التمويل الإسلامي: ما وراء الكواليس الإعلامية

التمويل الإسلامي: ما وراء الكواليس الإعلامية

طيلة السنوات الخمس الماضية، احتل نظام التمويل الإسلامي العناوين الرئيسية بالصحافة بصورة منتظمة.
ولم تكن كلمات مثل منتج "بالغ الأثر" أو "مبتكر" بعيدة عن التداول. وبعد مرور 1400 عام على قيام الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ببيان الطريقة التي ينبغي أن يتم بها التمويل، بدا الأمر كما لو أن كل جهة مصدرة، ومصرف ومزود للخدمة القانونية يضرب على صدره اعتزازاً بما أنجزه نظام التمويل الإسلامي. وبطبيعة الحال، لم يتوان الإعلاميون عن إبداء رد فعل سريع على تلك المصطلحات الإعلامية الرنانة التي تلفت الأنظار.
وبينما يعد ابتكار عقود وشركات التمويل التجاري ونقلها إلى النظام البنكي العالمي المعاصر تحدياً مثيراً، لا ينبغي أن ينسى المرء في واقع الأمر أن القواعد التي تلتزم بها تلك العقود تعود إلى 1400 سنة خلت وأنها تخضع للتمحيص والفحص بشكل تام منذ ذلك الوقت.
أما على الصعيد الإعلامي، فقد لاحظت في مقالات الصحافيين وكتاب الأعمدة أن ليس لديها فهم كامل للموضوع الدقيق الذي يكتب عنه، عدا عن ترديد العبارات المألوفة الفارغة ذاتها دون أن يتم شرح ما يجري في حقيقة الأمر. ولذلك ظلت المعلومات المتعلقة بهذا الشأن سطحية في الغالب. وكان واضحاً أنه إلى جانب الكلمات المهنية التي تبدو مكلفة (صكوك، مرابحة، مشاركة..) أن معظم الصحافيين لم يكونوا على دراية حقيقية بالمضامين الحقيقية للرسائل التي يبعثون بها. لقد كان بعضهم بمثابة الغرباء غير العارفين ولا المطلعين بما يؤهلهم لإعداد تقاريرهم، وبدا كما لو أن معظمهم لا يعبأون بذلك في حقيقة الأمر.
وباستثناء بعض الوكالات العالمية المحدودة، فقد ساهمت بعض الصحف الغربية الرائدة في تضخيم هذه الفقاعة وجعلتها تبدو كشكل آخر من أشكال التمويل العادي بالضبط دون أن تتضمن أية رسالة جديدة في داخلها. لقد كانت تتم تعبئة مضامين محتوى الخبر الاقتصادي الإسلامي من قبل مراسلي الصحف أنفسهم وبقيت غامضة وأحياناً متناقضة. ودللت بعض المحاولات غير الناضجة للبرامج التلفزيونية التي كانت تناقش نظام التمويل الإسلامي أن الذين يجرون المقابلات مع الضيوف الذين يطلقون الابتسامات العريضة هم سيئو الاطلاع ولذلك كانت تلك البرامج تتمخض عن عكس النتائج المتوخاة منها.
فالصكوك ليست مجرد شكل من أشكال السندات التقليدية، كما أن صندوق الأسهم الخاصة الإسلامية ليس مجرد أداة استثمارية أخرى. وكثيراً ما يعتقد الصحافيون أنهم يقومون بعمل سهل بتغيير كلمة "سندات" إلى "صكوك" دون أن يفهموا ما الذي يجري. إن الهيكلة القانونية والنتائج يمكن أن تختلف اختلافا كبيراً عن نظام التمويل التقليدي. وهي أيضا أدوات تمويل تعكس طريقة أساسية للسلوك المالي الأخلاقي. إنها لا تمثل المال ببساطة، ولكنها التمثيل الخارجي للطريقة التي ينبغي أن يعامل المال بها.
وفيما يتعلق بجمع المحتوى الصحافي الخاص بالصيرفة الإسلامية، فإنه لا يكفي الحديث عن أحدث الصكوك البالغة الأثر، والقابلة للاستبدال والتفضيلية، ولكن ينبغي على المرء أن يفهم ويحس بالهكيل المالي الكامن خلفها والمنطلق الأساسي الذي استخدم لتحديد ذلك الهيكل. إن الكلمات رمز للقيم الأخلاقية التي تكمن خلفها. وينبغي أن يتم إيصال كل ذلك إلى عامة الناس. وحينها وعندما يبذل الصحافيون قصارى جهدهم لاستيعاب هذه المفاهيم، فسيقدمون قيمة مضافة للمجتمع.

paul.wouters @ bener.com.tr

الأكثر قراءة