الاستمرار في التنمية المستدامة يستدعي الترشيد في الطاقة صناعيا

الاستمرار في التنمية المستدامة يستدعي الترشيد في الطاقة صناعيا

تتطلع كثير من الدول إلى زيادة نمو القطاع الصناعي من أجل رفع مساهمته في الناتج الإجمالي للبلد، وهذا النمو يتأثر بعدة عوامل منها النمو السكاني، وازدياد معدل استهلاك الفرد للمنتجات الصناعية، والتحول إلى اقتصاد الخدمات وانتقال العديد من الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة إلى الدول النامية، وتحسن كفاءة استخدام الطاقة في القطاع الصناعي في الدول الصناعية، والتوجه نحو استخدام مصادر بديلة للطاقة وذلك لضرورات اقتصادية وبيئية، ولخفض التكلفة وزيادة القدرة التنافسية في الأسواق العالمية.
ويؤدي القطاع الصناعي في العالم دوراً مهماً في خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية ويسهم بشكل فعال، بشقيه الاستخراجي والتحويلي، في الناتج المحلي الإجمالي وفي الصادرات.
ويتسم القطاع الصناعي في المملكة، والدول العربية عموما بخصائص متعددة منها: الاعتماد على التقنيات المستوردة من الخارج، واستخدام الوقود الأحفوري وخاصة الغاز الطبيعي والديزل وزيت الوقود الثقيل كمصدر للطاقة في عمليات التصنيع، مع اتجاه واضح للتحول إلى استخدام الغاز الطبيعي في عدد من الصناعات الرئيسة، وغياب الرأسمال اللازم لعمليات التطوير، وارتفاع تكلفة الطاقة لدى الدول غير المنتجة للنفط، وتفاوت ملكية الصناعة بين القطاعين العام والخاص، وانخفاض كفاءة استخدام الطاقة نتيجة الدعم الواسع لأسعار مبيع الطاقة، وقدم التقنيات المستخدمة في بعض الدول العربية، وتدني الإنتاجية العمالية بسبب قلة العمالة الماهرة وعدم مواكبة مخرجات التعليم والتدريب لاحتياجات الصناعة.
وانطلاقاً من أهمية تحقيق التنمية المستدامة والتي تتطلب إدارة كفوءة للموارد والثروات الطبيعية واستخدام أساليب تقنية نظيفة بيئيا ومقبولة اقتصادياً واجتماعياً وفي إطار تكامل منظومة التنمية والطاقة والبيئة، فقد برزت أهمية العمل على ترشيد استهلاك الطاقة وتحسين كفاءة استخدامها في مختلف القطاعات الاقتصادية ومن ضمنها القطاع الصناعي، حيث بينت التجارب العالمية والخبرات المكتسبة توافر إمكانات كبيرة لتحسين كفاءة استخدام الطاقة في مختلف الصناعات.
وتشهد التوجهات الحالية في العديد من الدول العربية خطوات متسارعة لتنويع مصادر الدخل وتطوير الصناعات وخاصة كثيفة الاستهلاك للطاقة كالصناعات البتروكيماوية، الأسمدة، الألمنيوم، الحديد والصلب لتحقيق استفادة أمثل من مصادر الطاقة الأولية المتاحة وخاصة الغاز الطبيعي ما سيؤدي إلى تنامي حصة القطاع الصناعي من مصادر الطاقة، ويستدل من الواقع الحالي لاستهلاك الطاقة في القطاع الصناعي العالمي، والعربي منه خصوصا إلى تدني مؤشرات كفاءة الطاقة في معظم الصناعات مقارنة بمثيلاتها في الدول الصناعية المتقدمة، وعلى ضوء التجارب العالمية والخبرات المكتسبة في مجال تحسين كفاءة استخدام الطاقة وترشيد استهلاكها في الصناعات المختلفة فإن إيلاء هذا الموضوع الاهتمام في القطاع الصناعي العربي يعد من الأمور ذات الأولوية. لذلك من المهم جدا العمل على تحسين كفاءة استخدام الطاقة في القطاع الصناعي، وإيجاد الأساليب والتقنيات التي يمكن اتباعها لتحقيق ذلك، والاستفادة من بعض التجارب العالمية والبرامج الوطنية في هذا المجال.

