تجربة من أمريكا الجنوبية: ارتفاع الأسعار نعمة ونقمة للدول الزراعية

تجربة من أمريكا الجنوبية: ارتفاع الأسعار نعمة ونقمة للدول الزراعية

يطلق عليها في بعض الأحيان "الذهب الأخضر" لمنطقة بامباس.. إنها حبوب فول الصويا التي جلبت الرخاء من جديد للريف الأرجنتيني، ولكن صاحب هذا الرخاء جدل بشأن كيفية اقتسام عائد الأسعار العالمية المرتفعة.
وتقع بلدة بيرجامينو وسط بعض أخصب المزارع التجارية ويعزو السكان ظهور مبان شاهقة ومبيعات سيارات قياسية وشوارع صاخبة تعج بسلاسل المتاجر للارتفاع الحالي في أسعار فول الصويا.
ويقول لويس باتاجلينو الوكيل العقاري "عادت البلدة للحياة"، مضيفا أن
أسعار الأراضي الزراعية الممتازة ارتفعت 10 في المائة سنويا منذ عام 2002.
ويبلغ سعر الفدان الآن نحو 37 ألف دولار للفدان، وهو سعر قريب من أسعار الأراضي في الحزام الزراعي في الولايات المتحدة.
وأضاف "يطلقون على هذه المنطقة المثلث الذهبي لمنطقة بامباس. حتى مع هذه الأسعار ليس ثمة أراض معروضة للبيع، لأن الجميع يعتقدون أن أسعار الحبوب ستواصل الارتفاع".
وساعد الطلب القوي على الصادرات الزراعية الأرجنتين، ثالث أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية، على استعادة مجدها السابق كسلة غذاء العالم لتحقق مستويات نمو قريبة مما يتحقق في الصين، وتمتلئ خزائن الدولة بحصيلة الضرائب على صادرات الحبوب.
وفي سهول بامباس الشهيرة يرجع كثيرون الفضل للمزارعين في انتشال البلاد من براثن الأزمة الحادة التي عصفت بها في عامي 2001 و2002 إثر كساد طويل في قطاع الزارعة يرجع جزئيا معادلة البيسو بالدولار، ما جعل الصادرات غالية الثمن.
وقال جورجي سولمي مدير الاتحاد الزراعي، الذي قاد إضرابا للمزارع دام ثلاثة أسابيع في الآونة الأخيرة، احتجاجا على رفع الرسوم على صادرات الفول الصويا "الزراعة هي التي أعادت البلاد إلى الحياة. حين كانت البلاد تنهار كانت جميع الأموال التي تنفق على برامج الرعاية الاجتماعية تأتي من الريف".
غير أن الطفرة الزراعية لم تنجح بعد في خفض معدلات الفقر بنسبة ملحوظة في الدول الكبرى المنتجة للغذاء في المنطقة، وإن حسنت الماليات الحكومية.
وفي البرازيل المجاورة أكبر مورد للفول الصويا في العالم، سمحت عائدات
الصادرات الزراعية بجمع احتياطيات ضخمة من النقد الأجنبي تعد بمثابة وثيقة تأمين وسط التقلبات المالية العالمية.
ويقول يوشياكي ناكانو من جامعة ومؤسسة جيتوليو فارجاس في ساو باولو "استفادت البرازيل بشكل واضح من أسعار السلع الأولية المرتفعة. قبل سنوات قليلة لم تكن البرازيل لتصمد أمام أزمة الائتمان العالمية الحالية على هذا النحو الطيب".
وتشجع الأسعار المرتفعة المزارعين على العودة لأراض هجروها بين عام 2004 و2006، حين أشرف كثيرون على الإفلاس بسبب الجفاف والآفات والارتفاع الحاد في سعر الريال البرازيلي مقابل الدولار.
ولكن السباق نحو التوسع في الزراعة أثار مخاوف بيئية، وبصفة خاصة في
الأمازون. وأظهرت بيانات أخيرة تم جمعها عن طريق الأقمار الصناعية زيادة مساحة الغابات التي قطعت أشجارها بنسبة 13 في المائة، معظمها في أكبر ولاية منتجة للفول الصويا في البرازيل وهي ماتو جروسو.
كما تعاني الدول المنتجة للحبوب ارتفاع تكلفة الغذاء بالنسبة لمشترين
محليين تماشيا مع زيادة الطلب على التصدير. وسعت الحكومات لتهدئة ارتفاع الأسعار بإجراءات ومستويات نجاح متباينة.
وحظرت بعض الدول تصدير المواد الغذائية الأساسية أو فرضت قيودا على الأسعار. في بيرو يجري الترويج لدقيق "طحين/ البطاطا /البطاطس" كبديل للقمح، بينما تشجع الأرجنتين مواطنيها محبي اللحم البقري على تناول لحم الخنزير أو الدواجن لمواجهة ارتفاع أسعار اللحم البقري. واقتصرت جهود مكافحة التضخم في البرازيل على رفع أسعار الفائدة ولكنها لم تكن في مأمن.
ويقول فيرناندا بارزيريس وهو في طريقه لشراء الخبز "هذا غير معقول. ربما أضطر إلى الامتناع عن شراء الخبز بهذه الأسعار".
وارتفعت أسعار الخبز أكثر من 10 في المائة في البرازيل هذا العام، ويرجع ذلك في جزء منه للقيود على التصدير التي فرضتها الأرجنتين.
وإذا كان متسوقون يتحملون عبء ارتفاع أسعار المواد الغذائية فينبغي أن
يحتفل المزارعون. ولكن الانتعاش الزراعي في الأرجنتين تسبب في نزاع مرير بين المزارعين والحكومة منذ ثلاثة أعوام، ورفعت الحكومة الضريبة على صادرات الفول الصويا في الشهر الماضي، ووصفته بأنها خطوة مهمة لتوزيع العائدات على السكان الفقراء في المدينة.
ووصفت الرئيسة كريستينا فيرنانديز الإضراب الأخير ضد زيادة الضرائب بأنه "احتجاجات الوفرة"، مضيفة أن المزارعين يتمتعون بأرباح قياسية بفضل سياسات الحكومة مثل إبقاء سعر البيسو ضعيفا. وكثيرا ما تقارن بين الوضع في بلادها والوضع في البرازيل، حيث أرباح مزارعي الفول الصويا أقل، ويرجع ذلك إلى حد كبير لقوة العملة المحلية مقابل الدولار، ما
يرفع تكلفة الإنتاج، ويقلل العائدات بالمعايير المحلية.
وفي بيرجامينو يشعر المزارعون بالإحباط. ويقول روبرتو كامبي رئيس فرع الجمعية الريفية الأرجنتينية في البلدة "لا أدري ما ذنب الفول الصويا حتى يلقى مثل هذه المعاملة. ويرجع إليه الفضل في انتعاش الاقتصاد الأرجنتيني أو الريف على الأقل".

الأكثر قراءة