تدخلات ترمب في السياسة النقدية خطر يهدد استقرار الأسواق

تدخلات ترمب في السياسة النقدية خطر يهدد استقرار الأسواق
تدخلات ترمب في السياسة النقدية خطر يهدد استقرار الأسواق

تثبت إدارة ترمب أنها أكثر استعدادا للتعليق على قرارات الاحتياطي الفيدرالي الخاصة بأسعار الفائدة بعد أن قالت القليل حول سياسة البنك المركزي خلال عامها الأول، ويعد هذا تطورا ينذر بخطر زعزعة استقرار الأسواق المالية.
لم يخفِ دونالد ترمب قط رغبته في الحصول على تكاليف اقتراض زهيدة، واصفا نفسه بأنه رجل الأسعار المنخفضة. لكن في سنته الأولى رئيسا، تحاشت إدارته مناقشة قرارات البنك المركزي. وتم ذلك جزئيا تحت تأثير جاري كوهن، رئيس المجلس الاقتصادي الوطني السابق، الذي تفهم مدى حساسية السوق لعمل البنك المركزي.
في الآونة الأخيرة، أصبح المسؤولون الرسميون أكثر صخبا. بيتر نافارو، المستشار التجاري للرئيس، ربما أقدم على أكثر التدخلات مباشرة، عندما أخبر قناة "سي إن بي سي" هذا الشهر أنه شعر "بشيء من الحيرة عندما أعلن الاحتياطي الفيدرالي عن ثلاث زيادات في أسعار الفائدة قبل نهاية العام"، معتبرا أنه لم يكن هناك تضخم يمكن التحدث عنه في الاقتصاد الأمريكي. وفي الأسبوع الماضي استخدم ترمب تويتر لاتهام روسيا والصين بتخفيض قيمة عملتيهما، بينما "تستمر الولايات المتحدة في رفع أسعار الفائدة"، واصفا الوضع بأنه غير مقبول.
إدارات كلينتون وجورج دبليو بوش وباراك أوباما تجنبت التعليق علنا على السياسات النقدية، معتبرة أن من الأفضل لثقة المستثمرين أن يتم احترام استقلالية البنك المركزي. لكن أسلافهم كانوا أكثر استعدادا لممارسة الضغط على البنك المركزي، من بينهم جورج إتش دبليو بوش الذي دفعت إدارته باتجاه سياسات أكثر تراخيا. أما الضغط الأكثر شهرة فهو ما حدث مع رئيس مجلس إدارة الاحتياطي الفيدرالي الأسبق، آرثر بيرنز، الذي تعرض لضغط من جانب إدارة نيكسون لإبقاء تكاليف الاقتراض رخيصة.
مارك سبيندل، وهو مدير استثمار ومؤلف مشارك في كتاب عن الاحتياطي الفيدرالي بعنوان "أسطورة الاستقلال"، يقول: "كان هناك تغير في لهجة الإدارة بشأن الاحتياطي الفيدرالي في الأسابيع الأخيرة – ولن نعرف النتائج لبعض الوقت. لكن الرئيس يريد أن يعود له الفضل في الحصول على نتائج جيدة وأن يجد مؤسسات يلقي عليها باللوم في النتائج السيئة. وذلك قد يجعل الاحتياطي الفيدرالي في خط النار عندما تسوء الأمور".
من جانبهم، يشدد مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي على أنهم لن يتأثروا إذا تعرضوا لأي ضغط سياسي. ردا على سؤال من "فاينانشيال تايمز" حول ما إذا كان سيتجاهل الانتقادات الأخيرة، قال روبرت كابلان، رئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي في دالاس، نعم.
وأضاف: "مهمتنا هي تحليل الاقتصاد إلى أقصى حد ممكن إنسانيا بحيث يكون هذا التحليل خاليا من الاعتبارات السياسية أو النفوذ السياسي، ومن ثم اتخاذ قرارات سليمة للاقتصاد الأمريكي". وتابع: "يلزم وجود قيادة لتفعل ذلك وأنا على يقين تام بأن الاحتياطي الفيدرالي لديه تلك القيادة وهذا هو أحد الأسباب التي جاءت بي إلى هنا".
