الحفاظ على الوضع الاجتماعي لا يعني البطالة أو الكسل

الحفاظ على الوضع الاجتماعي لا يعني البطالة أو الكسل

الحفاظ على الوضع الاجتماعي لا يعني البطالة أو الكسل

بقراءة متأنية لوضع الشباب السعودي وعلاقته بالعمل في المملكة تتضح أكثر من نقطة أهمها في اعتقادي وجود مفاهيم قديمة في عقول بعض أبنائنا تمنعهم من الانخراط في الأعمال المهنية والتقنية ربما أولها ثقافة العيب ناهيك عن مفاهيم حديثة تشارك فيها للأسف بعض القنوات الفضائية وهو ما بات يسمى بثقافة المكسب السريع أو المكسب دون تعب وهذه كلها يجب أن تتغير إذا أردنا لبرامجنا العملية النجاح.
تظهر المشكلة أكثر تأثيرا في تلك التركيبة الثقافية الاجتماعية المتمثلة في مجموع العادات والتقاليد وأنماط الحياة التي تشكل شخصية الأفراد وتدفعهم إلى قبول عمل ما دون خجل فيما نجد أن في معظم الدول المتقدمة يعمل المواطنون في جميع المهن دون أن يخجلوا أو أن يعاملهم المجتمع بدونية، كما أننا نراهم أعضاء فاعلين يعملون بتفان وإخلاص ويفاخرون بعملهم.
لكن يجب أن نشير إلى أن ثقافة العمل السلبية تقع ضمن المسؤولية الاجتماعية، فالمجتمع هو المسؤول الأول عن تكريس هذه الرؤية السلبية للمهن البسيطة والمهمة في الوقت نفسه, فالمسؤولية الاجتماعية هنا كبيرة وتحتاج إلى مبادرات يقوم بها بعض الأفراد الذين لديهم الشجاعة للدخول في هذه المهن البسيطة كما أن علينا نحن أفراد المجتمع دعم أمثال هؤلاء فهم من سيشكل الجيل الذي يعمل دون خجل من أجل تنمية بلادنا بمشيئة الله ومعاملتهم بما يشعرهم بالأهمية إلى جانب إشاعة ثقافة الاحترام في المجتمع ككل بدلا من ثقافة العيب.
إن الدعوة إلى تغيير المفاهيم القديمة تعد من أبرز الحلول من وجهة نظري للحد من البطالة المنتشرة بين فصيل من الشباب السعودي وإذا حاولنا أن نفتش في الماضي فسيتضح لنا من خلال الدراسات الميدانية والأكاديمية أن ارتفاع النفط في السبعينيات أدى إلى زيادة الإيرادات الحكومية ومن ثم الإنفاق الحكومي بغرض تحقيق خطط التنمية الخمسية. ونظرًا لأن قوة العمل المواطنة لم تكن قادرة كماً وكيفاً على النهوض بمتطلبات خطط التنمية، فقد تم الاستعانة بالقوى العاملة الوافدة للمساعدة على بناء التجهيزات الأساسية المختلفة. ولكن ساعد انخفاض الإيرادات النفطية في الثمانينيات على انخفاض الإنفاق الحكومي، ومن ثم انخفاض معدلات نمو الطلب على القوى العاملة، وقد رافقته معدلات نمو سكانية عالية مما أدى إلى ظهور فائض في عرض قوة العمل المواطنة.
لكن مع ذلك بقيت الحاجة المتزايدة إلى العمالة الوافدة نظرا لأنه ترسخ في الأذهان أن الأعمال المهنية هي فقط حكر على تلك العمالة!
لكن الدولة - حفظها الله - لم تقف عاجزة أمام هذا الوضع المركب ونظرًا لتشبع القطاع العام بالعمالة ونجاح سياسات الإحلال في هذا القطاع، (حيث بلغت نسبة العمالة المواطنة نحو 85 في المائة من إجمالي العمالة في هذا القطاع، بينما تمثل العمالة الوافدة التي يعمل معظمها في الوظائف الصحية 15 في المائة فقط) ركزت خطط الدولة التنموية على دور القطاع الخاص في إحلال المواطنة محل الوافدة، وعند البحث في العرض والطلب على القوى العاملة نجد أن إجمالي الطلب على العمالة يفوق العرض من العمالة المواطنة، ولكن في ظل استمرار تدفق العمالة الوافدة وبأعداد كبيرة فإن العرض من العمالة المواطنة يفوق الطلب عليها. ولهذا فقد أكدت خطة التنمية الخامسة الحاجة إلى إحلال 220400 وظيفة، وكذلك أكدت الخطة السادسة الحاجة إلى إحلال 319500 وظيفة من أجل إيجاد توازن بين قوة العمل المواطنة الجديدة والطلب على العمالة.
وهنا أعود إلى ما بدأته من ضرورة التأكيد على تغيير ذهنية شبابنا تجاه المهن الحرفية لأنها باتت السبيل الأفضل للخروج من هذا الوضع خاصة أن العالم كله يتغير في اتجاه الأعمال غير المقترنة بالمكاتب كما أن ديننا لا يؤمن بثقافة العيب هذه ولا يضعها في موازناته تجاه بناء مجده على التعب والعرق وليس مجرد الكسل المقنع بادعاء عدم مناسبة الأعمال الوضع الاجتماعي للشاب.

نائب المحافظ للتطوير

الأكثر قراءة