مضامين مهمة وضرورية في زيادة الإنتاج السعودي
مضامين مهمة وضرورية في زيادة الإنتاج السعودي
سوف تضيف المملكة العربية السعودية 200 ألف برميل إلى إنتاجها اليومي من النفط بحلول شهر تموز (يوليو) 2008. وعلى الرغم من حقيقة كون هذه الأنباء سبباً في تراجع أسعار النفط بعض الشيء، إلا أن من المتوقع استمرار تذبذب أسعار النفط هذا الأسبوع قبيل اجتماع على مستوى رفيع في الثاني والعشرين من حزيران (يونيو) الحالي بين مسؤولين نفطيين سعوديين، ومسؤولين نفطيين أجانب.
وفي محاولة منها لاستعادة استقرار أسواق النفط، وأخذ زمام المبادرة، فإن المبادرة السعودية قبيل الاجتماع النفطي رفيع المستوى في جدة بتاريخ 22 حزيران (يونيو) 2008، جاءت لزيادة الإنتاج اليومي من النفط بـ 200 ألف برميل يومياً اعتباراً من تموز (يوليو) هذا العام، إضافة إلى 300 ألف أعلنت عنها فيما يتعلق بإنتاج شهر حزيران (يونيو).
مضامين هذه الخطوات
عملت هذه الأخبار على تراجع أسعار النفط إلى حد ما، حيث تراجع سعر عقود النفط المستقبلية المبرمة في بورصة نيويورك إلى 134 دولاراً للبرميل. ومن المتوقع استمرار تذبذب أسعار النفط خلال الأيام القليلة المقبلة، حيث هضمت أسواق النفط الأخبار الواردة من المملكة العربية السعودية، بانتظار النتائج الرسمية لاجتماع جدة.
وتتوقع "جلوبال انسايت" أن تؤدي هذه الكميات الإنتاجية الإضافية إلى تخفيف الضغط عن أسعار النفط، على الرغم من علم الأسواق بأنه إذا حصل تصحيح طفيف في الأسعار، فإن أوبك، والمملكة العربية السعودية التي تعد أكبر منتج في هذه المنظمة، يمكن أن تتراجع عن هذه الزيادة في اجتماع منظمة أوبك في أيلول (سبتمبر) المقبل.
تراجعت أسعار العقود المستقبلية في بورصة نيويورك بعض الشيء بتاريخ 13 حزيران (يونيو) بعد أخبار زيادة الإنتاج من جانب المملكة العربية السعودية، وبأن هنالك كذلك زيادة قريبة في إنتاج النفط. وتراجع سعر النفط بعد أن وصل إلى 137.8 دولار للبرميل إلى 134.68 دولار للبرميل، أي أن التراجع بلغ 1.88 دولار للبرميل الواحد. وواصلت الأسعار اتجاهها التراجعي البسيط هذا الصباح، حيث بلغ معدل السعر في العقود المستقبلية للشهر المقبل 134.20 دولار للبرميل وقت كتابة هذا التقرير. وتراجعت أسعار العقود الآجلة لنفط برنت يوم الجمعة، حيث أقفلت بسعر 134.25 دولار، أي أقل بـ 1.84 دولار عن اليوم السابق.
بدأ تراجع أسعار النفط في وقت متأخر من يوم الجمعة الماضي بعد ورود أنباء عن أن المملكة العربية السعودية يمكن أن تزيد إنتاجها بمعدل 500 ألف برميل يومياً في تموز(يوليو)، مما يجعل الإنتاج اليومي لأكبر منتج للنفط في العالم يتجاوز عشرة ملايين برميل. وتبين بعد ذلك أن هذه التقارير تحمل الكثير من المبالغة في التفاؤل، على الرغم من أن المملكة العربية السعودية أعلنت عن زيادة في إنتاجها اليومي من النفط بمقدار 200 ألف برميل في تموز (يوليو)، إضافة إلى الزيادة الخاصة بشهر حزيران (يونيو) البالغة 300 ألف برميل يومياً. وسوف ترفع المملكة إنتاجها بما يزيد قليلاً على 2 في المائة. ويبلغ معدل الإنتاج الحالي 9.45 ألف برميل يومياً، حيث إن الإنتاج الجديد سوف يمثل مستوى إنتاجياً لم يحدث منذ عام 1981.
وتم تفسير تحرك المملكة، على نطاق واسع، بأنه محاولة لتخفيف الضغوط الدولية المتزايدة عليها بسبب الارتفاع اللولبي في أسعار النفط، وزيادة مستوى تذبذب الأسعار، مما يلحق الأذى بأسواق الاستهلاك في الدول المتقدمة، ويؤدي إلى احتجاجات، وعدم استقرار محتمل في بعض الدول النامية التي يتزايد عجزها عن تمويل عملية دعم أسعار المشتقات النفطية فيها. وبينما ظلت الدول المتقدمة المستهلكة للنفط تتهم أوبك، والدولة الرئيسية المنتجة فيها، أي المملكة ، بأنها السبب الرئيسي في ارتفاع أسعار النفط، فإن أوبك ظلت على إصرارها على أن إمدادات النفط إلى الأسواق جيدة. ومن بين أسباب ارتفاع أسعار النفط تدني الاستثمارات الغربية في البنية التحتية للتكرير، والهجرة الواسعة لرأس المال العالمي، وسط ضعف في قيمة الدولار الأمريكي، حيث اتجهت تلك الرساميل نحو التجارة بالسلع. وأدت زيادات إنتاج مخزونات النفط الخام العالمية كذلك خلال الأشهر الماضية إلى دعم جانب العرض في الحجج الواردة إزاء ارتفاع الأسعار.