خلال فترة الحملة الانتخابية وجه ترمب انتقادات لجانيت ييلين، رئيسة الاحتياطي الفيدرالي سابقا، للحفاظ على أسعار الفائدة منخفضة، لكنه توقف فجأة عن توجيه انتقاداته بعد أن تولى الرئاسة، ما عمل على تهدئة الأسواق. أما التدخلات الأخيرة فقد كانت في العموم مداخلات طفيفة. لكن إن بدأت الإدارة في توجيه انتقادات أكثر قوة للبنك المركزي، فقد يعمل ذلك على زرع البلبلة في الأسواق وإرغام الاحتياطي الفيدرالي على إثبات استقلاليته، بحسب ما يقول بعض المحللين.
مارك سومرلين، من "إيفنفلو ماكرو" Evenflow Macro، وهو مسؤول سابق في البيت الأبيض في عهد جورج دبليو بوش، اعتبر التصريحات علامات إنذار مبكر. وقال: "إذا بدا أن الرئيس يملي السياسة النقدية علناً، فإنه سيجبر الاحتياطي الفيدرالي على المقاومة علناً، وهذه ليست نتيجة سارة للأسواق المالية". وأضاف: "الاستراتيجية الأفضل بكثير تتضمن إجراء مناقشات السياسات النقدية في لقاءات خاصة، بدلا من فرض ضغط جماهيري على الاحتياطي الفيدرالي، ما يجيره على تأكيد استقلاليته".
ما يجعل الوضع حساسا هو ميل إدارة ترمب إلى ربط حظوظها بسوق الأسهم. فإن كانت هناك عمليات بيع مكثف، سيبحث المسؤولون على الأرجح عن جهة يلقون عليها باللوم. مثلا، ستيفن منوشين، وزير الخزانة، أخبر شبكة "فوكس نيوز صنداي" في نهاية شهر آذار(مارس)، أن تراجع سوق الأسهم في الأيام الأخيرة يعود جزئيا إلى الاحتياطي الفيدرالي. وحين سئل عما إذا كان الاحتياطي الفيدرالي يرفع أسعار الفائدة بسرعة كبيرة، قال: "أنا أحترم استقلالية الاحتياطي الفيدرالي لهذا السبب لن أعلق على ذلك"، لكنه أضاف أنه يعتقد أن البنك المركزي ملتزم بعدم إيقاف النمو.
لاري كودلو، المعلق التلفزيوني الذي أصبح المدير الجديد للمجلس الاقتصادي الوطني، كان يعقب بانتظام على السياسة النقدية، وستتم الآن متابعة نهجه من قرب بعدما أصبح في البيت الأبيض. وقال كودلو الذي تمت تسميته الأسبوع الماضي خلفا لكوهين، إنه يأمل ألا يبالغ الاحتياطي الفيدرالي ويرفع أسعار الفائدة أكثر بدرجة كبيرة. وفي أول لقاء له مع وسائل الإعلام، استمر في المجادلة بأن النمو السريع لا يسبب التضخم، وأن ما يسمى "منحنى فيليبس"، الذي يظهر العلاقة بين البطالة ونمو الأسعار، هو غير موجود. اعتاد الاحتياطي الفيدرالي على انتقادات أعضاء الكونجرس الذين يشتكون بانتظام من قراراته في جلسات الاستماع العامة وفي التصريحات التي يدلون بها إلى وسائل الإعلام. وورقة الضغط الأساسية للبيت الأبيض عندما يتعلق الأمر بالتأثير في الاحتياطي الفيدرالي تتمثل في الحق في تعيين أعضاء مجلس المحافظين.
وحتى قرارات التعيين التي تمت في عهد ترمب لقيت ترحيبا واسعا من جانب الأسواق. مثلا، جاي باول، الرئيس الجديد للاحتياطي الفيدرالي، ينظر إليه باعتباره وسطيا واقعيا في السياسة النقدية. وفي الأسبوع الماضي تم ترشيح ريتشارد كلاريدا لمنصب نائب الرئيس، مع انتظار ميشيل بومان، المسؤولة في جهاز التنظيم المصرفي في كانساس، لشغل منصب محافظ في البنك المركزي.