«الشيوعي الصيني» يهجر الأيديولوجيا للفوز بالتكنولوجيا

 «الشيوعي الصيني» يهجر الأيديولوجيا للفوز بالتكنولوجيا

في الصين، يلزم تقديم بطاقة الهوية الشخصية للحصول على أي شيء، ابتداء من شراء تذكرة القطار مرورا بفتح حساب مصرفي إلى استخدام مقهى الإنترنت.
ذلك الوضع، هو الآن جزء من تجربة رائدة في استخدام تكنولوجيا التعرف على الوجه. في برنامج بدأ العام الماضي في مدينة قوانجتشو الجنوبية، تسمح الحكومة الصينية لمستخدمي "وي تشات" بربط بطاقات الهوية الخاصة بهم مع تطبيق الوسائط الاجتماعية واسع الانتشار، الذي تم استحداثه من قبل عملاق التكنولوجيا "تنسنت".
من خلال إجراء مسح لوجوه المستخدمين بواسطة تطبيق وي تشات، يمكنهم الحصول على هوية رقمية يستخدمونها للتسجيل في مجموعة متنوعة من الخدمات.
بالنسبة لشركة تنسنت، هناك جانب إيجابي للبرنامج: الشركة المالكة لتطبيق وي تشات، تصبح الآن المستودع لمخزن ضخم آخر من البيانات حول المواطنين الصينيين.
يبرز المشروع التجريبي، الذي من المقرر نشره في جميع أنحاء البلاد، أحد أكثر الجوانب إثارة للاهتمام في جهود الصين المندفعة في عالم الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحدودية الأخرى: العلاقة بين الحزب الشيوعي الصيني والشركات التكنولوجية الطموحة الضخمة في البلاد.
حتى بعد أربعة عقود من الإصلاحات الاقتصادية القائمة على السوق، يضع الحزب أولوية عالية حول الحفاظ على سيطرة الدولة على المرتفعات الاستراتيجية للاقتصاد – من التمويل إلى الطاقة والإعلام.
وفي الوقت الذي ظهرت فيه شركات خاصة كبيرة، كان الحزب ينظر في كثير من الأحيان بنوع من الريبة إلى أصحاب المشاريع البارزين، الذين قد يشكلون تحديا لسيطرته على المجتمع. كجزء من حملة القمع الأخيرة على مجموعة من الشركات الخاصة، حيث حكم على وو تشياوهوي، رئيس مجموعة التأمين "أنبانج"، بالسجن لمدة 18 عاما بتهمة الاحتيال.
ومع ذلك، فإن الأولوية العالية التي أعطيت ليصبح الحزب رائدا في التكنولوجيات الجديدة تعني أنه – حتى الآن على الأقل – يضع رهانا كبيرا على مجموعة صغيرة من شركات القطاع الخاص، مثل تنسنت وبايدو وعلي بابا، التي ربما يكون مؤسسها جاك ما، الشخصية العامة الصينية الوحيدة، التي تقترب شهرتها العالمية من شخصية الرئيس تشي جين بينج.
يقول المراقبون إنه بالنظر إلى تاريخ الحزب المتقلب مع القطاع الخاص، يمكن أن يصبح البروز العالمي لبعض مجموعات التكنولوجيا الكبرى مصدرا لتوتر كبير في المستقبل.
ومع ذلك، وكما يظهر برنامج بطاقة "وي تشات"، فإن الرهانات على كلا الجانبين أعلى من أي وقت مضى: شركات التكنولوجيا التي تنتمي إلى القطاع الخاص من الناحية الاسمية، ترتبط بشكل لا فكاك منه مع الدولة الصينية وجهازها الأمني، وتحتفظ السلطات باليد العليا في هذه العلاقة.
يقول دنكان كلارك، رئيس مجلس إدارة شركة بي دي أيه BDA الاستشارية ومؤلف كتاب بعنوان "علي بابا: المنزل الذي بناه جاك ما"، إنه "يتم اختيار مجموعات التكنولوجيا بشكل متزايد للمشاركة في السياسة الوطنية".
كما أنه تم تعيين أدوارها في وثائق الاستراتيجية الحكومية، بما في ذلك توجيه بشأن الذكاء الاصطناعي الذي نُشر في العام الماضي. ويضيف: "لا يزال الحزب هو المسؤول، وسيستغلهم الحزب".
