيرفة. حيث تقول "ولكن معظم المصرفيين والمحامين العاملين في الصناعة يرون أن رئيس المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة ربما يتضح أنه قدم للسوق"، معروفاً كبيرا "حين أوضح منذ الآن وليس بعد حين نوعية السندات المقبولة في أعين الفقهاء من أهل السنة والجماعة".
معلوم أن عثماني، رئيس المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة، قد خرج على الملأ في أحد المؤتمرات الإسلامية، التي عقدت في البحرين قبل بضعة أشهر، مدافعا عن التبعات الاقتصادية التي أحدثها تصرحه. حيث استهل خطابه أمام الحضور بعبارة "أصبحت متهما بأنني تآمرت ضد الصكوك الإسلامية الصادرة في بلدان العالم الإسلامي وغير الإسلامي، مع أنني حاولت أن تكون تلك الأداة في صالح الصيرفة الإسلامية".
وتطرح الإشادة الغربية تساؤلات عدة، فكيف أصبح تصويب الخطأ وعدم السكوت عليه في أعين الخليجيين شيئا من السلبيات التي توصم بها السيرة الذاتية للفقيه المصرفي؟ فهل ينتظر القائمون على إصدارات الصكوك إشادات الغرب لكي يثمنوا الموقف التاريخي للشيخ؟
مخالفة الضوابط
قال عثماني، وهو فقيه مسلم حنفي ليس معروفاً على نطاق واسع خارج الشرق الأوسط،، إن 85 في المائة من الصكوك، خالفت مبدأين أساسيين من المبادئ الشرعية في الإسلام.
كان عثماني يشير على وجه الخصوص إلى نوعين من هياكل السندات الإسلامية التي بدأت تسيطر على الأسواق بنهاية عام 2006. يعرف هذان الهيكلان بالمشاركة والمضاربة.
وتتابع صحيفة المال المرموقة "وبالفعل، بين شهري تشرين الثاني (نوفمبر) وشباط (فبراير) لم يتم إصدار حتى ولا صك واحد بمبالغ كبيرة من الصكوك الدولية أو الصكوك المقومة بالدولار، ما يشير إلى أن بيان الشيخ عثماني ربما يكون قد أحدث ضرراً دائماً لسوق شهدت نمواً عجيباً منذ عام 2002، حين أصدرت حكومة ماليزيا أول سندات إسلامية".
قال داني ماركس، المدير الإداري للخزانة والأسواق الرأسمالية لدى البنك الاستثماري الإسلامي الأوروبي، وهو بنك إسلامي مقره لندن: "هذا تطور إيجابي، على اعتبار أنه يحول دون انزلاق السوق نحو مسار معين يعده الجميع أنه مخالف لروح الشريعة".
رغم الجدال حول التزام المنتجات بالأحكام الشرعية وحالات الاضطراب والجيشان في النظام المالي التقليدي، إلا أنه تم هذا العام إصدار سندات إسلامية بقيمة 2.5 مليار دولار، وهو رقم لا بأس به، وإن كان لا يصل حتى إلى نصف قيمة الصكوك التي صدرت خلال الفترة نفسها من العام الماضي.
تبعات التصريح
وفي الأسابيع القليلة الماضية، بدأت الحركة بالعودة إلى السوق شيئاً فشيئاً. وهناك إصداران لا بأس بهما من الحكومة البحرينية ومن شركة فيلامار للصكوك، ومقرها البحرين.
ولكن في علامة على تغير المشهد في الساحة، كان هذان الإصداران يقومان على هيكل الإجارة، وهو هيكل لم يتعرض له عثماني بالانتقاد.
قال عثماني إن هيكلي المشاركة والمضاربة مخالفان للأحكام الشرعية لأنهما كانا يؤمنان للمستثمرين تعهداً بإعادة شراء الصكوك، وفيه تَعِد جهة الإصدار بإعادة شراء الصك حسب قيمته الاسمية حين يبلغ تاريخ الاستحقاق، أو في حالة الإعسار.
هذا النوع من التعاملات يبدو على شكل عائد مضمون، وهو أمر يخالف روح التمويل الإسلامي، حيث لا يجوز التعامل بالربا، ويجب على المشترين اقتسام المخاطرة والأرباح. كذلك انتُقِدت هذه التعاملات المالية لأنها لم تقم دائماً بنقل الموجودات من المقترض إلى المقرض، وهو من شأنه كذلك أن يثير علامة استفهام حول هوية الجهة التي تتحمل المخاطر في هذه العملية.
الإجارة.. الناجي الوحيد
ونفذت هياكل صكوك الإجارة بجلدها بتفاديها للانتقادات القاسية التي تعرضت لها شقيقاتها من الهياكل الأخرى. وفي العادة يتضمن هيكل الإجارة ترتيباً يقوم على البيع ثم استئجار العقار من جديد، لأنها تستخدم نوعاً من الموجودات، تكون في العادة إحدى البنايات، لجمع الأموال. وتوضع البناية في "أداة خاصة لهذا الغرض" SPV من قبل المالك، مقابل مبلغ محدد من المال، ولنقل إنه 100 مليون دولار. ثم تقوم الجهة الخاصة بجمع 100 مليون دولار من المستثمرين لتمويل أحد مشاريع الأعمال. بعد ذلك تقوم الجهة الخاصة بتأجير البناية إلى المالك مقابل مبلغ شهري محدد، وهذا المبلغ يدفع للمستثمرين.
