"فالكم": تحول الشركات العائلية إلى مساهمة خطوة أولى لخلق قيمة إضافية لحصص المساهمين
شكلت التغيرات الهيكلية في بنية الاقتصادات العربية بشكل عام، والخليجية بشكل خاص، تحديا على درجة عالية من الأهمية أمام الكيانات الاقتصادية العائلية، أخذ وتيرة متصاعدة من الجدل الذي حفلت به مؤتمرات واجتماعات وندوات ومحاضرات شهدتها منطقة الخليج وبالتحديد المملكة العربية السعودية خلال السنوات الأخيرة، ولتحمل مجمل تلك النقاشات تساؤلا مهما حول إن كان التوجه نحو تحويل الشركات العائلية إلى شركات مساهمة عامة يعتبر هدفا بحد ذاته، أم أن هنالك محددات جوهرية يجب أخذها بعين الاعتبار عند اتخاذ قرار التعويم؟
التوقيت المناسب
وأمام هذا السؤال أرجع تقرير اقتصادي متخصص أعد من قبل "فالكم للخدمات المالية" وانبثقت عنه ورقة عمل بحثية قدمت خلال رعاية "فالكم" ندوة "تحول الشركات العائلية إلى شركات مساهمة" التي نظمها المركز الوطني للمنشآت العائلية التابع لمجلس الغرفة التجارية والصناعية السعودية في الرياض بالتعاون مع "فالكم"، وحضرها عدد من كبار رجال الأعمال والمستثمرين ومديرين تنفيذيين ومستشاري استثمار وباحثين ومهتمين اقتصاديين، أن أي قرار يتجه نحو تحويل الشركة العائلية إلى مساهمة عامة يجب أن ينطلق من قاعدة أساسها جاهزية الشركة للطرح العام التي تعتمد على عاملين حاسمين هما مدى نجاح استراتيجيات الشركة التاريخية والمستقبلية، وطبيعة معطيات السوق الحالية والمستقبلية، على اعتبار أن الاكتتاب في الطرح العام الأولي للأسهم لا يعتبر غاية في حد ذاته، بل هو الخطوة الأولى في رحلة هدفها الأساسي خلق قيمة إضافية إلى حصص مساهمي الشركة، وبالطبع، هنالك تحديات متعددة في مواجهة هذه الرحلة، والتي تحتاج لعملية منظمة للتعامل معها.
معدلات سيولة عالية ومتزايدة
وبين التقرير مدى إيجابية محددات معطيات السوق السعودية الحالية والمستقبلية، من كونها أحد طرفي المعادلة، وعاملا مهما في رسم استراتيجية الشركات العائلية نحو التوجه للطرح العام، وفي هذا الجانب يرصد التقرير المناخ الاقتصادي للمملكة، حيث بلغ معدل النمو الإجمالي للسعودية خلال العام الماضي أكثر من 3.5 في المائة، فيما تمضي المملكة في عام 2008 بتنفيذ سياستها بعيدة المدى التي تركز على مشاريع التنمية في مختلف القطاعات، وإحداث التوازن بين حاجات التنمية الحالية وحاجات الأجيال المستقبلية، وانخفض الدين العام من 28 في المائة إلى مستوى 19 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، وحققت ميزانية الدولة لعام 2007 فائضا بلغ 178,5 مليار ريال، وبلغ الناتج المحلي للفرد 57,570 ريال، والذي يعد الأعلى منذ عام 1981.