الروابط الوثيقة مع بكين تعني أن شركات التكنولوجيا الصينية غالبا ما تبدو في أعين منافسيها الدوليين على أنها أسلحة للدولة من الناحية العملية – وهو أمر جذب في بعض الأحيان انتباه لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة.
وكما يقول أحد المحامين المقيمين في بكين، فإن الشركات الأمريكية والأوروبية تعتقد أنها تتنافس "ليس مع شركة، بل مع حكومة البلد".
قامت شركات الإنترنت سريعة النمو، مثل تنسنت وعلي بابا، إضافة إلى أمثال تشياومي، الشركة المصنعة للهواتف الذكية التي أدرجت في البورصة هذا الشهر، وديدي تشوكسينج، تطبيق طلب سيارة الأجرة عن طريق الإنترنت، بتغيير الطريقة التي يعمل ويدفع ويلعب بها الناس في الصين.
بمقارها اللامعة ونماذج أصول خفيفة، ليس هناك مجال لمقارنتها بالمؤسسات المملوكة للدولة القوية المترامية الأطراف.
يرمز لأكثر من 50 ألف مؤسسة مملوكة للدولة تسيطر عليها الحكومة المركزية وتوظف أكثر من 20 مليون شخص، وفقا لبيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، على أنها المصانع التي تُنتِج الفولاذ بسعر الملفوف، فإن شركة التكنولوجيا لعام 2018 تدور حول تحويل البيانات – التي هي اسميا سلعة مجانية – إلى نقدية.
أصولها الرئيسة هم الموظفون، الذين يتم استغلالهم بأجور رخيصة لساعات طويلة بشكل دؤوب: العمل بطريقة "996"، أي من التاسعة صباحا حتى التاسعة مساء، ستة أيام في الأسبوع.
اليوم، تمتلك شركات التكنولوجيا التسع الأولى في الصين، المدرجة في البورصة والمملوكة للقطاع الخاص، قيمة سوقية مجتمعة تبلغ نحو 1.5 تريليون دولار. وتنتج كل من شركتي علي بابا وتنسنت، وهما أكبر الشركات – وفي كثير من الحالات، المصدر الأساس المالي للكون التكنولوجي الصيني – مليارات الدولارات من حركة السيولة الحرة.
على الرغم من جميع الاختلافات السطحية، فإن الوجه الجديد للشركات الصينية يشترك في الخصائص الاشتراكية مع أسلافها المملوكة للدولة. فريزر هاوي، وهو متابع للأسواق الصينية منذ فترة طويلة ومؤلف كتاب "الرأسمالية الحمراء" يصفها بأنها "الشركات التي تشرف عليها الدولة".
ويقول: "كون الشركة غير تابعة للدولة لا يعني أنها خاصة. كان الأمر دائما خطا غير واضح المعالم، وأصبح الأمر كذلك أكثر من أي وقت مضى". ويضيف أنه ليس تغييرا هائلا، لأن الشركات المملوكة للدولة تعمل بالطريقة نفسها.
وفقا لأحد المصرفيين السابقين الذي يدير الآن شركة تكنولوجيا ناشئة: "تدرك الحكومة أنه لا يمكنك أن تولد الاحتكارات من خلال السياسات؛ يجب أن تشجعهم على أن يكونوا أقوى بنفسهم".
ويضيف: "هذه هي الفرصة الوحيدة المتاحة للصين كي تتفوق بحق وأن تصبح (موطن) شركات عالمية المستوى".
أصبحت مجموعات التكنولوجيا المحلية جزءا لا يتجزأ من الاقتصاد الحضري الحديث في الصين. في الوقت الذي انتشرت فيه اقتصادات الوظائف المرنة في الغرب، التي تتغذى بالشركات من قبيل أوبر وديليفرو وDeliveroo، أنتجت شركتا علي بابا وتنسنت جيلا من أصحاب المشاريع الصغيرة الذين يعملون لحسابهم الخاص: سعاة ومطوري التطبيقات. كما أنها أعطت الحياة للتجار الصغار الذين يبيعون بضائعهم على منصة تسوق تاوباو التابعة لشركة علي بابا أو لنجوم طامحين للغناء أو تقديم نصائح الماكياج عبر البث المباشر على منصات، مثل دويِن.
وقد توصلت دراسة أجرتها كلية العمل والموارد البشرية في جامعة رنمين في العام الماضي، إلى أنه بهذا المقياس، فإن منصة تسوق تاوباو أنشأت ما مجموعه 37 مليون وظيفة في الصين.
