هل أصبحت السياسة الألمانية ذات مذاق إيطالي؟
لأن الولايات المتحدة دولة كبيرة وعظمى، وبمصالح عالية، فإن نظرة زعمائها السياسيين والمفكرين نادراً ما تكون موجهة إلى دول منفصلة بعينها فقط، بل إلى الأقاليم كلها. ولذلك، فإن إعمال الفكر والتفكير يتم في وزارة الخارجية والبيت الأبيض، وفي غرف التحرير، وفي مكاتب الجامعات، وفي ''مصانع الفكر'' المستقلة. ولا يشغل هذه الجهات في الظروف الحالية توافق الظروف الممكنة لتشكيل حكومة في برلين، بل النتائج الممكنة للقلق وعدم الاستقرار الطويل والمستمر في ألمانيا وفي أوروبا ومناطق أخرى من العالم.
بوش والمستشارية
يعلم الجميع أن الرئيس جورج دبليو بوش يمكنه أن يتعاون مع مستشارة اسمها ميركل أكثر من مستشار اسمه شرودر، وكل واحد يعلم كذلك أن جورج بوش يمكنه أيضا أن يتعاون مع مستشار اسمه شرودر، كما هي الحال في تعاونه مع مستشارة اسمها ميركل. وإن الصياغة التي أكد عليها آدم إيرلي الناطق باسم الخارجية الأمريكية التي ورد فيها أن ألمانيا '' صديق وحليف مقرب''، وأن استمرارية العلاقات الممتازة بين برلين وواشنطن مع أية حكومة كانت متوقعة أيضا، تعني أكثر من عبارة مجاملة أو صيغة محسنة. وهي تكشف القلق إزاء الاضطرابات السياسية الداخلية ليس في ألمانيا فقط، بل أيضا في فرنسا، وفي إيطاليا، حيث إن هذه الدول تمثل الشركاء المهمين في التحالف الأطلسي. و هي مشغولة بنفسها أكثر من الأمور التي تصب في إطار المصالح المشتركة والمهام والواجبات الاضطرارية في مناطق أخرى من العالم.
مصير العمل المشترك
صرح دان فريد، رئيس قسم أوروبا في وزارة الخارجية الأمريكية، أن مفهوم الاعتبارات السياسية لواشنطن يتداخل مع العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا نفسها، ''ولكن كيف يمكن للمرء بواسطة هذه العلاقات التمكن من العمل''. وهنالك مصالح متعددة ومشتركة مع الأوروبيين ذات أهمية خاصة، حيث ذكر فريد إضافة إلى أشياء أخرى، أفغانستان، ولبنان، والشرق الأوسط، وإيران، وإصلاح حلف الناتو( شمال الأطلسي). وساد منذ فترة طويلة القلق من أوروبا القوية المتحدية لأمريكا. إلا أنه ذهب الآن بالاتجاه العكسي إلى حد ما، حيث إن أوروبا من خلال أزمة المؤسسات المشتركة، وحالة الشلل السياسية في الدول الأعضاء المهمة يمكن أن تكون ضعيفة، بحيث ينقص هنا شريك مهم.
ألمانيا الإيطالية
فيما يتعلق بالتطور السياسي في ألمانيا، فإن الحديث الوارد في مساهمات الخبراء والمعلقين الصحافيين كان غالباً يتعلق بألمانيا الإيطالية، أي انتقال الأزمات السياسية الإيطالية إلى ألمانيا. فمن ناحية أولى، فإنه في حالة الحزب اليساري، ظهرت في ألمانيا قوة سياسية حسب النموذج الخاص بالأحزاب الشيوعية في إيطاليا وفرنسا، وإسبانيا. ومن ناحية أخرى، فإن زمن الحكومات المستقرة المتوسطة لأحزاب الشعب اليمينية واليسارية بالاشتراك مع الأحزاب الليبرالية كشريك ائتلاف ولىّ بشكل واضح. وبدأت مرحلة من عدم الرؤية، وعدم الوضوح. وفي هذه الزاوية يبدو الإرث التاريخي للجناح البرلماني الكبير في الائتلاف الأحمر - الأخضر بمثابة جعل سياسة ألمانيا إيطالية المذاق.
الإصلاح الاقتصادي
أما عن التوقعات حول ما إذا كانت الإصلاحات الاقتصادية التي بدأها شرودر سيتم استمرارها، فإن ذلك أمر مختلف. ورأت صحيفة ''نيويورك تايمز'' مسبقاً أن 80 في المائة من الناخبين يمكن أن يكونوا صوتوا لأحزاب مؤيدة للإصلاحات الأخرى. وترى الصحيفة أن الاقتصاد الألماني بالرغم من الصراع السياسي المتوقع، في الطريق إلى تحسين قدرته التنافسية لإطلاق طاقة النمو القديمة له: وفي المقابل، حذرت صحيفة ''وول ستريت جورنال''- المحافظة من شلّ أي حماس إصلاحي آخر، وترى أن ألمانيا على الطريق الأحسن والأفضل لتحل محل اليابان ''الرجل المريض للاقتصاد العالمي''. وفي الصحيفة ذاتها يرسم هارولد جيمس، أستاذ التاريخ في الجامعة المشهورة هارفارد، شبحاً مزعجاً لدولة مشلولة في كل ناحية ضمن بطالة مستمرة، ونمو اقتصادي ضعيف يمكن أن ينتج عنه خطر انعدام الاستقرار.
توقعات خاطئة
لفت سيمون سيرفاتي، من مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية، النظر إلى أن واشنطن مرت بتوقعات مبالغ فيها بالنسبة لفوز ظاهر لميركل، كما كان حال الأوروبيين حين توقعوا رئيساً للولايات المتحدة اسمه جون كيري. وحقيقة الأمر أنه يتوقع تحت رئاسة أنجيلا ميركل ضبط العلاقات بين ألمانيا وفرنسا، وبريطانيا، وروسيا، وأيضا الولايات المتحدة. إلا أن المرء ينبغي عليه ألا ينسى أن شرودر عارض الحرب على العراق بنجاح، وحصل مجاناً على فوز على خصومه عام .2002 وقبل الانتخابات الأخيرة في 18 أيلول (سبتمبر) كان قد رسم على الحائط شبحاً لتدخل أمريكي جديد في إيران .
ويقول سيرفاتي إنه في الشؤون العالمية، تظل الاختلافات بين ألمانيا وشركائها الجدد في أوروبا أقل مما هي مع صانع الخير القديم، أمريكا أي حماس.