وسعياً من المملكة العربية السعودية إلى الرد على هذا اللوم، ومحاولة منها لاستعادة المبادرة، فإنها دعت الأسبوع الماضي ممثلين للدول الأعضاء في منظمة أوبك، وأسواق استهلاك النفط، ومسؤولين كبار من شركات النفط الكبرى، وقادة بعض الشركات المالية العالمية الرائدة، لاجتماع رفيع المستوى في عاصمتها المالية، جدة، في الثاني والعشرين من الشهر الحالي. وبزيادة كميات الإنتاج، فإن المملكة لم تكتف بمجرد الاستجابة للضغوط السياسية الدولية، بل إنها أعادت الكرة إلى ملعب الأطراف الأخرى في المؤتمر للقيام بواجبها في المؤتمر، لتهدئة أسواق النفط الخام، وتسهيل استمرار الاستثمار في قطاع النفط والغاز عالمياً.
والحقيقة أن المملكة العربية السعودية لم تغير قناعاتها المستمرة بأن إمدادات النفط الواردة إلى أسواق النفط العالمية كافية في الوقت الراهن. بل إنها قدمت مبادرة زيادة الإنتاج لتهدئة مخاوف الأسواق، فأظهرت بذلك قدرتها على المزيد من زيادة إنتاج النفط، مما يعمل على القضاء على شحة العرض المتوقعة.
الصورة المستقبلية والمضامين
بعد سنوات من الثروات الناجمة عن مبيعات النفط والخام، يبدو أن المملكة العربية السعودية شعرت بأنها مستعدة لتحمل مخاطرة زيادة تزويد الأسواق العالمية بالنفط الخام في الأجل القصير، مراهنة على شعور مستمر بضرورة الانضباط ضمن نظام حصص الإنتاج في أوبك إذا ما حصل تحول مهم في الطلب على النفط في المستقبل. وهكذا فإن هذه الاستراتيجية السعودية قلبت الصورة المستقبلية طويلة الأجل بالخوف من أن تهدد أسعار النفط بإحداث دمار على صعيد الطلب. وإن موقفها يسعى في الأساس إلى مواجهة التراجعات الاقتصادية في أسواقها من خلال التأكيد على أن الإمدادات تظل تحت سيطرتها حتى إذا تراجعت القوة الشرائية لعملائها.
لاقت الخطوة السعودية بزيادة الإنتاج إشارة موافقة من جانب الولايات المتحدة، وذلك حين قال ناطق باسم الرئيس بوش ما نقلته عنه وكالة رويترز "إننا نرحب بأي زيادة في إنتاج النفط، بما في ذلك من جانب المملكة العربية السعودية". وهنالك القليل من الشك في أن كميات الإنتاج الجديدة من جانب المملكة سوف تحسن ميزان العرض خلال بقية الربع الثاني من هذا العام، على الرغم من أهمية الفترة التي يتم فيها الإبقاء على هذه الزيادة الإنتاجية. ويتسم رد فعل الأسواق على هذا التحرك، بالحذر حتى هذه اللحظة، حيث تعلم أن هذه الأسواق أنه بقدر ما لدى السعودية من قدرة على زيادة الإنتاج، فإن بإمكانها كذلك العودة سريعاً عن هذا الأمر.
وتستمر توقعات "جلوبال انسايت" بأن أسعار النفط سوف تشهد تصحيحاً معتدلاً خلال النصف الثاني من هذا العام، مما يمكن أن يزيد من الضغوط الداخلية داخل السعودية، وضمن "أوبك" كذلك، من أجل العودة إلى الالتزام الكامل بحصص الإنتاج. غير أنه يمكن القول على الأقل بالنسبة للفترة القريبة المقبلة، إن المملكة تتطلع إلى تخفيف بعض من تذبذب الأسعار، حيث شهدت الأسواق زيادة 10.75 دولار على سعر برميل النفط خلال يوم واحد فقط، إذ بلغ السعر في ذلك اليوم 139.12 دولار. وعلى صعيد الولايات المتحدة التي تعد أكبر مستهلكي النفط في العالم، عملت هذه الأسعار المرتفعة للنفط، مع ضعف الاقتصاد، وأسعار الفائدة المتدنية، وضعف قيمة الدولار، على تراجع الطلب على النفط الخام ومشتقاته، مما جعل مصافي النفط تستجيب بتخفيض استيراد وتكرير النفط بأقل من الكميات المعتادة لهذا العام، حسب البيانات الصادرة عن إدارة معلومات الطاقة.
ومن المتوقع استمرار التذبذب في أسواق النفط هذا العام في الوقت الذي تنتظر فيه المزيد من التفاصيل عن التحرك السعودي بخصوص زيادة معدل الإنتاج، غير أن العيون تتركز الآن على اجتماع الثاني والعشرين من الشهر الحالي في جدة.
وأياً كانت النتائج، فإن الكرة الآن يمكن أن تعود إلى ملعب الدول المستهلكة لاتخاذ خطوات تجعل الخطوة السعودية أكثر فائدة. ومما يؤسف له، فإنه في ظل جدول أعمال الاجتماع الغامض، فإن من الصعب تصور أي مقترحات إضافية، ونتائج حاسمة يمكن أن يسفر عنها هذا اللقاء.