يقول هاوي: "إذا نظرت إلى وحدات مثل علي بي Alipay أو وي تشات بي WeChat Pay، فهي الآن ذات أهمية نظامية بالنسبة لاقتصاد الصين. يعرف رجال القطاع الخاص أن الطريقة التي سيبقون بها على قيد الحياة ويحتفظون باحتكاراتهم الثنائية هي اللعب جنبا إلى جنب مع الدولة. لديك هناك مجموعة طيعة على نحو لا بأس به من أصحاب المليارات".
العلاقات بين الحزب والقطاع الخاص كانت دائما حساسة، كما يقول بروس ديكسون، أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية في جامعة جورج واشنطن. منذ تسعينيات القرن الماضي، توصل المسؤولون المحليون المكلفون بتعزيز النمو إلى وسائل لتشجيع أصحاب المشاريع الصغيرة في مناطقهم – الذين هم غالبا ما يشكلون واحدا من المصادر الرئيسة للوظائف الجديدة. بمرور الوقت، أصبحت اللغة والسياسة تدريجيا أكثر دعما.
ومع ذلك، بدأ الموقف اتجاه القطاع الخاص يتغير مع الأزمة المالية في عام 2008، عندما أثار الخوف من الإفلاس بين الشركات المملوكة للدولة – وما يترتب على ذلك من فقدان الوظائف – الشعار الجديد المتمثل في "تقدم الدولة، تراجع القطاع الخاص".
يقول البروفيسور ديكسون: "الآن في ظل الرئيس تشي، يبدو أن الحزب يعود إلى أساليب ستالينية أكثر بحيث إنه لا يراقب فحسب، بل هو منخرط بشدة ويوجه إلى حيث يريد الحزب أن يذهب".
لدى بكين عدد من نقاط الضغط لممارسة السيطرة على مجموعات التكنولوجيا الخاصة. أولا، يجب على جميع الشركات الخاصة – المحلية والأجنبية – أن تكون لديها لجنة حزبية خاصة بها.
وكما يقول فينج شيانج، أستاذ القانون في جامعة تسينجهوا: "بهذه الطريقة يمكن الحفاظ على الحوار – ’قيادة موحدة للحزب‘ باللغة التقليدية. يساعد هذا الترتيب الحزب، الذي يعني أيضا الدولة، على مراقبة ما يحدث في الشركات الخاصة.
"في المقابل، يمكنها المطالبة بنوع من المساعدة من الحكومة. وقد أصبح تقليدا أن الشركات الخاصة وأصحاب المشاريع يتعاملون جميعا مع المسؤولين الحكوميين في أعمالهم. يمكنك القول إنهم يكبرون على هذا النحو".
بينما تمضي بكين قدما في الذكاء الاصطناعي وغيرها من التكنولوجيات، إلا أنها تعمل جنبا إلى جنب مع أبطالها المعينين. على سبيل المثال، لدى شركات بايدو وعلي بابا وتنسنت – الشركات الثلاث المعروفة بثالوث التكنولوجيا بات BAT – جميعا مختبرات مشتركة للبحث والتطوير مع مؤسسات حكومية.
تعمل شركة علي بابا، إضافة إلى مجموعة هواوي للاتصالات، مع الحكومات المحلية بشأن مبادرات المدن الذكية للحفاظ على تدفق حركة المرور والشوارع الخالية من الجرائم بفضل كاميرات المراقبة.
يتم تعزيز الروابط أكثر من قبل من خلال حركات التمويل في اتجاهين. خلال الطرح العام الأولي لشركة تشياومي، كان ستة من المستثمرين الرئيسين السبعة من مؤسسات مملوكة للدولة.
في وقت مبكر من العام الماضي، تم تعميم خطط للحكومة لاتخاذ "حصة ذهبية" في شركات التكنولوجيا الثلاث الكبرى. على الرغم من أن "شركة الصين للاستثمار"، صندوق الثروة السيادية، لديه في الأصل حصة صغيرة في علي بابا، إلا أن الفكرة الأوسع المتمثلة في امتلاك بكين حصة مسيطرة، يبدو أنها أصيبت بالجمود.
وقال أحد المطلعين على بواطن الأمور متعجبا "ما الذي يجعلهم يحتاجون إلى ذلك؟".
صناديق الدولة لا تزال تسبح في عالم التكنولوجيا، إلا أن أحد محامي التكنولوجيا يرى أن هذا يرجع جزئيا إلى الفائض النقدي من الشركات الحكومية التي تسعى بقوة وراء عائدات أفضل.
