الجوف .. كنز الآثار وعاصمة الزيتون تستقبل زوارها بـ "المغزل"
تلمح في أول دخولك لمدينة سكاكا العاصمة الإدارية لمنطقة الجوف "المغزل" وهي أدوات نسج السدو تستخدم لدى نسوة الشمال لغزل الصوف وإنتاج قطع السدو التي تحيك منه البدوية بيت الشعر كما تنسج ملابس أبنائها بنفسها.
استغرابك لن يدوم طويلا خصوصا وأنت تحط رحالك في أحد فنادق سكاكا وكل ما يقابلك فيها تجد فيه منسوجات الجوفيات اللاتي أتقن حرفة السدو بكل براعة وتعد هواية القنص من أهم الرياضات التي يمارسها أهل الجوف فهم مغرمون بالطيور وكلاب الصيد ويخرجون في رحلات قنص منظمة ويمارسون تلك الهواية بحب عميق.
الجميع هنا يتحدثون عن الزيتون وعن حلوة الجوف تلك التمرة التي يفتخر فيها أهل الجوف كثيرا وأنت تتذوقها مع القهوة العربية الخالصة يقول احد كبار السن في الجوف تلك هي قهوتنا لم تتغير منذ أكثر من 60 عاما وكان يذكرها وهو ابن العاشرة. "الاقتصادية" رافقت الهيئة العليا للسياحة في القافلة الثالثة والتي زارت منطقة الجوف بصحبة أكثر من 30 إعلاميا.
الجوف
من أسماء منطقة الجوف الجوبة، ووادي النفاخ، وسبب التسمية بـ"وادي النفاخ" هو أنّه لشدّة كرم أهل الجوف فإن الضيف يحس بانتفاخ في بطنه من شدّة الشبع. وتضم منطقة الجوف علاوة على المدينة الرئيسة سكاكا محافظة القريات، ومحافظة دومة الجندل، ومركز طبرجل، ومركز العيساوية، والحديثة، والناصفة، وزلّوم، وصوير، تحتضن منطقة الجوف العديد من المواقع الأثرية المهمة التي يبحث عنها السياح الأجانب من اليابان والصين ودول أوروبا وتعد مرتعا خصبا للمهتمين بالحضارات والتاريخ لما لها من أسرار وخبايا تثير فضول الكل لمشاهدتها بعين الواقع وملامسة جميع جوانبها. من أبرز تلك المواقع موقع الشويحطية والنقوش القديمة وقلعة زعبل وبئر سيسرا والرجاجيل ومسجد عمر بن الخطاب وقلعة مارد وقدير وقصر مويسن و إثرة وكاف إضافة إلى مواقع أخرى حديثة تضفي إلى جانب السياحة والترفية طابعاً آخر ومن هذه المواقع بحيرة دومة الجندل والمياه الكبريتية بعين الحواس ومحمية الحرة.
المواقع الأثرية
تعد الشويحيطية أقدم موقع أثري استوطنه الإنسان في الجزيرة العربية يقع شمال مدينة سكاكا على بعد " 45 " كم تقريباً ومساحتها 400 كم2 وبها أقدم موقع أثري في المملكة وقد اكتشفت في الموقع ست عشرة مستوطنة، وتم جمع نحو ألفي قطعة أثرية تعود إلى العصر (الألدواني) الحصوي، وتؤكد الدراسات أنه أقدم مكان استوطنه الإنسان في الجزيرة العربية قبل أكثر من مليون وثلاثمائة ألف سنة. كما يشير حسين الخليفة مدير جهاز السياحة في منطقة الجوف.
قلعة زعبل
هي حصن أقيم على قمة جبل شمال سكاكا وهي قديمة جداً أعيد بناؤها عدة مرات وآخرها قبل 200 سنة ، وهي مبنية من الطين وبعض الأحجار وفيها خزان ماء منحوت من الصخر في وسط القلعة من الداخل وفي زواياها أربعة أبراج مخروطية الشكل للمراقبة والاستعمال الحربي.