وحيث إن هذه الدفعات تأتي كدفعات إيجار، فإنه لم تستخدم أموال ربوية لتمويل المشروع، وهو ما يتمشى مع الأحكام الشرعية. وحيث إن البناية في العادة لا تخسر قيمتها، فإن المستثمرين من الناحية العملية يضمنون مبلغ رأس المال وأنه سيبقى متكافئاً مع القيمة الاسمية عند تاريخ الاستحقاق، رغم أنه لا تقدم للمستثمرين أية ضمانات صريحة.
السمعة السيئة تلاحق المشاركة والمضاربة
وفي حالة المشاركة، فإن أحد الشريكين، الذي يكون في العادة أحد البنوك، يضع المال في المشروع، والشريك الآخر، الذي يكون في العادة إحدى الشركات، يقدم الموجودات، مثل قطعة أرض، يتم تطويرها، ويتم ضمان رأس المال بالقيمة الاسمية عند تاريخ الاستحقاق، حتى وإن كان هناك احتمال بأن قيمة الاستثمار يمكن أن تهبط إلى ما دون القيمة الاسمية. وكانت هذه هي النقطة التي أثارت اعتراض الشيخ عثماني.
وفي حالة المضاربة، حيث تعيِّن مجموعة من المستثمرين وكيلاً لإدارة أو تطوير الأرض أو مشروع آخر، فإن رأس المال يكون كذلك مضموناً بحسب قيمته الاسمية.
تفشي صكوك الريبة
يقول روجر ويديربيرن داي، وهو شريك لدى المؤسسة القانونية ألن آند أوفري Allen & Overy: "يصر الفقهاء على أن يتعرض المستثمرون للمخاطر التي تصاحب أداء الموجودات التي يقوم عليها الصك، والتي تشكل جزءاً من الاستثمار. وهذا يعني أن تحديد سعر مسبق أو مضمون لهذه الموجودات يجب الابتعاد عنه، وبالتالي يتم تحقيق التوازن بين المخاطر والعوائد".
بدأ الجدال بالاشتداد في السنة الماضية فقط، حين أصبحت هياكل المشاركة والمضاربة واسعة الانتشار. وقبل عام 2005، كان الهيكل الوحيد المستخدم هو هيكل الإجارة. وبحلول نهاية عام 2007 كانت غالبية الصكوك الصادرة، إما على شكل مضاربة أو مشاركة.
يذكر أن ارتفاع نسبة استخدام هياكل المشاركة والمضاربة يعود إلى أن المصرفيين كانوا يريدون أشكالاً من التمويل تتمتع بقدر أكبر من المرونة ولا تعتمد على الموجودات أو المباني، التي جعلت الجهات المصدرة مقتصرة على الجهات التي توجد لديها ممتلكات.
يقوا نيل ميلر، وهو شريك في المؤسسة القانونية نورتون روز Norton Rose: "من جهة، هناك مصرفيون يريدون خلق أدوات استثمارية لها طابع السندات، ومن جهة أخرى هناك الفقهاء الذين لا يريدون مشاهدة سمات معينة، مثل الدفعات المضمونة، التي تسللت إلى الهياكل الجديدة لأن النموذج الاقتصادي الذي يسعون إليه يتطلب قدراً أكثر إنصافاً من حيث اقتسام الربح والخسارة".
والآن بعد كل هذا الجدال، أين تقف السوق الآن؟
يقول جواد علي، وهو شريك في المؤسسة القانونية كينج آند سبولدينج King & Spalding، ولها مقران في دبي ولندن: "التمويل الإسلامي وأسواق الصكوك سيستمران في النمو. وخلال السنوات العشر المقبلة في منطقة الخليج سيكون هناك مشاريع مقررة للبنية التحتية تزيد قيمتها على ألف مليار دولار. وسيسعى قسم كبير من هذه المشاريع للحصول على تمويل وفق أحكام الشريعة الإسلامية. ولا شك لدي في أن القضايا المحيطة بسوق الصكوك الآن سيتم التعامل معها لتسهيل تمويل هذه المشاريع الضخمة".
الجنرال والفقيه
وكان الجنرال محمد ضياء الحق أول من تنبأ بفطنة الفقيه الشاب عثماني قبل أكثر من 40 سنة. فبخلاف كونه أحد الأدوات الأساسية التي ساهمت في ستينيات القرن الماضي في تقديم مفهوم الصيرفة الإسلامية لبلاده، فقد أصبح أحد جلساء الجنرال الذين يستعان بهم في قد استعان بهم في إقامة الحدود والقصاص. ويشهد للجنرال الباكستاني إخلاصه وتفانيه في أسلمة كل مناحي الحياة في بلاده قبل أن يلقى مصرعه بعد أن تحطمت طائرته قبل تحقيق حلمه بأسلمة البنوك.
بناية جيل
ويعزو مراقبون في صناعة التمويل الإسلامي تطور الصيرفة الإسلامية خلال سنواتها الأولى الماضية إلى " العشرين فقيها" أو من يعرفون "بالشيخ عثماني وزملائه"، بمن فيهم الشيخ محمد علي القري والشيخ نظام يعقوبي، الذين كانوا يقدمون النصح والمشورة لعدد من البنوك، مثل بنك إتش إس بي سي هولدنجز وبنك سيتي جروب وبنك بي إن باريبا. ومن خلال عمل البنوك مع هؤلاء الفقهاء أنشأوا معا سوقاً قيمتها 60 مليار دولار من الصفر تقريباً قبل عقد من الزمن, كما تشير بيانات "بلومبيرج" و "ستاندارد آند بورز".
وبعد أزمة الصكوك الماضية, ظهرت خبرات هؤلاء الفقهاء واضحة في قرارات الهيئة الإرشادية حول تصويب الهيكلة الخاصة بالصكوك، وكذلك بالبرنامج الجديد.