إيجابية مؤشرات الاقتصاد السعودية
وأشار التقرير إلى أن الاقتصاد السعودي ينطلق لتحقيق معدلات نمو أكبر، كنتيجة لمجموعة الإجراءات المتخذة لخلق بيئة استثمارية مريحة حيث من المتوقع أن تبلغ نسبة النمو في إجمالي الناتج الإجمالي في عام 2008 نحو 5.7 في المائة، وبتخفيض معدلات الضرائب المفروضة على المستثمرين الأجانب وجد التقرير حتمية مواصلة ارتفاع حجم الاستثمارات الأجنبية في المملكة، حيث تعد المملكة عضوا فاعلا في منظمة التجارة العالمية وتقوم بجهود مستمرة لتحقيق التكامل بين دول مجلس التعاون الخليجي ، الأمر الذي يجعلها تلعب دورا رئيسيا في تطوير وتحسين التجارة إقليميا وعالميا، وخلق فرص جديدة لتحقيق مزيد من معدلات النمو في اقتصاد المملكة، أكبر اقتصاد بين الدول العربية، مما جعله بحسب التقرير يمتلك معطيات اقتصادية جيدة، وفرص نمو مستقبلية، ومعدلات سيولة عالية ومتزايدة.
سوق رأس المال.. كفاءة ومرونة التشريعات
وإلى جانب ما تشهده سوق رأس المال السعودية من تطور سريع، ضمن سعيها للوصول إلى تحقيق التكامل مع الأسواق المالية العالمية، حيث تعمل هيئة السوق المالية في المملكة العربية السعودية على تنظيم وإصدار القوانين والتشريعات التي تحكم أسواق المال، وأيضا ما تشهده من تطور سريع، ضمن سعيها للوصول إلى تحقيق التكامل مع الأسواق المالية العالمية، حيث تعمل هيئة السوق المالية على تنظيم وإصدار القوانين والتشريعات واللوائح التي تحكم أسواق المال، بما يسهم في رفع كفاءة ومرونة الجهة التشريعية والرقابية على السوق، حيث تمت إعادة هيكلة قطاعات السوق بداية من شهر نيسان (أبريل) الماضي لتصبح 15 قطاعا بدلا من ثمانية قطاعات، وبلوغ عدد شركات الخدمات المالية المرخص لها 87 شركة حتى نهاية شهر نيسان (أبريل) من عام 2008، لفت التقرير إلى قوة فرص نمو سوق الإصدارات الأولية في المملكة، بتجاوز نسبة الشركات العائلية العاملة فيها 90 في المائة من إجمالي المنشآت العاملة فيها، التي بلغت نسبة مساهمتها في الناتج المحلي الإجماليلعام 2007 نحو 18 في المائة أي ما يعادل 250 مليار ريال، وتمتلك الشركات العائلية أكبر نسبة تشغيل بنسبة وصلت 70 في المائة من القوى العاملة في دول الخليج.
الاكتتابات.. تصاعد درامي
وشهدت السوق الأولية (سوق الطرح الأولي للأسهم) في المملكة تصاعدا دراميا في أعداد الاكتتابات الأولية، التي تلعب دورا رئيسيا في تقوية سوق الأسهم السعودية حيث وصل عدد الاكتتابات خلال عام 2007 إلى ضعف إجمالي عدد الاكتتابات المطروحة خلال السنوات الأربع الأخيرة وصولا لعام 2006، إضافة إلى ارتفاع أعداد الأسهم المتداولة وأحجام العمليات المتداولة، ببلوغ متوسط حجم التداول اليومي 265 ألف صفقة في عام 2007، ومتوسط قيمة التداول اليومي إلى 10.3 مليار ريال، وأعداد إصدارات الأحقية، وإصدارات الطرح الثانوي للأسهم.
وبين التقرير أن الشركات المدرجة في السوق المالية السعودية تمثل نسبة ضئيلة جدا من إجمالي عدد الشركات في المملكة، حيث تحتل السوق المالية السعودية المرتبة الثالثة من حيث عدد الشركات المدرجة فيها التي وصل إلى 117 شركة، التي تضمن إدراج 26 شركة جديدة في السوق في عام 2007، مقارنة بـ 201 شركة مدرجة في سوق الكويت و125 شركة مدرجة في السوق المالية العمانية، فيما تمثل سوق الأسهم السعودية ما نسبته 40 في المائة من إجمالي القيمة السوقية للأسواق الخليجية.