بئر سيسرا
يقع قريباً من قلعة زعبل على بعد 200 متر تقريباً في الجنوب الغربي وهي بئر محفورة في موقع صخري مرتفع يحيط بها من الداخل درج منحوت في صخرة البئر نفسها ذات فوهة واسعة وبها نفق في الجهة الشرقية من قاع البئر يغذي المزارع التي تقع في مكان منخفض من المدينة على بعد ثلاثة كيلومترات ، وقد جفت البئر منذ زمن قديم وبقيت أثراً ، ويرجح أن هذه البئر يعود تاريخها إلى العصر النبطي.
الرجاجيل
تقع على مسافة عشرة كيلو مترات تقريبا إلى الجنوب الشرقي من مدينة سكاكا حيث توجد به مجموعات من الأعمدة الحجرية المنتصبة وتشترك جميع الأعمدة بتعامدها مع شروق وغروب الشمس ويوجد في الناحية الغربية من كل مجموعة بناء على شكل نصف دائرة فيما عدا واحدة والكثير من هذه الأعمدة محطم وتتوزع في مجموعات تشمل كل مجموعة أربعة أعمدة ارتفاع الواحد منها نحو ثلاثة أمتار ويعود تاريخها تقريبا إلى الألف الرابع قبل الميلاد، والأعمدة الحجريّة نقش عليها نقوش ثموديّة ، ويُعتقد بأن هذه الأعمدة لها علاقة بالشمس أما من حيث التوقيت أو العبادة . عثر في الموقع على العديد من الأدوات الحجرية التي تعود إلى أواخر العصر الحجري الحديث وهي عبارة عن رؤوس سهام ومكاشط ومخارز. وجاءت تسميتها من جمع رجال لأن المشاهد لها من بعيد يظن أنهم رجال واقفون.
قلعة قدير
وهي بقايا أطلال قلعة مبنية من الحجر الرملي تتألف من غرفة وبرج للمراقبة ويعود تاريخ بنائها إلى عام 518هـ بجوارها صخور كبيرة متناثرة عليها نقوش ثمودية وبعض رسوم لحيوانات وبعض مشاهد صيد . وبالقرب من المبنى نص تأسيسي يقول : (( قام حماد بن كعب في عمارة هذا البيت سنة ثمانية عشر وخمسمائة وكتب بريك بن جبر غفر الله ذنوبه في أول يوم من المحرم )) .
قصر مويسن
يقع على مسافة 15 كم جنوب غربي سكاكا مبني من الطين والحجارة مستطيل الشكل على تل يرتفع نحو 15 مترا وعلى ما يبدو أنها تعود إلى فترة إسلامية مبكرة وتتألف من مجموعة من الغرف وبداخلها بئر مردوم بالحجارة وتحيط بها مزارع مويسن .
دومة الجندل
تعد من أوائل الأماكن التي استقر بها الإنسان القديم ونتيجة لاستقرار الإنسان الدائم احتاج لتبادل بعض السلع مع جيرانه ومن هنا نشأت التجارة البرية من الألف الأول قبل الميلاد ومن هنا أصبح له مكانته في العالم القديم . وعدت دومة الجندل من أمهات المدن في الجزيرة العربية , وكان يعقد بها سوق من أشهر أسواق العرب قبل الإسلام وكان يعقد في الأول من ربيع كل عام . وكانت دومة الجندل بعد الإسلام مركزا مهما للمسلمين ويتيح للدخول إلى بلاد الشام .
ومن الإشارات الأخرى إلى دومة ا لجندل في القرن الثالث الميلادي في عهد الملكة العربية الشهيرة " زنوبيا " التي حكمت تدمر ما بين 267-272 م ويبدو أن هذه الملكة غزت دومة الجندل ولكن قلعة المدينة كانت حصينة بحيث لم تتمكن الملكة من إقتحامها فارتدت خائبة وقالت قولتها المشهورة " تمرد مارد وعز الأبلق " الأمر الذي يدل على أنه كان في دومة الجندل حكم قوي.
