المؤتمرات والإحصائيات
المؤتمرات والإحصائيات
صناعة المعارض والمؤتمرات لها سوق رائجة في العالم، بل ونجد بعض المدن تعتمد في اقتصادها على استضافة المؤتمرات العالمية والمعارض الدولية، بما يسمى سياحة المؤتمرات. ويستبشر المخلصون خيراً بكثرة هذه المعارض والمؤتمرات في مدن المملكة المختلفة، لما لها من دور في تنشيط السياحة والحركة الاقتصادية. تعتمد هذه المؤتمرات في الغالب على ثلاثة أضلاع، الأول منظم المؤتمر، الثاني رؤساء الجلسات والمحاضرون، والثالث الحضور من المهتمين بالمجال. وقد تم الترتيب حسب الأهمية، فدور المنظم هو الأقوى في وضع أهداف ومحاور المؤتمر، وبعد ذلك في اختيار واستقطاب رؤساء الجلسات والمتحدثين المتميزين واختيار المكان المناسب، وإذا تم ذلك بنجاح فستسهل عملية التسويق وجذب الحضور.
والمنظم إما أن يكون جهة حكومية كالوزارات والجامعات والجمعيات العلمية، وقد تستعين بجهات تجارية للتنظيم، وفي هذه الحالة يكون هناك حرص كبير على ضمان نجاح المؤتمر. وقد يكون المنظم جهة تجارية متخصصة في تنظيم المؤتمرات، وليس لها علاقة من قريب أو بعيد بمجال المؤتمر، وإنما هدفها تجاري بحت، وفي هذه الحالة وللأسف فإن احتمالية الفشل تكون عالية جداً.
ومن أسباب زيادة هذه المؤتمرات أنها أصبحت غير مكلفة للمنظم، بل مربحة في كثير من الأحيان، وذلك عن طريق رعايتها من قبل شركات ومؤسسات تجارية. ورغم ربحية هذه المؤتمرات للجهة المنظمة، إلا أنها قد تكون مكلفة للاقتصاد الوطني، فمن سيحضر جلسات المؤتمر سيترك عمله، وقد يسافر ليضيع وقته ووقت عمله في حضور مؤتمر ولد ميتاً، وكذلك الراعي سيخسر مبالغ الرعاية بدون مردود فعلي بسبب فشل المؤتمر. حيث إن الشركات المتخصصة في تنظيم المؤتمرات لها أذرع إعلامية قوية، فقد لا يكتشف أحد فشل هذا المؤتمر أو ذاك إلا الحضور، وهم في الأصل عددهم قليل جداً، بل وصلت الجرأة ببعض المنظمين التجاريين أن يعلن عن المتحدثين وأسمائهم رغم عدم موافقتهم على الحضور، ويستغل ذلك في جلب الرعاية للمؤتمر، والغريب أن إحصائيات الحضور وحتى قبل بدء المؤتمر، يعلن عنها بأن المتوقع حضور عدد 500 أو ألف متخصص، وتستمر الأرقام ذاتها بدون زيادة أو نقصان يعلن عنها خلال أيام المؤتمر وبعد نهايته، وقد يكون هذا العدد صحيحا فقط في الافتتاح، أما بقية الجلسات فتجد العدد لا يتجاوز 10 في المائة من الأرقام المعلنة، ولا يكتشف الكذبة في بعض الأحيان إلا بعض الحضور.
وكما نعلم أن رعاية الشركات لأي مؤتمر تعتمد بشكل كبير على كثافة الحضور، خصوصاً مع كثرة المؤتمرات وضرورة الانتقائية في الاختيار، ومن هنا أنادي بأن تكون هناك جهة مستقلة ولتكن تابعة لمجلس الغرف التجارية أو أي جهة محايدة أخرى، ويكون دورها في توثيق إحصائيات الحضور وبالتفصيل، ولكل يوم من أيام المؤتمر، وكل جلسة من جلساته، وكذلك تقوم هذه الجهة بمتابعة وضمان مصداقية الإعلانات فيما يتعلق بالمتحدثين والجهات الراعية. على أن يتم توثيق هذه الإحصائيات ونشرها على الإنترنت، وبطبيعة الحال هذه الإحصائيات سيكون لها دور كبير في حث الجهات المنظمة على استقطاب المحاضرين المتميزين والشركات الجيدة، لضمان نجاح المؤتمر وبناء سمعة جيدة، كما يساعد المحاضرين ورؤساء الجلسات على القبول أو الاعتذار عن الدعوات المقدمة لهم.
من الطرائف أنه في أحد المؤتمرات يسألني رئيس إحدى الجلسات عن مجال هذا المؤتمر، فيقول اتصل بي زميلي فلان هذا الصباح وطلب مني الحضور بدلاً عنه لرئاسة إحدى الجلسات! فأي نقاش هادف ننتظر ورئيس الجلسة في تخصص بعيد كل البعد عن مجال الجلسة.