مصادر الطاقة
يعد النفط والغاز الطبيعي المصدرين الرئيسين للطاقة الأولية في كثير من الدول، حيث يعتمد إنتاج الكهرباء بشكل رئيس على النفط والغاز الطبيعي، إذ تشكل هذه المصادر نسبة 98.1 في المائة من مصادر الطاقة المنتجة للكهرباء، بينما لا تتجاوز نسبة مساهمة المصادر المائية سوى نحو 1.9 في المائة في حين لا تشكل مساهمة مصادر الطاقة المتجددة والمصادر الأخرى نسبة تذكر حاليا، وتتباين نسبة الاستهلاك النهائي للطاقة إلى استهلاك الطاقة الأولية، فهي متدنية في الدول المنتجة للنفط، وعالية في الدول غير المنتجة للنفط. ويجدر بنا هنا أن نشير إلى أربع صناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة هي صناعات الأسمنت، وصناعة الحديد، وصناعة الأسمدة وصناعة الزجاج.

مؤشرات استهلاك الطاقة في عدد من الصناعات
تصنف الصناعات وفق التصنيف المعياري الصناعي العالمي. إلى ثلاث مجموعات هي، استخراج المصادر الطبيعية، التحويل إلى مواد خام؛ صناعة المنتجات النهائية (الصناعات التحويلية). ولتسهيل ذلك تم تصنيف هذه الصناعات في مجموعتين أساسيتين هما: الصناعات الاستخراجية والصناعات التحويلية. وفيما يلي عرض بعض مؤشرات استهلاك الطاقة في عدد من هذه الصناعات الرئيسة المتوافرة في الدول العربية.
الصناعات الاستخراجية وتشمل صناعة استخراج النفط والغاز الطبيعي، واستخراج الخامات المعدنية وغير المعدنية. وتمثل عمليات إنتاج ونقل وتكرير ومعالجة النفط والغاز الطبيعي المستهلك الرئيس للطاقة في القطاع الصناعي العربي، إذ يتطلب إنتاج النفط والغاز الطبيعي كميات كبيرة من الطاقة لعمليات الاستخراج والمعالجة والنقل، حيث تستهلك في تشغيل مضخات إنتاج المواد الهايدروكربونية، والمياه المرافقة، وتوفير الحرارة اللازمة لعمليات فصل النفط المستخرج، وإنتاج البخار اللازم لعمليات الاستخراج المدعم، وتشغيل مضخات إعادة حقن المياه ونقل النفط المنتج عبر الأنابيب، وتشغيل ضواغط إعادة حقن الغاز الطبيعي المنتج أو تصديره عبر الأنابيب، وتأمين الوقود اللازم لمجموعات توليد الطاقة الكهربائية المستخدمة في عمليات التشغيل، وتغذية التجمعات السكنية العاملة في هذا المجال. ويتباين استهلاك الطاقة بشكل واسع وفقاً للظروف المحلية وشروط التشغيل، ويتم عادة إنتاج الطاقة اللازمة في العديد من الحقول من الغاز الطبيعي المنتج محلياً الذي يستخدم كوقود في مجموعات التوليد الكهربائية، والضواغط. وفي الحالات التي تكون فيها إمدادات الغاز الطبيعي محدودة يتم شراء الطاقة الكهربائية من مصادر خارجية. ووفق دراسة للجمعية العالمية لإنتاج النفط والغاز الطبيعي (1) وتؤمن مصادر الطاقة المنتجة محلياً نحو 77 في المائة من إجمالي الطاقة المستهلكة. وتعد صناعة استخراج النفط والغاز الطبيعي ونقلهما إلى مراكز التكرير والاستهلاك من الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة.
الصناعات التحويلية وتصنّف هذه الصناعات في ثلاث مجموعات هي: الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقـة وتشمل الصناعات الكيميائية، والمعدنية، والغذائية، وصناعة الورق، والزجاج، ومواد البناء، و الصناعات منخفضة الاستهلاك للطاقة وذات القيمة المضافة العالية وتشمل صناعة وسائط النقل، والآليات الصناعية، والأجهزة الكهربائية، والحواسب الإلكترونية. والصناعات منخفضة الاستهلاك للطاقة وتتضمن صناعة النسيج، التبغ، الطباعة، البلاستيك، صناعة الجلود والمنتجات الجلدية. وفيما يلي عرض لعدد من الصناعات التحويلية المتوافرة في الدول العربية.