تشغل شبكة الأموال الصينية التي تتعقب هذه الصناديق أكثر من 1000 شركة تسعى إلى زيادة رأس مالها إلى 5.3 تريليون رنمينبي "787 مليار دولار"، أي ما يعادل ثلث جميع الأصول التي تديرها صناعة الأسهم الخاصة ورأس المال المغامر في العالم.
يتم نشر نماذج مختلفة: أدوات استثمارية خاصة. وصناديق الاستثمار المشترك جنبا إلى جنب مع مجموعات الأسهم الخاصة المهنية. وصناديق الاستثمارات المتعددة. كثير منها تستهدف التكنولوجيا.
من جانبها، تحولت بكين إلى مجموعات التكنولوجيا الغنية بالنقدية عندما أرادت ضخ 11.7 مليار دولار لشركة الاتصالات المعتلة تشاينا يونيكوم في العام الماضي.
يمكن للدولة أيضا أن تجمع الموارد من القطاع الخاص. المثال الأكثر جاذبية هو المناطق الاقتصادية الخاصة والممرات المنتشرة في جميع أنحاء البلاد كدليل على براعة التكنولوجيا.
تم تصميم منطقة تشيونجان الجديدة الأحدث والأكبر لعرض رؤية تشي للمدينة الرقمية التي تقودها الدولة. كانت شركتا علي بابا وتنسنت من الأوائل من بين المستأجرين الرئيسين الذين يعلقون لافتاتهم.
تتعلق خصلة ثالثة بالقواعد والقوانين التنظيمية. في جميع أنحاء العالم، تتصارع الأجهزة المنظمة مع قطاع التكنولوجيا الذي يتقدم بخطى سريعة نحو مجالات لا يمكن تصورها في السابق: السيارات بدون سائق، وصناديق ضخمة من البيانات الشخصية، وتدفق المحتوى غير المتحقق منه.
بكين تحمل عصا أثقل، فهي تحافظ على المشهد بشكل عام خاليا من المنافسة الأجنبية: شركات فيسبوك وتويتر وجوجل محظورة في الصين. كما أن الجدار الناري العظيم يسلم بكين سيطرة أكبر بكثير على شبكة الإنترنت، ما يمكن أن يحلم به القادة الغربيون أصلا: المواد المسيئة، وأحيانا تطبيقات بأكملها، تُزال بسرعة، كما أن الاعتذارات تصدر بشكل ذليل حسب الأصول.
عرضت منصة الأخبار والمجلات الإخبارية الناجحة إلى حد كبير "توتياو"، مثالا صارخا في وقت سابق من هذا العام عندما اضطرت إلى إغلاق حساب يتسم بروح الدعابة على أساس أنه يتسم بالابتذال.
المؤسس تشانج يي مينج، الذي اعتذر عن "السير في الطريق الخطأ"، لقد قدم اعتذارا بمنتهى الذلة يفوق كثيرا الاعتذار الذي قدمه مارك زوكربيرج رئيس "فيسبوك" في أعقاب فضيحة كامبريدج أناليتيكا.
كتب تشانج على حساب رسمي لشركة الإعلام الاجتماعية توتياو: "لم نكن ندرك أن التكنولوجيا يجب أن تسترشد بالقيم الأساسية للاشتراكية، بحيث يمكن استخدامها لنشر الطاقة الإيجابية، وتلبية متطلبات العصر واحترام النظام العام والعادات الجيدة".
بالنسبة لكلارك، فإن "توتياو" هي علامة على أنك إذا ضللت، فإنك ستصبح عبرة لغيرك، لكن إذا سايرتَ النظام فسوف تصبح أكثر ثراء".
لا يتعلق الأمر بحماية الأخلاق. في أوقات مختلفة، تم استغلال الشركات الخاصة للمساعدة في سياسة العملات الأجنبية والترويج لنماذج بكين المفضلة – مثل مبادرة الحزام والطريق، التي يُطنطِن لها الآن على نطاق واسع رؤساء التكنولوجيا، مثل رئيس شركة علي بابا.
يقول البروفيسور فنج، الأستاذ في تسينجهوا: "هذا يختلف تماما عن الغرب. لأن الحكومة يمكن أن تقول للشركات الخاصة إن مستوى معينا من التعاون مطلوب قانونا – إنه القانون في الواقع".

الأكثر قراءة