نجاح استراتيجيات الشركة
وعلى الجانب الآخر من المعادلة، التي تتكون من عاملي أهمية معطيات السوق المحلية التي رأى فيها التقرير صورة إيجابية بجميع مؤشراتها واتجاهات أرقامها المحققة خلال السنوات الأخيرة والمستمدة من قوة نمو الاقتصاد وتسارع إجراءات تطوير السوق المالية تشريعيا وتكوينيا، وعامل نجاح استراتيجيات الشركة التاريخية والمستقبلية، أشار التقرير إلى أن الخطوة الأولى تجاه تحقيق طرح عام أولي ناجح لأسهم الشركات العائلية تكمن في تحديد حجم الاهتمام الذي تستطيع الشركة توليده في السوق المالية تجاه الاكتتاب، لأن الرغبة تجاه أي تعويم جديد للأسهم يمكن أن تنقلب وتتغير بشكل درامي في الأجلين القصير والطويل على حد سواء، التي تشكل إجابة عن تساؤل مدى جاذبية الشركة للمستثمرين.
ويرى التقرير أن تعويم أي أسهم مقترح يجب أن يقيم بشكل دقيق وبعناية شديدة من أجل التحقق من قدرة السوق على امتصاص أسعار الأسهم وكميتها في أي وقت يحدد لذلك، موردا العوامل التي تؤخذ بعين الاعتبار في تقييم شركة من أجل إدراجها، التي تتضمن، طبيعة الصناعة التي تنتمي إليها نشاطات الشركة، وإذا ما كانت الشركة تمتلك ميزة تنافسية في السوق أو لديها منتج مبتكر، إلى جانب تطلعات معدل النمو لدى الشركة، بيانات أرباحها المحققة خلال فترات زمنية سابقة، ماهية وطبيعة الفريق الإداري ومدى ما يتمتع به من قوة إدارية، ومتانة واستقلالية مجلس إدارة الشركة وتوافر أنظمة مراقبة داخلية ملائمة.
جاذبية الأسهم للمجتمع الاستثماري
وتكمن عملية تقييم استعداد الشركات العائلية للطرح العام في التحقق من كون الشركة تملك الخصائص والمميزات الجاذبة لأعضاء المجتمع الاستثماري، وأنها تتناسب ومتطلبات الإدراج، وهي نواح تتضمن أن تكون شركة ملائمة ذات هيكل رأسمالي لغايات التواجد على قائمة الإدراج، وتملك التوافق في أعضاء مجلس الإدارة والمنتدبين من الأعضاء المستقلين الإضافيين، وطبيعة وثائق العقود المبرمة مع الموردين والزبائن، إلى جانب استراتيجية خطط نشاط الأعمال والبرامج التسويقية، ومدى جودة النظام المحاسبي ونظام المراقبة الداخلية، مطابقة الحسابات القانونية مع المتطلبات التنظيمية، والتدقيق في الضرائب المترتبة مع أي عملية إعادة هيكلة.
الإدراج.. هل هو تسوية عادلة؟
وهنالك عامل مهم يجب أخذه بعين الاعتبار والمتمثل في التساؤل حول تنفيذ الإدراج فيما إذا كان يوفر تسوية عادلة للتخلي عن جزء من أعمال المالكين لحامل أسهم خارجي، حيث يجد التقرير أن حجم الإدراج يعتمد على قيمة أعمال الشركة وما النسبة التي يجب أن تباع للعامة، ولتحقيق تداول استثنائي يجب على الشركة تميز نفسها عن نظرائها من ذات القطاع. الأمر الذي يدخل في عملية تحقيقه توافر مجموعة عوامل، تشمل: وضع السوق المالية، أية تكنولوجيا متطورة أو مراحل إنتاجية خاصة، إلى جانب متانة العقلية الإدارية لدى هيئة المديرين، وتوقعات الربحية والنمو.