صناعة الألمنيوم
تعتبر من الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة الكهربائية حيث يقدر الاستهلاك النوعي للطاقة بين 14.1- 19.3 ميجاوات ساعة للطن المنتج من الألمنيوم (2). وتعد مادة الألمنيوم من أكثر المواد قابلية لإعادة التدوير ولمرات عدة، ويمكن أن تحقق عمليات إعادة التدوير وفرا في الطاقة المستخدمة يصل إلى 95 في المائة. وتوجد صناعة الألمنيوم في البحرين، وفي الإمارات، وتخطط قطر لإنشاء مصهر ألمنيوم. كما تدرس السعودية إمكانات استغلال خامات الألمنيوم المتوافرة لديها وإنشاء مصهر للألمنيوم . كما يوجد في عدد من الدول العربية مصانع للألمنيوم تنتج مقاطع مختلفة باستخدام المواد الخام المستوردة والألمنيوم المستعمل.

الصناعات النسيجية
يستخدم الديزل والكهرباء كمصادر للطاقة في هذه الصناعة ويتباين استهلاك الطاقة فيها تبايناً كبيراً، حيث يتراوح استهلاك البخار من عشرة إلى 40 كيلوجراما لكل كيلو جرام ألبسة، كما يقدر وسطي الاستهلاك النوعي للطاقة الكهربائية بين 4.63 ك.و.س لكل كيلو جرام من الغزل ويصل إلى 11.76 ك.و.س. لكل كيلو جرام من الأقمشة الجاهزة . وتتراوح تتكلفة الطاقة بين 5 و20 في المائة من تتكلفة الإنتاج وفقاً لنوع المنتج وأسعار الطاقة.

صناعة الأسمنت
توجد هذه الصناعة في جميع الدول العربية كونها من الصناعات الأساسية التي تتطلبها أعمال البناء والتشييد، وتعد من الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة حيث يقدر الاستهلاك النوعي الوسطي لإنتاج طن من الأسمنت بنحو 100 إلى 150 كيلوجرام مكافئ نفط، حسب طريقة التصنيع المستخدمة. وتشكل تتكلفة الطاقة فيها 40 إلى 60 في المائة من تكلفة الكلية للإنتاج. وبلغ استهلاك إجمالي صناعة الأسمنت من الطاقة عالميا ً في عام 2003، نحو 2.1 في المائة من إجمالي الطلب على مصادر الطاقـة الأولية، بينما بلغ هذا الاستهلاك في الدول العربية نحو 11 في المائة من إجمالي الطلب على الطاقة في القطاع الصناعي.

صناعة الحديد والصلب
تتوافر هذه الصناعة بشكل رئيس في مصر حيث يشكل إنتاجها من المنتجات الوسيطة والنهائية نحو 64 في المائة من إنتاج الدول العربية. ويقدر الاستهلاك النوعي الوسطي العالمي للطاقة في صناعة الحديد بـِ 600 كيلو جرام مكافئ نفط للطن. بلغ الاستهلاك العالمي للطاقة في صناعة الحديد في عام 2003، نحو 5.5 في المائة من إجمالي الاستهلاك العالمي لمصادر الطاقة الأولية، وبلغ في الدول العربية ما يعادل 10 في المائة من استهلاك الطاقة في القطاع الصناعي في هذه الدول.صناعة الأسمدة تعد من الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة لوحدة المنتج حيث يحتاج الطن من الأسمدة الآزوتية إلى ما لا يقل عن طن من المواد الهايدروكربونية ويستخدم الغاز الطبيعي بشكل رئيس كمادة مغذية وكوقود. ويقدر استهلاك الطاقة في صناعة الأسمدة في الدول العربية بنحو ثمانية ملايين طن مكافئ نفط في عام 2003. وتشكل تكلفة الطاقة في صناعة الأسمدة الآزوتية ما يزيد عن 80 في المائة من إجمالي تكلفة الإنتاج.

صناعة الزجاج
تعد من الصناعات المنتشرة في معظم الدول العربية، حيث يتم إنتاج أنواع متعددة من المصنوعات الزجاجية كالزجاج المسطح وزجاج المستوعبات وتعد صناعة الزجاج من الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة لوحدة المنتج. ويقدر وسطي الاستهلاك النوعي العالمي بنحو 400 كيلو جرام .م.ن./ طن زجاج. ويقدر الطلب على الطاقة في صناعة الزجاج في دول الإسكوا بنحو مليون طن مكافئ نفط سنوياً أي ما يعادل 1 في المائة من إجمالي الطلب على الطاقة في القطاع الصناعي.

