تقرير: الصادرات الخليجية تخسر من فك الارتباط بالدولار والمستثمرون العالميون يكسبون

تقرير: الصادرات الخليجية تخسر من فك الارتباط بالدولار والمستثمرون العالميون يكسبون

اعتبر تقرير اقتصادي أصدرته "الأهلي كابيتال" – الذراع الاستثمارية للبنك الأهلي – أن فك ارتباط العملات الخليجية بالدولار أو رفع سعر صرفها فيما لوحدث، سيحقق مكاسب لبعض الجهات فيما ستخسر جهات أخرى من هذه الخطوة. وقال التقرير إن من بين الرابحين من اتخاذ خطوة فك الارتباط المستثمرين العالميين، حيث من الممكن أن تنطوي الخطوة على عوامل اجتذاب لرأس المال الأجنبي وإحضاره إلى المنطقة، ما يؤدي إلى ارتفاع الطلب على الموجودات المحلية (بنوعيها المالية والحقيقية).
وفي المقابل, فإن من بين الخاسرين في حال تطبيق هذه الخطوة, البنوك المركزية الخليجية التي ستشهد هبوط قيمة مقتنياتها من الدولار والذهب بدلالة العملات المحلية، وكذلك المستثمرين وصناديق الثروات السيادية والبنوك والمؤسسات المالية والشركات الخليجية التي توجد لديها استثمارات مقومة بالدولار. كما أن الصادرات الخليجية ستقل تنافسيتها (السعرية) في الأسواق الخارجية.

في مايلي مزيداً من التفاصيل:

حدد تقرير استثماري أصدرته "الأهلي كابيتال" المستفيدون من فك الارتباط بين عملات الخليج أو رفع سعر الصرف فيما لو حدث في المستثمرين العالميين حيث من الممكن أن تنطوي على عوامل اجتذاب لرأس المال الأجنبي وإحضاره إلى المنطقة، مما يؤدي إلى ارتفاع الطلب على الموجودات المحلية (بنوعيها المالية والحقيقية). كما يستفيد من الخطوة الشركات التي توجد عليها مطلوبات صافية بالدولار حيث ستصبح قروض الدولار أرخص من قبل عند حسابها بالعملة المحلية، وكذلك الأجانب العاملون في المنطقة بسبب الزيادة في قيمة مدخراتهم ومبالغ التحويلات إلى أوطانهم، وأيضا هوامش شركات الاستيراد الخليجية بالنسبة للصناعات التي يكون الطلب فيها حساساً للغاية أمام الأسعار، إلى جانب الأجهزة التنظيمية في دول المنطقة حيث إنها ستصبح في وضع أفضل من حيث حرية الحركة في مجال السياسة النقدية.
لكن الشركة تقول إن فئة ستخسر في حال تطبيق هذه الخطوة فالبنوك المركزية الخليجية ستشهد هبوط قيمة مقتنياتها من الدولار والذهب بدلالة العملات المحلية، وكذلك المستثمرون وصناديق الثروات السيادية والبنوك والمؤسسات المالية والشركات الخليجية التي توجد لديها استثمارات مقومة بالدولار (بما في ذلك الشركات التابعة والشركات الزميلة التي تضع ميزانياتها بالدولار) حيث ستواجه خسائر لمرة واحدة من فرق الأسعار، كما ستؤدي هذه الخطوة إلى ذهاب الخسائر إلى بيانات الدخل مما ينتج عنه نمو بطيء في الأرباح. كما ستخسر شركات التصدير لأن ذلك سيجعل الصادرات الخليجية أقل تنافسية من المنتجات الأخرى. إلى التفاصيل:

إن ارتباط العملات الخليجية بالدولار، المعمول به منذ عقود، يتعرض الآن بصورة متزايدة لنداءات تطالب بمراجعة الوضع، على اعتبار أن هبوط أسعار الفائدة، والهبوط المستمر في قيمة الدولار الأمريكي مقابل العملات العالمية، وازدياد الرفاهية الاقتصادية المدفوعة بالارتفاع القياسي لأسعار النفط، كل ذلك يُترجَم إلى فيضان من السيولة إلى داخل المنطقة، مما يرفع من معدلات التضخم ويزيد من التحديات التي تواجهها الأجهزة التنظيمية من حيث إدارة السياسة النقدية بكفاءة.
في هذا التقرير نقَيِّم الحجج المهمة بهذا الخصوص, ونعطي رأينا المتمثل في أن التغيرات المهمة في البيئة المتعلقة بالاقتصاد الكلي خلال السنوات الأخيرة عملت على تغيير ثلاثة شروط أساسية لازمة لضمان نجاح الارتباط بالعملات الصعبة:

يجب أن يكون معظم التبادل التجاري مع البلد الذي تنوي الدولة ربط عملتها به
تشير إحصائيات البنك الدولي حول حركة التجارة إلى أن 9.7 في المائة فقط من النشاط التجاري لمنطقة الخليج (أي الواردات والصادرات) في عام 2006 كان مع الولايات المتحدة (15.9 في المائة مع اليابان، و15.3 في المائة مع منطقة اليورو وبريطانيا، و8.0 في المائة مع كوريا، و7.5 في المائة مع الصين وهونج كونج، و3.6 في المائة مع الصين). معنى ذلك أن العملات التي ارتفعت قيمتها مقابل الدولار تمثل ما بين 55 إلى 60 في المائة من واردات منطقة الخليج، في حين أن نسبة الهبوط الاسمي لقيمة الدولار أمام اليورو بلغت 78 في المائة منذ عام 2002، ونحو 40 في المائة مقابل الجنيه الاسترليني والوُن الكوري.

يجب أن يكون هناك تزامن قوي في دورات الأعمال بين البلدان صاحبة العملة المربوطة والبلد صاحب العملة الرابطة

في الوقت الذي تكافح الولايات المتحدة أزمة الانقباض الائتماني، فإن اقتصادات بلدان مجلس التعاون الخليجي تشهد أوضاعاً طيبة للغاية، وحيث تسعى الأجهزة التنظيمية للعثور على سبل تهدف إلى إيقاف الضغوط التضخمية المتصاعدة، الناشئة عن السيولة الميسرة، فقد عمل هذا على وضع فكرة الارتباط بالدولار تحت ضغط متزايد.

يجب أن تكون العملة الرابطة قوية ومحافظة على قيمتها
يُنظَر إلى الضعف الحالي للدولار على أنه أكثر من مجرد شذوذ مؤقت عن السبيل المعتاد. فقد اكتسب هذا الضعف سمة التغير الهيكلي. إن الخطوات المضادة للتضخم التي يتخذها بنك الاحتياطي الفدرالي في الولايات المتحدة، والتنوع العالمي بعيداً عن الدولار، الذي يجري الآن في كثير من البلدان، لن يكون من شأنه إلا إضعاف الدولار أكثر من ذي قبل.

إن ارتباط العملات الخليجية بالدولار (والذي عمل من الناحية التاريخية على تحقيق الاستقرار الكبير في المنطقة) يجد نفسه الآن وجهاً لوجه أمام تحد يأخذ على نحو متزايد، من وجهة نظر أساسية، صورة من يحاول إدخال وتد مربع في حفرة دائرية. إن البنوك المركزية الخليجية تقع على عاتقها الآن مهمة لا تحسد عليها، وهي تنفيذ سياسة نقدية مستقلة في ظل نظام من أسعار الصرف الثابتة على نحو يسمح بالتدفقات النقدية الحرة، وهم ما أصبح يُعرف في الأدبيات الاقتصادية بتعبير "الثالوث المستحيل".

تقديرات حول أسعار الصرف
وضعنا مؤشرات لأسعار الصرف المؤثرة الاسمية والحقيقية (أي المرتبطة بكمية الواردات) بالنسبة لبلدان مجلس التعاون الخليجي، في محاولة للكشف عن المدى الذي عمل فيه ارتباط العملات الخليجية بالدولار على إنقاص قيمتها الفعلية. نستنج من المؤشرات أن جميع العملات الخليجية، باستثناء الدينار الكويتي، هبطت قيمتها عملياً بما يزيد على 37 في المائة بالمعدلات الاسمية منذ عام 2002. وخلال هذه الفترة هبطت قيمة الدولار بنسبة 78 في المائة في مقابل اليورو. من جانب آخر فإن مرونة العملة وما يرتبط بذلك من استقلال نقدي مكنت الكويت من الحد من الهبوط الفعلي للدينار الكويتي بنسبة 23 في المائة فقط. وتشير تقديراتنا إلى أن القيمة الفعلية للريال السعودي والدرهم الإماراتي والريال القطري هبطت بالمعدلات الاسمية بنسبة 40 في المائة و37 في المائة و47 في المائة على الترتيب.