منافع.. وسلبيات
وحول الأثر الذي يترتب على الأعمال، لفت التقرير إلى أن عملية الإدراج يمكنها منح الشركة عددا من المنافع، وذلك في المرحلة الأكثر ملاءمة التي تمر بها عملية التطوير للشركة، وهذه المنافع تتمثل في الاستفادة بشكل أكبر من أسواق رأس المال، يساعد الإدراج على تحقيق الزيادة في عدد أسهم الملكية في رأس المال، كبديل مناسب عن الاقتراض البنكي أو التمويل الداخلي، وزيادة قدرة الشركة في تنفيذ عمليات الدمج والاستحواذ، وتعزيز صورة ومكانة الشركة ودور الموظفين ومشاركتهم في نجاحها، وتوفير سيولة عالية، وبناء علاقات جديدة مع المساهمين الجدد، إضافة إلى زيادة درجة الشفافية ورفع كفاءة الرقابة الداخلية.
فيما يورد التقرير المنافع الحاصلة لملاك الشركة والتي تأتي في مقدمتها ضمان استمرارية المنشأة وتكوين عوائد ومكررات ربحية جيدة، ومنح مرونة لأفراد العائلة المستثمرين، وتحقيق مبدأ تنويع الثروة وخلق وإنشاء قواعد للنجاح والمحافظة على قيادة الشركة لأسواقها وعلى النسبة الأعلى للتصويت.
فقدان السيطرة والتحكم
وبينما هنالك أسباب كثيرة لإدراج الشركة ومنافع إلا أن التقرير لا يغفل عن سرد السلبيات المترتبة على تحول الشركة إلى مساهمة عامة، فالملاك مثلا سيواجهون جراء تحول شركتهم فقدان السيطرة والتحكم على خطط الشركة وقراراتها، إلى جانب مواجهتهم ضرورة نشر معلومات وبيانات الأداء المالي، ومراعاة اعتبارات حقوق الأقلية، وسيلاحظون أنهم ضمن مستويات ضيقة من المرونة الإدارية، والعديد من القيود على بيع الأسهم، أنهم يشاركون نجاحهم مع أطراف جدد، بينما على مستوى الشركة فإنها ستفقد مبدأ الكتمان والسرية، عن طريق الإصدار المستمر والدوري للتقارير لتحقيق مبدأ الإفصاح، والحاجة إلى الاستجابة المستمرة للمطالب التنظيمية والقوانين، إلى جانب صعوبة تحقيق توقعات المساهمين الجدد، الذين سيضغطون عوائد الأسهم والأرباح على المدى القصير، والعمل ضمن استراتيجيات خروج محدودة، وبروز قيود على قدرة المديرين التنفيذيين وبعض مديري الأقسام أو الأدنى مستوى بين الإداريين على بيع حصصهم بعد الإدراج، إضافة إلى تحمل تكاليف إضافية نتيجة عملية زيادة رأس المال والإدراج في السوق.
إدارة الأعمال كشركة مساهمة عامة
وينصح التقرير الشركات العائلية وهي تسعى للتحول إلى مساهمة عامة أن تبدأ بصياغة أدائها وتعديله بما يتناسب والمتطلبات التنظيمية للشركات المساهمة، بحيث تلتزم بإصدار التقارير المالية في مواعيد محددة وتمتاز بالدقة العالية، وعقد اجتماعات سنوية عادية وغير عادية للمساهمين، والإعلان عن طرح الأسهم والتوزيعات المالية، إلى جانب إحداث تغييرات جوهرية في الهيكل العام للشركة في النواحي المالية، وأنشطة الشركة.
الشركات العائلية أمام تحدي مدى جاهزيتها
وأخيرا، يرى التقرير أن قرار التحول إلى مساهمة عامة، يرتبط بالتوقيت، كأساس لنجاح العملية، والمرتبط بعاملي طبيعة محددات السوق المالية والمناخ الاقتصادي العام، وعامل مدى جاهزية الشركة للتحول المبني على تفرعات كثيرة جوهرها يكمن في امتلاكها بينة إدارية وإنتاجية تاريخية جيدة ومستقبلية طموحة لتحقيق توقعات المساهمين الجدد ودفعهم نحو المشاركة في الاكتتاب، بما يجعل الشركات العائلية أمام تحدي مدى جاهزيتها للتحول الحالي ضمن أجواء النمو الاقتصادي الجيدة التي تشهدها المملكة.