الصناعات الهايدروكربونية
تعتبر صناعة تكرير النفط من الصناعات المهمة في الدول، وتعمل العديد من الدول العربية وخاصة المنتجة للنفط على إقامة مشاريع لإنشاء مصافي جديدة أو تطوير المصافي القائمة وتحسـين مواصفـات المنتجـات النفطية، لذلك يمكن اعتبار هذه الصناعة من الصناعات الرئيسة المستهلكة للطاقة في الدول العربية. كما تشهد صناعة الغاز الطبيعي تطوراً متزايداً، حيث يتم تنفيذ العديد من مشاريع معالجة الغاز وتسييله ونقله، ويلاحظ الخطط الحالية والمستقبلية للتوسع في صناعة الغاز لدى الدول العربية المنتجة له.

الصناعات البتروكيماوية
تتزايد القدرة التنافسية للصناعات البتروكيماوية العربية لاعتمادها على الغاز الطبيعي كمادة مغذية رخيصة نسبيا بالمقارنة مع النافتا المستخدمة في أوروبا لهذا الغرض، وتعد هذه الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، حيث يتراوح الاستهلاك النوعي للطاقة في المنشآت الحديثة 1330 كيلو جرام.م.ن. للطن في صناعة البولي إتيلين ويصل إلى 1946 كيلو جرام.م.ن للطن من مادة البولي فينيل كلورايد.

لاستخدام أمثل للطاقة في الصناعة
لابد من الاهتمام بالآثار البيئية والاقتصادية السلبية التي تسببها الأنماط الحالية لاستهلاك الطاقة وخاصة في القطاع الصناعي، وضرورة التوجه نحو أنماط أكثر استدامة وذلك عبر اعتماد السياسات والتشريعات المناسبة واتخاذ الإجراءات التقنية الضرورية. إحداث هيئات وطنية تتمتع بالاستقلال المالي والإداري وتعنى باستخدام الطاقة من أجل التنمية المستدامة، ومنها الأمور المتعلقة بتحسين كفاءة الطاقة، في القطاعات الاقتصادية ومنها القطاع الصناعي، واستخدام مصادر الطاقة البديلة. تطوير استراتيجيات وطنية وبرامج تنفيذية بهدف ترشيد وتحسين كفاءة استخدام الطاقة وذلك من خلال وضع الخطط وتنفيذ البرامج الريادية لتحسين كفاءة استخدام الطاقة في الصناعات المختلفة وتوفير قاعدة بيانات عن أداءها وحجم الوفر الناتج عنها، والتشجيع على إقامة شركات خدمات الطاقة، ودعم الإجراءات المتعلقة بوضع المواصفات والمعايير التي تسهم في تحسين كفاءة الطاقة. زيادة الوعي حول أهمية ترشيد الطاقة في المنشآت الصناعية وتدريب المهندسين والفنيين على إنجاز التدقيقات الخاصة بالطاقة في المصانع ومراقبة الأداء. وتنظيم الندوات وورش العمل التدريبية، العمل على استخدام الكوك البترولي المنتج في مصافي النفط والنفايات الصلبة والسائلة والسجيل الزيتي في صناعة الأسمنت، كذلك التوسع في صناعة الحديد والصلب والصناعات البتروكيماوية وصناعة الألمنيوم بالاعتماد على الغاز الطبيعي كمصدر للطاقة وإيلاء الاهتمام لإعادة تدوير المنتجات المعدنية المستعملة. زيادة الاستثمارات المحلية والعربية لاستثمار الموارد الطبيعية المتاحة الداخلة في صناعة الأسمدة مثل الغاز الطبيعي، والفوسفات، والبوتاس مع بذل مزيد من الجهود في ترشيد استهلاك الأسمدة لدى المستهلك النهائي والعمل على زيادة مساهمة الأسمدة العضوية. التوسع في صناعة الزجاج في الدول العربية وتحسين نوعية المواد المصنعة وذلك للحد من الاستيراد. وزيادة نسبة استخدام حطام الزجاج المستعمل في مزيج المواد الخام في صناعة الزجاج. دعم جهود الدول العربية في تطوير استراتيجيات استخدام الطاقة لأجل التنمية المستدامة وإعداد برامج للتدريب وبناء القدرات الوطنية في هذا المجال؛ توطيد التنسيق والتعاون العربي والإقليمي عبر الآليات الموجودة والسعي للحصول على دعم المؤسسات الدولية في تطوير البنى المؤسساتية وتسهيل تدفق الاستثمارات الأجنبية؛ التنسيق والتعاون في جمع المعلومات الدورية وإعداد الاستبيانات وتنفيذ برامج التعاون وتبادل المعلومات والخبرات بين المنظمات والهيئات العربية والإقليمية والدولية ذات العلاقة. وضع وتبادل البرامج الإعلامية التي تهدف إلى ترشيد استهلاك الطاقة.

الأكثر قراءة