وتقع محافظة دومة الجندل جنوب غرب مدينة سكاكا حيث تقع على صخور تنتمي إلى الدرع العربي وهي من أهم المناطق الجيولوجية في المملكة، وتبعد عن مدينة سكاكا 52 كيلو مترا وهي من أهم المواقع التاريخية والأثرية والحضارية في المملكة العربية السعودية حيث تحتضن قلعة مارد ومسجد عمر بن الخطاب كما تشتهر بوفرة مياهها العذبه.
مسجد عمر
مسجد بناه الخليفة الثاني عمر بن الخطاب أثناء مروره بدومة الجندل في طريق عودته من بيت المقدس، وهو يقع وسط مدينة دومة الجندل القديمة ملاصقاً لحي الدرع من الجهة الجنوبية ويُقال إنّ منارة المسجد هي أوّل منارة في الإسلام، ولا يزال هذا المسجد قائماً إلى اليوم وتقام فيه الصلوات الخمس، ويقع في محافظة دومة الجندل.
ويعد من المساجد الأثرية المهمة إن لم يكن أهمها على مستوى المملكة. وتنبع أهمية المسجد من تخطيطه العمراني حيث يمثل استمرارية لنمط تخطيط المساجد الأولى وتبرز أهمية هذا المسجد إلى كونه من أقدم المساجد الأثرية التي لم يتبدل تخطيطها. وتقع مئذنة المسجد في الركن الجنوبي الغربي. وتنحرف عن مستوى جدار القبلة وقاعدة المئذنة مربعة الشكل طول ضلعها 3م وجدرانها الحجرية تضيق إلى الداخل كلما ارتفعت إلى الأعلى حتى تنتهي بقمة شبه مخروطية يبلغ ارتفاع المئذنة الحالي 12.7م وقد استخدم الحجر في بناء المسجد والمئذنة كما هو الحال في قلعة مارد والحي المجاور للمسجد.
قلعة مارد
تقع هذه القلعة على تل مرتفع في دومة الجندل وتشرف على المدينة وتمثل حصنا منيعاً أمام الأعداء وهي شبه دائرية الشكل لها أبراج مخروطية بنيت في أربع جهات منها. وأقدم ذكر لها في القرن الثالث الميلادي عندما غزت ملكة تدمر زنوبيا دومة الجندل وتيماء ولم تستطع اختراقها وقالت: تمرد مارد وعز الأبلق. والمارد صفة لكل شيء يتمرد ويستعصي.
وقلعة مارد تحتوي على مبانٍ من مراحل متعددة بعضها محكمة البناء تعود إلى عهود حضارية مزدهرة وهي الأقدم وعلى ما يبدو بأنها تعود للفترة النبطية وذلك نتيجة للمجسات التي أجريت داخل القلعة وخارجها وأظهرت معثورات تعود لهذه الفترة. وبعضها مضاف يحل محل قديم متهالك مختلف في مستوى إتقان البناء يمكن أن ينسب إلى فترة متوسطة بعد ظهور الإسلام وبعض المباني رديء الأسلوب في البناء ومبني بمونة طينية ينسب إلى فترة متأخرة يعتقد أنها تعود إلى ما يقارب الثمانين سنة.
السور
يقع في الطرف الغربي لدومة الجندل تم الكشف عنه عام 1406 هـ من قبل الإدارة العامة للآثار والمتاحف . ويرتفع في أعلى نقطة نحو 4.5م وهو مبني من الحجر بأسلوب يشبه بناء قلعة مارد ويوجد به أبراج مستطيلة الشكل لها فتحتان وهذه الأبراج ملحقة بالسور لعدم ربطها بحجارة السور وهو مدعم بجدار من الطين من الداخل ومن المحتمل أن هذا السور يحيط بالحي المجاور له فقط .وطول المتبقي منه نحو 1800متر .