ماهية إدارة المخاطر وكيف نشأت؟

ماهية إدارة المخاطر وكيف نشأت؟

ماهية إدارة المخاطر وكيف نشأت؟

في المقال السابق تكلمنا عن المخاطر كمصطلح من ناحية تعريفية وإدراك الشخص في نظرته لتحديد المخاطر، وهذا التعريف يقودنا إلى مصطلح آخر مرادف له وهو إدارة المخاطر، حيث إنه لا تذكر المخاطر إلا ويذكر معها أنه لا بد من إدارتها ومراقبتها.
في البداية أود أن أبين أن القصد من كلمة الإدارة هنا هو أحد أنواع فنون الإدارة كإدارة الوقت وإدارة الأعمال وليست الإدارة بمعناها الملموس كوحدة إدارية في الهيكل التنظيمي التي بدأت في الظهور في كبريات الشركات العالمية خلال العقد الحالي كإدارة المشتريات وإدارة المبيعات مثلاً.
إدارة المخاطر ليست علما بحد ذاتها إنما هي فن من فنون الإدارة تمارسه الإدارة في التعامل مع أي نوع من المخاطر، وهدفها الأساسي منه هو توفير المعلومات الخاصة بالمخاطر التي قد تحدث مستقبلاً وذلك للمساعدة في اتخاذ القرار الأمثل والأنسب، من خلال تحديد وقياس تلك المخاطر ووضع الضوابط المطلوبة لتقليل احتمالية حدوثها أو تقليل وتخفيف الأثر في حالة وقوعها.
وهذا التعريف يوضح التداخل لدى بعض الأفراد في الاعتقاد القديم بأن إدارة المخاطر هي في الواقع إدارة للتأمين بينما الصحيح أن إدارة التأمين أصبحت مجرد أداة من أدوات إدارة المخاطر وتستعمل للرد على نوع من أنواع المخاطر المتعددة التي قد يكون اللجوء إلى التأمين أحد حلولها، أي بعبارة أخرى (نقل المخاطر إلى الغير).
ومن خلال القراءة التاريخية التي تؤكد أن إدارة المخاطر كما بدأ من خلال الاعتقاد السابق أنها فقط مجرد إجراء وقائي لتقليل وقوع الخسائر من خلال شراء التأمين أو حماية المخاطر المالية عن طريق المشتقات لتقليل الخسائر من تقلبات أسعار العملات أو أسعار الفوائد التجارية.
وحيث إن قياس المخاطر مبني على قاعدتين أساسيتين هما احتمالية الوقوع وتأثيره المادي فإنه بشكل عام خلال الخمسينيات كان التوجه من دراسة المخاطر هو عمليات حسابية بحتة من خلال تطبيق نظرية الاحتمالات لأجل محاولة توقع كيف تنجح الشركات في ظل أحداث تقلبات الأسواق. هذا التصور لم يدم كثيراً خصوصاً في الولايات المتحدة، حيث مع بزوغ عقد السبعينيات والتأثر بزيادة معدل تقلبات الاقتصاد وأزمة النفط بدأ التوجه أعمق من ذي قبل لتقييم المخاطر من أجل قياس معدل المخاطر على مستوى الدول وتأثيرها في الشركات الغربية. خلال ذلك الوقت قلما تجد شركات غير مالية تأخذ هذا النوع من الإدارة في الاعتبار، وفي المقابل من ذلك كانت البنوك متقدمة في هذا المجال بسبب طبيعة بيئتها العملية المتعرضة والمحفوفة بالمخاطر سواء على نطاق داخلي أو دولي.
ومع نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات ورغبة من الشركات في تقليل التكاليف رأت أن في إمكانها وضع إجراءات وقائية إضافية لتقليل تكاليف أقساط التأمين المرهقة على بنود ميزانيتها التي تحتل رقما ضخما من جدول نفقاتها وإيمانا منها بقدرتها على تحمل مسؤولية المخاطر، هذه الرغبة الحقيقية والسلمية في فهم المخاطر قاد بعض الشركات والمنشآت لإيجاد وتأسيس وتبني إدارة للمخاطر في الهيكل التنظيمي عوضاً عن إدارة التأمين القائمة في ذلك الوقت، ونمت هذه الإدارة في العقد الأخير وأصبحت ذات أهمية قصوى وجدوى اقتصادية، دل على ذلك تطورها السريع وتطبيقها وتعميمها بشكل واسع في الشركات العالمية.
واليوم وليس من داعي المبالغة أن قلنا إن تقييم المخاطر أصبح عنصرا أساسيا لجميع نماذج اتخاذ القرار في كل المنشآت العريقة والكبيرة المالية منها أو غيرها، ويندر أن تجد اليوم في الشركات ذات السمعة العالمية استبعاد وتهميش لإدارة المخاطر أو على الأقل عدم فهم كامل لها، كما أن ضوابط المخاطر أصبح ينظر إليها على أنها عنصر ضروري لمراقبة ولضمان ثبات واستمرارية حياة المنشآت.
وهذه الإدارة تتضمن في جميع أعمال وإجراءات المنشأة وبغض النظر عن طبيعة المخاطر أو الأحداث أو قطاع المنشأة التي تنتمي إليه، وهذا يؤكد أن إدارة المخاطر لا تطبق فقط في النواحي الاستثمارية أو القرارات المالية أو التجارية، بل إنها تطبق في جميع المنشآت وفي كافة المجالات سواء الحكومية أو التجارية ما دام أن هناك قرارا سوف يتخذ وآثارا سوف تنجم عنه. لهذا فالمدير أو المسؤول متخذ القرار لن يتمكن من أن يدير أو يتخذ قرار من دون معرفة تامة بالمخاطر المحيطة التي قد يواجهها.
من هذا كله يتبين لنا جميعا أن من يقود إلى تأسيس إدارة المخاطر ليس توجها عالمي، أو تشريعات دولية أو رغبةً إدارية في إضافة قيمة إلى المساهمين ولكن من يقود إلى تأسيس إدارة للمخاطر هو التغيير سواء في المسؤوليات أو التوقعات بين المديرين ومتخذي القرار بسبب تغير النظرة والموقف تجاه المخاطر والضغوط الزائدة عليهم الذين شعروا بأنهم بحاجة إلى تأكيدات على تأثير جميع المخاطر سواء كانت (فرصة) من خلال المخاطر الإيجابية أو (تهديد) عندما تكون المخاطر سلبية.
علما بأنه بدأت في الفترة الأخيرة أصدرت تشريعات دولية ومحلية لتطبيق وتفعيل إدارة المخاطر هذه التشريعات منها المباشر أو غير مباشر كالالتزام بتطبيق قاعدة بازل 2 على البنوك من قبل ساما (مؤسسة النقد العربي السعودي) أو تطبيق حوكمة الشركات على الشركات المساهمة من قبل هيئة سوق المال السعودية وحتى وكالة التصنيف العالمية مثل (ستاندرد آند بورز) و(موديز) الذين أكدوا على تطبيق إدارة المخاطر بشكل كامل وأنها عامل مؤثر في رفع درجة التصنيف الائتماني.
لذا كله فإن إدارة المخاطر أصبحت حقيقة قائمة كما أصبحت نظاما متقدما للضمان والرقابة وتستطيع أن تقود إلى تحسين جودة ونتائج الأعمال وهي أداة أساسية للتعامل مع أحدث التوجهات ومختلف أنواع المخاطر ولعلها تكون فرصة مقبلة للتحدث عن أنواع المخاطر والمعايير الدولية المتبعة لإدارة المخاطر.

الأكثر قراءة