هيئة المحاسبة.. بين تجنب مزالق التمويل التقليدي وإيجاد معايير حوكمة عصرية
التمويل الإسلامي هو ممارسة للخيار. بالنسبة للمسلم، يعد التمويل الإسلامي سبيلاً لممارسة القيم التي يؤمن بها المسلم. وبالنسبة إلى غير المسلم، فإن التمويل الإسلامي يعد يداً تُمَدُّ في سبيل التمويل الأخلاقي.
بالنسبة إلى المسلم، فإن الشرع يحضه على ممارسة الأعمال والكسب والعيش في حياة كريمة لنفسه ولأهله ولمجتمعه. كما أن التمويل يساعد على استدامة الاقتصاد وتطويره.
وحين توضَع الأدوات الاستثمارية، مثل السندات الإسلامية أو الصكوك، فإن المنهج الذي يُستخدَم في هيكلتها لا يعتمد فقط على نسب العائد المالي على الاستثمار. إذ لا بد من استخدام عدد من المعايير حتى نتحقق من أن الهدف الاستثماري يقع ضمن الأمور التي يجيزها الشرع, كذلك يجب تقييم الالتزام الإجمالي للهيكل الاستثماري بالأحكام الشرعية.
حتى الآن كان الاختلاف في الرأي بين الفقهاء حول الأحكام الفقهية، إلى جانب الاختلاف الزمني بين المذاهب المختلفة، كان مقبولاً من دون تحفظ بين أهل العلم. هذه الاختلافات ليست عقبة أمام تطور الأسواق المالية الإسلامية، وإنما هي فرصة وتحَدٍّ، شريطة أن يتعاون المشاركون على نحو وثيق في تطوير هذه الأسواق.
ينبغي على المرء أن يسعى إلى تحقيق الوحدة والإجماع، ولكن على ألا يقع في فخ بعض المشاركين في السوق، أو حتى الجهات الخارجية التي تنادي بالمعايير الموحدة حين يمكن لتلك المعايير أن تعمل على شق الأسواق أو استبعاد جزء من المجتمع.
في هذه المرحلة الزمنية، تخرج الصناعة شيئاً فشيئاً من الأطر التي حددتها المنتجات التقليدية، لتنطلق إلى طور أكثر تحدياً وابتكاراً.
ومنذ فترة قريبة أصدرت هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، الموجودة في البحرين، فتوى متشددة حول الصكوك، أكدت فيها أساسيات المعايير، التي يفترض فيها أن تُحذِّر الفقهاء الآخرين من إرساء مبادئ بعيدة عن آراء السلف، وفي المقابل ألا تنسى أن تعود إلى الأصول نفسها قبل عمل أي تطور جديد. إن الفتوى ملزمة فقط للذين يصدرونها والذين يريدون اتباعها, لا أكثر ولا أقل, إنها لا تختصر فتاوى الفقهاء والعلماء الآخرين ولا تقضي عليها. ولكن من خلال السياق الحالي فإنها تعد دعوة وتشجيعاً في سبيل الابتكار.
حاولت هيئة المحاسبة والمراجعة إعادة توحيد وتعزيز ديناميكيات السوق على نحو إيجابي يتسم بالالتزام. ومن هذا الباب فقد كان من حق الهيئة، بل من واجبها، أن تجهر بصوتها.
هناك موضوع مهم للغاية تناولته هيئة المحاسبة والمراجعة في الفترة الأخيرة ويستحق المزيد من الدراسة. إن النقص في عدد الفقهاء في الوقت الحاضر ربما يؤدي إلى التركيز والاحتكار، وبالتالي إلى التحجر. فضلاً عن ذلك فقد اقترح البعض أن الجمع بين عالم الأعمال وبين ما يتسم به من ضغوط على الفقهاء الذي يضطلعون في الوقت نفسه بأعمال الاستشارات والإشراف والتنظيم والتحكيم وفرض الأنظمة يلقي بثقله عليهم ويمكن أن يؤثر فيهم على نحو يدفعهم إلى اتخاذ قرارات غير حذرة.
آن الأوان للتساؤل عن الحاجة إلى معايير الحوكمة المعاصرة السليمة، والقواعد الواضحة فيما يتعلق بتضارب المصالح وما يسمى الجدر الصينية ضمن أهل العلم والمؤسسات. إن الذي يقدم النصح والمشورة إلى المشاركين في السوق ليس بمقدوره أن يضع المعايير لبقية السوق، وهكذا. إن من الواضح أن الصناعة اجتازت مرحلة الطفولة، ويجدر بها أن تتجنب المزالق التي وقعت فيها صناعة التمويل التقليدي من قبل.
**مستشار لدى مكتب بينر القانوني
إسطنبول- تركيا