السؤال الصعب
السؤال الصعب
إذا صدق تقدير وزير الطاقة الجزائري شكيب خليل أن 40 دولارا من السعر الحالي لبرميل النفط لا علاقة لها بأساسيات السوق، وإنما هي نتاج لضعف الدولار من جهة والتوترات الجيوسياسية وعلى رأسها المواجهة الغربية مع إيران من جهة أخرى، فإن السوق والساسة مواجهون بمعضلة تتمثل في كيفية تفسير ما يجري من ارتفاع في الأسعار بطريقة ضفدعية، أي القفزات العالية المتتالية، فقبل معرفة السبب لا يمكن تحديد وصفة العلاج.
درجت كثير من التحليلات على وصف ما يجري بالصدمة النفطية الثالثة، بل إن رابطة كمبريدج لدراسات الطاقة، وهي بيت خبرة محترم أصبح يتحدث عن قرب وصول الصدمة النفطية الرابعة وذلك عندما يبلغ سعر البرميل 150 دولارا، وقتها ستتخذ الأزمة بُعدا جديدا، وأبرز علاماتها أن سعر البرميل سيأخذ مسارا مختلفا يتحرك بدوافع ذاتية ولن يدري أحد كيف تتحرك وما هي وجهتها.
الصدمة الأولى التي شهدها عقد السبعينيات تميزت بملمحين أولهما حركة التصحيح السعري لصالح المنتجين بعد عقود من الإهمال والاستغلال من جانب الشركات، وثانيها أن ذلك لم يكن ممكنا دون نمو في الطلب، ثم جاءت حرب أكتوبر بين العرب وإسرائيل عامل تفجير لخلق واقع جديد.
ما أطلق عليه الصدمة الثانية تمحور أساسا حول حالة الذعر والهلع الناجمة عن الثورة الإيرانية، وهي حالة لم يكن لها ما يبررها إلا الإحساس باحتمال حدوث نقص في الإمدادات بسبب الاضطرابات التي وصلت إلى صناعة النفط الإيرانية في شكل إضرابات، رغم أن واقع الحال كان يقول بتوافر إمدادات كافية وجدت طريقها إلى المخزونات وبدأت فيما بعد تشكل عامل ضغط على الهيكل السعري وفرض على منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) خفض أسعارها الرسمية لأول مرة في تاريخها في آذار (مارس) 1983.
هذه المرة الصورة معقدة بصورة أكبر ربما بسبب تعاظم موجة العولمة رغم أن الصناعة النفطية بطبيعتها وأساسها صناعة عالمية وعابرة للقارات والأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية.
أحد أبرز هذه المتغيرات أن الدول الغربية وعلى رأسها مجموعة السبع، التي أصبحت ثمانية بعد انضمام روسيا إليها، لم تعد هي المؤشر على ما يجري في السوق. ففي السابق كان النمو الاقتصادي في هذه المجموعة مؤشرا على حجم الطلب المتوقع من صناعة النفط، لكن برزت مناطق تأثير جديدة مثل البرازيل، الأرجنتين، روسيا، الهند، والصين، المعروفة بالأحرف الأول من أسمائها باللغة الإنجليزية (باريك)، فما دام الطلب قويا في هذه المناطق، فإن السعر سيظل مشدودا.
لكن في الوقت ذاته فإن المستهلكين الآخرين حتى وإن تراجع حجم الطلب لديهم إلا أنهم سيكونون مطالبين بدفع السعر العالي نفسه، وهذه إحدى ثمرات العولمة، وكون تجارة النفط عالمية بمعنى الكلمة, وأن ما يجري في أي بقعة في العالم يؤثر في بقية السوق سلبا أو إيجابا.
الأمر الآخر أن مناطق التأثير الجديدة لا تتمتع بالشفافية المطلوبة حتى يمكن معرفة أرقام الإنتاج والاستهلاك، ولهذا تتعدد وتتضارب التحليلات لأنها كلها تعتمد على تقديرات تكاد تكون ذاتية، ولهذا السبب فوجئ العالم في عامي 2004 و2005 بالنمو القوي في الطلب في كل من الصين والهند الذي جاء مفاجأة للجميع ولم يعرف به إلا بعد حدوثه فعلا.
وفي واقع الأمر فالمشكلة تطول حتى الدول الغربية، الأمر الذي دفع جوردون براون، عندما كان وزيرا للخزانة في بلاده، أن يقترح العمل على إيجاد طريقة لتوحيد المعلومات التي تبنى عليها القرارات، وهو ما يحدث بعد بالصورة المنشودة.
لكن الأهم من هذا كله تنامي الإحساس بدخول ملايين من المستهلكين الجدد إلى سوق الطاقة التقليدية خاصة في آسيا، وضمور عمليات الاكتشافات لاحتياطيات جديدة، وهو ما أسهم في إيجاد حالة من الشعور بعدم وجود إمدادات كافية تكفي حاجة السوق، رغم أن المسؤولين في (أوبك) وفي الشركات النفطية أمثال "إكسون موبيل" و"شيفرون تكساكو" يكادوا يرددون العبارات نفسها من أنه لم يذهب مستهلك للسوق ولم يجد ما يحتاج إليه من نفط، وليست هناك طوابير أمام محطات الوقود أو ناقلات تنتظر كي يتم تحميلها من مناطق الإنتاج.
هذا الوضع أسهم مع ثورة الاتصالات وبروز ممارسات ومؤسسات مالية لأنماط جديدة من العمل، كصناديق التحوط والبيع الآجل في الأسواق المستقبلية التي سعت (أوبك) في البداية إلى تجنب التعامل معها على أساس أنها نوع من المغامرة والمقامرة، لكنها فرضت نفسها واقعا في السوق وأصبحت تتداول فيها صفقات بمليارات الدولارات ومن قبل متعاملين لا يرون برميلا واحدا من النفط، وإنما الأمر كله تحريك لعمليات بيع وشراء على شاشة الحاسب الآلي.
ولهذا يبقى فهم ما يجري في السوق المفتاح لنجاح المؤتمر الذي تحملت السعودية عبء الدعوة إليه.