حوار مع صديقي غير المتورق
"آه منك أيتها الماسة! تقبعين مكانك في طاولة العرض.. بينما تتم عليك عمليات بالآلاف يومياً فقط من أجل الحصول على النقد... لو كنت مكانك لطالبت البنك والمتورق والطرف الثالث بنسبة من قيمة عمليات التورق التي تتخذ منك وسيلة لإتمامها!! وإن رفضوا، كنت ذهبت إلى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي أو حتى الأمم المتحدة لأقدم بحقهم شكوى حول عدم العدل في اقتسام الثروات!!" هكذا وصف لي أحدهم شعوره نحو عملية التورق، بعد أن أضاف لي جملة معترضة لوصفه مفادها "مع احترامي للعلماء الذين يجيزونه".
وقبل أن أعرض حواري مع صديقي غير المتورق، دعوني أقدم جملتي المعترضة التي تفيد احترامي للعلماء الذين يجيزون أو لا يجيزون التورق... لأن حوارنا لا يتعلق بالجوانب الشرعية بل ببعض الجوانب العملية والواقعية.
يرى صديقي أن عملية التورق ما هي إلا التفاف من أجل الحصول على النقد.. وهذا الالتفاف يكلف الإنسان المسلم -الذي فضل التعامل الإسلامي مخافة من الله- سعراً أعلى من السعر الذي تعرضه المؤسسات المالية التقليدية مقابل الإقراض الربوي.. إضافة إلى أن عملية التورق فيها خطوات تطبيقية تطول المسألة في وقت يلعب فيه عامل السرعة والمرونة دوراً مهما في نجاح الأعمال.
قلت له دعنا نقف موقفاً وسطاً بين جواز أو عدم جواز التورق، أي أن نقر بأن التورق جائز ولكن في الحالات الاضطرارية، ليس من وجهة نظر شرعية بل من وجهة نظر براغماتية لتسهيل النقاش. ومن ثم دعنا نفرض أن أحد الأشخاص لديه حالة طارئة لإجراء عملية جراحية خطيرة تترتب عليها حياة شخص ما أو هلاكه.. فهل يتورق ذلك الشخص لإجراء العملية أم يذهب للحصول على قرض ربوي؟ فأجابني: بالطبع يتورق، ولكن بصورة تطبيقية سليمة ولا تشوبها الصورية التي تتسم بها غالبية معاملات التورق في السوق.
طيب، ماذا لو أن المتورق شخص يرغب في اقتناء النقد لغايات كمالية وحسب، مثل شراء سيارة أو شراء مجوهرات أو حتى استخدام بطاقة الائتمان المستندة إلى التورق في الإنفاق على الاحتياجات الشخصية؟ فأجاب: هنا يتوجب على البنك أن لا يمنحه النقد بالتورق.. فقلت:كيف تلوم البنك ولا تلوم الشخص!!؟؟
مما لا شك فيه أن المؤسسات المالية إسلامية كانت أو تقليدية تقدم خدماتها وفقاً لاحتياجات السوق.. ولعل البعض يؤيدني أنه ليس من مسؤولية البنك التحقق من أن الشخص المتورق سيستخدم المال في أمور كمالية أو احتياجات حقيقية طارئة. وفي المقابل، فإنه من مسؤولية المؤسسة المالية أن تنوع في منتجاتها ولا تلجأ فقط للتورق لتوظيف أموالها مع العلم أن الإحصائيات غير الرسمية تشير إلى أن إجمالي عمليات التورق في المؤسسات المالية التي تجيزه تفوق 60 في المائة من إجمالي عمليات التمويل والاستثمار، وفي نهاية العام تأتي تلك المؤسسات لتتفاخر بأنها حققت أرباحاً بمقدار كذا وكذا وبمعدل نمو كذا وكذا.
ومن ناحية أخرى، يتوجب على السلطات الإشرافية التي تحتضن مؤسسات مالية إسلامية أن تحدد سقوفا معينة للنسب التي يتم على أساسها التنويع في محفظة التمويل والاستثمار الإسلامي.. كما أن الهيئات الشرعية وإدارة الرقابة الشرعية يتوجب عليها أن تتحقق من سلامة عملية التطبيق.
ومن هنا، فإن على منتقدي التورق – من ناحية عملية وليست شرعية- أن يوزعوا تحمل مسؤولية المغالاة في تطبيقه على كافة الأطراف ذات العلاقة: العميل، والمؤسسة المالية الإسلامية، والسلطات الإشرافية والهيئات الشرعية وإدارة الرقابة الشرعية. ولو أن كل واحد من تلك الأطراف تصرف بمسؤولية لما كان الحال على ما هو عليه الآن.
باحث في التمويل الإسلامي ـ جامعة درم – المملكة المتحدة