المصارف الإسلامية وأزمة الرهن العقاري
أزمة الرهن العقاري التي تمر بها الولايات المتحدة تعد الأزمة الأسوأ كما يرى عدد من المراقبين منذ أزمة ثلاثينيات القرن الماضي، وهذه الأزمة تعد السبب في وصول الاقتصاد الأمريكي إلى حالة ركود recession وهذا الركود تسبب في خسارة الأسواق الأمريكية كثيرا من الوظائف ووصول نسبة البطالة في السوق الأمريكية إلى 5.1 في المائة. وقد أدت هذه الأزمة إلى حمل عدد من البنوك على شطب مليارات الدولارات من الديون، وهذا بسبب الخسائر التي تكبدتها تلك المصارف بسبب عدم قدرة المستفيدين من القروض على السداد، وانخفاض أسعار العقارات التي تم رهنها من قبل تلك المصارف.
فيبقى تساؤل: هل المصارف الإسلامية في العالم، وخصوصا المصارف المحلية، بمنأى عن هذه الأزمة التي تسببت في انهيارات لبعض المؤسسات المالية في أمريكا؟
إذا ما كنا نتكلم من ناحية مساهمة المصارف الإسلامية في هذا النوع من الاستثمارات، فنحن نعلم أنه لا يمكن لتلك المصارف الدخول في مثل هذا النوع من الاستثمارات، وذلك لسبب بسيط وهو أن هذه الاستثمارات تتعامل بالفائدة الربوية حيث إن الإقراض العقاري الذي تمارسه تلك البنوك والمؤسسات المالية هو عبارة الإقراض بفائدة مع رهن المنزل وهو ما يطلق عليه شيوعا بالرهن mortgage وهذا النوع من المعاملات محرم شرعا بل هو أحد مظاهر الربا الذي ما نشأت البنوك الإسلامية إلا لتجنبه.
ولكن إذا ما تكلمنا عن أسباب الأزمة، فسنجد أن هناك عوامل مؤثرة في حصول تلك الأزمة لعل من أهمها، هو الإقراض الذي يتم للأفراد الذين ليس لديهم قدرة مالية على السداد، وهذا النوع من الإقراض يوصف بأنه إقراض عالي المخاطر high risk loan وهذا النوع رغم أننا نعلم أن الإقراض بفائدة يعد مضمون الأرباح من جهة أنه غير قابل أساسا لاحتمال الخسارة، إلا انه بالنظر إلى ملاءة الأفراد ستجد أن هناك احتمالا لعدم القدرة على السداد وهذا وارد حتى في القروض بفائدة.
الأمر الآخر والذي تسبب في الأزمة هو أن أسعار العقار في أمريكا أصبحت تتزايد بشكل مطرد حتى وصلت إلى أسعار مرتفعة وهذا أدى إلى أن وقوع أي أزمة في الملاءة المالية للمقترضين سيسهم بشكل كبير في أن تتولى المصارف حقها في وضع يدها على العقار وبيعه وبالتالي سيسهم في زيادة العرض بشكل كبير في ظل وجود نسبة لا تتناسب معه من الطلب، وهنا كمعادلة اقتصادية سنجد أن العرض سيزيد على الطلب وبالتالي ستضطر المصارف لبيع المنازل بأسعار أقل للحصول على ولو جزء من تلك القروض.
ومن خلال التدقيق في السببين السابقين سنجد أن المصارف الإسلامية اليوم ليست بمنأى عن الوقوع في مثل هذه الأزمة، بل إن نسبة المخاطرة في المصارف الإسلامية أعلى حتى أن بعض الباحثين يرى أن الحكمة وراء عدم جواز الإقراض بفائدة هو انعدام المخاطرة، ولذلك يطالبون بأنه يجب أن يكون أي عقد تتبناه المصارف الإسلامية فيه شيء من المخاطرة.
ولذلك لابد أن يكون من سياسات المصارف الإسلامية مزيد من الاحتياطات في مسألة التمويل وذلك حتى لا تسهم في أزمة تؤثر فيها وعلى المجتمع، ونحن على أعتاب صدور نظام الرهن العقاري في السوق المحلية وهذا سيسهم في دخول المصارف إلى سوق العقار بشكل أكبر، إلا أنه لا بد أن تكون هناك سياسة تضمن ملاءة العميل وقدرته على السداد، وضمان أن أسعار العقار حين الإقراض مبنية على تقييمات صحيحة وتعكس السعر الذي يفترض أن يكون للعقار.
متخصص في المصرفية الإسلامية
E-mail: [email protected]