في آناء الليل .. غشى الظلام الحروف وضاعت الوظائف
قدمت وزارة التربية والتعليم فرصا وظيفية جديدة للمعلمين الحاليين من خلال برنامج مجتمع بلا أمية، حيث يحصل المعلم على مبلغ ثلاثة آلاف ريال شهريا، مع حصر التقديم على معلمي المرحلة الابتدائية.
ويتساءل عدد من المتابعين عن أهمية توفير مثل هذه الوظائف للعاطلين عن العمل لاحتوائهم، فيما يخالف البعض هذه النظرة لأهمية تعيين معلمين مؤهلين وأصحاب خبرة لتكون الاستفادة منهم كبيرة.
وتمثل مراكز التعليم المسائي (الليلي) فرصة تربوية مناسبة للكثيرين ممن فاتهم قطار التعليم ويرغب في اللحاق به، إضافة إلى اشتراط الترقيات الوظيفية في بعض الدوائر الحكومية الحصول على مؤهلات معينة من أجل الحصول على الترقية، وبالتالي أصبح من الأهمية بمكان توفير مثل هذه المراكز من أجل الحصول على الشهادات المأمولة وكذلك لمكافحة الأمية.
ولكن يستمر السؤال.. هل المعلمون الذين يدرسون في مثل هذه المراكز مؤهلون بشكل كاف لتقديم خدمات تربوية فاعلة للدارسين، أم أنه لا يحتاج الأمر تأهيلا خاصا؟!
دأبت وزارة التربية والتعليم في سنوات مضت على الاستعانة بمعلمين يتمتعون بقدر كاف من الخبرة في الميدان التربوي إضافة إلى بعض الاشتراطات التي تتمثل في أخذ دورات خاصة بتعليم الكبار وتفضيل من لديه أكبر عدد من الدورات، إضافة إلى فتح فرصة متساوية بين المعلمين بحيث لا يستمر معلم في التعليم المسائي أكثر من عامين إلى ثلاثة أعوام ليرحل ويتيح الفرصة لغيره.
ولكن الوزارة غيرت من إستراتيجيتها هذه، حيث كلفت معلمين جددا للقيام بهذه المهمة، حيث زجت بهم في الميدان دون إكسابهم الحد الأدنى من كيفية التعامل مع هذه الفئة، وذلك لتلبية الطلب المتزايد على الوظائف التعليمية خصوصا لزيادة عدد الخريجين خصوصا من كليات المعلمين دون الحصول على وظائف، واستغنت في المقابل عن المعلمين الذين هم على رأس العمل دون سابق إنذار ليطلبوا منهم إخلاء طرفهم من مدارسهم وترك أماكنهم لهؤلاء الخريجين الجدد.
من جانبه بين أحمد الزهراني وهو معلم جديد سبق تعيينه بمثل هذه الطريقة أن فوجئ بدخول الفصل لأول مرة، حيث مع حالة الارتباك التي يعانيها كونها المرة الأولى له في التعليم، حيث وجدت طلابا بعمر والدي وغزا الشيب وجوه بعضهم الأمر الذي جعلني أحرج كثيرا أمامهم وطلبت من مدير المدرسة إعفائي من هذه المهمة أو البحث عن طريقة أمارس عملي مع طلاب أصغر سنا.
وأضاف الزهراني بعض زملائي غادر من فوره لعدم تصوره للموقف، وذهب ينتظر التعيين في التدريس الصباحي، حيث إن أي دورات لا تعدك بالشكل المطلوب لمواجهة موقف كهذا.
ويؤكد مساعد بن حويل أن فرح كثيرا بخروج اسمه ضمن المعينين في الدوام الليلي خصوصا أن لديه بعض الالتزامات المادية التي تساعده مثل هذه الوظيفة على مواجهتها قليلا، ولكن بعد مضي منتصف الفصل الأول فوجئ بأن مدير مدرسته يطلب منه في خجل أن يخلي طرفه من المدرسة لأن الوزارة عينت معلمين جددا مكانهم، مفيدا أنها رغبة المشرف التربوي، مما جعلنا نخرج بخفي حنين، فلم يلب ما حصلت عليه شيئا من التزاماتي المادية.
ويرى حويل أن تعيين معلمين بهذه الطريقة ليس فيه فائدة للكبار حيث فشل بعضهم في هذه المهمة وتمت الاستعانة من جديد بمجموعة من المعلمين المستغنى عنهم.
ويقترح الدكتور محمد شحات الخطيب عميد كلية التربية في جامعة الملك سعود سابقا ومدير عام مدارس الملك فيصل استحداث وظائف تعليمية بمسمى" معلم كبار"، بحيث يتفرغ تماما لتعليم الكبار في المساء، أو أن يفرغ معلمو الصباح أو تخفف أعباء من يدرس منهم مساء لكيلا يتأثر الطلاب.
وطالب بأهمية تأهيل معلمي الكبار عن طريق تكثيف الدورات القصيرة والمتوسطة، والاستفادة من تجارب ثرية في تعليم الكبار من دول برزت في هذا المجال كمصر وتونس وعدد من دول الخليج، مشيرا إلى أن استفادتنا من التجارب العالمية تعد محدودة لفارق الإمكانات والظروف الأكثر تقدما لديهم.
وشدد على ضرورة وجود معلمين لتعليم الكبار مساء يتعاملون مع طلابهم بخصائص اجتماعية ونفسية وثقافية تتفق وتفاوت مستواهم، وانشغالهم بالأمور الحياتية الكبيرة.
ووصف برامج تعليم الكبار بالنادرة والتي لا تلبي احتياجات المعلم والطالب، كما أنها لا تتوافر بالكم المطلوب.
أما علي معيوف العتيبي، معلم صف في مدرسة ابتدائية، فذكر أنه تقدم للتدريس الليلي للكبار ثلاث مرات ولم تفلح هذه المحاولات معه، إذ تم إلغاء طلبه الأول بعد أن أرسل استمارة الترشيح إلى مركز الإشراف التربوي، وعند متابعة الموضوع أجابوه بأن التقديم يفترض أن يكون من قبل إدارة التعليم، وفي المرة الثانية تم رفض طلبه بحجة أن المتقدمين كثر ويصلون إلى المئات، كما أن تخصصه قد تم الاكتفاء منه.
واسترسل معيوف أمام هذه المشكلات والعوائق تقدمت للمرة الثالثة محبطا برفع استمارة دون أن أنتظر ردها بعد أن كان حماسي متقدا في المرتين السابقتين إذ التحقت بدورة تدريبية بصعوبة كبيرة عن تعليم الكبار، ومع ذلك لم تفلح المحاولة الثالثة، ولا أدري لماذا مع أنني أسمع كثيرا من زملائي بأن التدريس المسائي شاق جدا، كما أن استحقاقات المعلمين تتأخر أيضا.
وأشار إلى أن الاشتراطات المطلوبة دقيقة كما أن المعلم المتقدم يوقع على تعهد بالالتزام بالحضور وفي حالة إخلاله بذلك يتم استبعاد ترشيحه أربع سنوات.