ثقافة السياحة وسياحة الثقافة!
حينما يتم الحديث عن هموم السياحة وقضاياها في أي مجلس فإن الحاضرين عادة ما يتناولون قضايا الأسعار والمهرجانات والفنادق وغيرها ليتجاوزوا الهم الأول والأساس في رأيي وهو ثقافة السياحة, ويكفي للتدليل على أهمية هذه الثقافة وسلبيات افتقادها, أن مصطلح السياحة ما زال لدى الكثيرين محصورا في رحلات النزهة والتسوق والمهرجانات الترفيهية, غير مدركين وجود أنماط أخرى من السياحة مثل السياحة الثقافية والبيئية والعلاجية وسياحة الأعمال وغيرها من الأنماط التي تظهر أن السياحة مفهوم أوسع وأشمل مما يظنه الكثيرون.
لقد عانى مجتمعنا كثيرا المفهوم إما الخاطئ وإما المتحفظ على السياحة, إذ ارتبط في أذهان الكثيرين بتلك التصرفات السلبية والتجاوزات التي وسمت النشاط السياحي في الخارج, فصارت السياحة وهذه التصرفات متلازمين في أذهان هؤلاء, وهذا ما دعا الهيئة العليا للسياحة إلى أن تركز في الفترة الماضية على تغيير هذا المفهوم وتطوير الوعي بأهمية النشاط السياحي ومفهومه وفوائده وأبعاده الاجتماعية والاقتصادية والثقافية, وذلك من خلال أنشطتها الإعلامية والإعلانية والثقافية وأنشطتها الأخرى مثل برنامج الثقافة السياحية المدرسية (ابتسم) وبرنامج التوعية السياحية البيئية (لا تترك أثرا) وغيرها, إضافة إلى دعمها ورعايتها المهرجانات وتنظيمها بشكل مدروس جعل جميع فئات المجتمع تتقبل هذه الفعاليات بل تتفاعل معها وتطالب بها, ويشعر المجتمع مع الوقت أن النشاط السياحي ليس ترفا وإنما ضرورة أسرية واجتماعية, ونشاط اقتصادي مهم.
نعود إلى ثقافة السياحة وسياحة الثقافة لنقول إن السياحة الثقافية لا تتحقق إلا بثقافة السياحة, ولذا فإن محدودية ثقافة السياحة لدينا جعلت السياحة الثقافية من الأنماط المحدودة لدى سياحنا سواء في الداخل أو الخارج, فالقليل منا من يحرص على استطلاع ثقافة البلد أو المدينة التي يزورها, ومشاهدة آثارها وموروثها وتراثها, وزيارة متاحفها ومكتباتها, فغالبية سياحنا لا تجدهم إلا في المجمعات التجارية والحدائق والملاهي والمطاعم.
إن السياحة الثقافية تعد من أهم الأنماط السياحية التي يتجاهلها الكثيرون منا رغم أهميتها, فالسياحة ليست استنزافا بقدر ما هي اكتساب للكثير من الخبرات وزيادة في الحصيلة الثقافية والعلمية, عدا الفوائد المتعددة للسياحة العائلية في تعزيز الترابط الأسري والفوائد النفسية والاجتماعية الأخرى.