الحل المثالي ..
في رأينا أن أفضل استجابة في مجال السياسة النقدية هي تغيير الارتباط بالدولار إلى سلة عملات. ونؤكد على ضرورة أن يتم هذا التحول على نحو شفاف، بحيث تُعلَن مكونات هذه السلة وأوزان العملات فيها، لكي يتم تجنب ضغوط المضاربات. وفي رأينا أن هذا التحول ينبغي أن يرافقه في الوقت نفسه رفع قيمة العملات لمرة واحدة بنسبة صغيرة (مثل 4 أو 5 في المائة) للتعويض جزئياً عن الخسارة الحادة في قيمة العملات المحلية.
وفي حين أننا نتوقع أن هذا التحول لن يكون له أثر ملموس للوقاية من التضخم على المدى القصير، إلا أنه سيعمل عمل خطوة أولى انتقالية حذرة نحو تحقيق قدر أكبر من المرونة في العملات، وهو شرط مسبق ضروري للقدرة على حرية الحركة في السياسة النقدية. وسيساعد التحول التدريجي المشاركين في السوق على الاستعداد للنظام النهائي ذي التعويم الحر، مهما يبدو بعده اليوم. كما أنه سيُمَكِّن السلطات الخليجية من شحذ المهارات اللازمة لإدارة تقلب العملات ووضع أسعار الفائدة على نحو مستقل. من جانب آخر فإن رفع قيمة العملة بصورة كبيرة ستكون له نتائج عكسية، على اعتبار أنه سيضر بأرصدة الميزانيات وفائض الحساب الجاري، ناهيك عن الخسائر التي ستحل بالمجموعة الكبيرة من الموجودات المقومة بالدولار والتي تم الاستثمار فيها من أموال النفط.
إن التحول إلى نظام معوم أمر لا يُنصَح به في الوقت الحاضر، على اعتبار أن المنطقة تفتقر إلى سوق سندات متطورة تساعد على نقل علامات أسعار الفائدة (وهو شرط مسبق مهم حتى تستطيع السياسة النقدية أداء مهامها بكفاءة في نظام السعر المعوم للعملات).

الشروط المسبقة
من رأينا أن التحول يجب أن يتم بالتنسيق والتزامن بين بلدان المنطقة، لئلا يُدفع مستقبل الاتحاد النقدي الخليجي عن غير قصد إلى منطقة الخطر. بالإضافة إلى ذلك، فإنه لا بد من ضمان الشفافية في نشاطات البنوك المركزية، حتى لا تؤدي عدم معرفة السياسة النقدية من جهة، وتقلبات العملة من جهة أخرى، إلى إعاقة النمو. في البداية، من الممكن أن يعمل الإعلان عن أوزان العملات في سلة العملات على تهدئة جوانب الغموض ويكبح من جماح المضاربات.

من الذي سيستفيد من فك الارتباط أو رفع سعر الصرف؟

إن المخاطرة بارتفاع أسعار صرف العملات الخليجية من جانب واحد تعتبر فرصة للمستثمرين العالميين، ومن الممكن أن تنطوي على عوامل اجتذاب لرأس المال الأجنبي وإحضاره إلى المنطقة، مما يؤدي إلى ارتفاع الطلب على الموجودات المحلية (بنوعيها المالية والحقيقية).
جهود التنويع في الصناعات التي تعتمد بصورة مكثفة على رأس المال، بسبب تدني تكلفة الواردات.
الشركات التي توجد عليها مطلوبات صافية بالدولار، حيث ستصبح قروض الدولار أرخص من قبل عند حسابها بالعملة المحلية.
الأجانب العاملون في المنطقة، بسبب الزيادة في قيمة مدخراتهم ومبالغ التحويلات إلى أوطانهم.
هوامش شركات الاستيراد الخليجية، بالنسبة للصناعات التي يكون الطلب فيها حساساً للغاية أمام الأسعار.
الأجهزة التنظيمية في بلدان المنطقة، حيث أنها ستصبح في وضع أفضل من حيث حرية الحركة في مجال السياسة النقدية.

المخاوف الرئيسية
عمدت السلطات إلى دفع أسعار الفائدة على الودائع إلى الأسفل، للحد من التدفقات الداخلة من أموال المضاربات على أسعار العملات. إن النقطة التي تعتبر مصدر القلق في هذا المقام هي تحرك أسعار الفائدة بقدر أكبر من ذي قبل نحو منطقة الأرقام السالبة.
تفويت الفرصة: في حالة حدوث هبوط اقتصادي عالمي وهبوط أسعار النفط، فإن الفائض في ميزانيات بلدان الخليج سيتقلص. وبالتالي فإن فواتير الأجور المتصاعدة، إلى جانب مبالغ الدعم الحكومي التي ساعدت حتى الآن على دفع غائلة التضخم، سيصبح من الصعب إبقاؤها بصورة دائمة. في هذه الحالة سيُستفاد من مرونة أسعار صرف العملات، التي ستكون في وقتها حينئذ.

الخاسرون الرئيسيون
ستشهد البنوك المركزية الخليجية هبوط قيمة مقتنياتها من الدولار والذهب بدلالة العملات المحلية.
المستثمرون، وصناديق الثروات السيادية، والبنوك والمؤسسات المالية، والشركات الخليجية التي توجد لديها استثمارات مقومة بالدولار (بما في ذلك الشركات التابعة والشركات الزميلة التي تضع ميزانياتها بالدولار)، ستواجه خسائر لمرة واحدة من فرق الأسعار.
ستذهب الخسائر إلى بيانات الدخل، مما ينتج عنه نمو بطيء في الأرباح.
شركات التصدير، لأن ذلك سيجعل الصادرات الخليجية أقل تنافسية من المنتجات الأخرى.

نظام العملات الخليجية في الوقت الحاضر يتعرض للضغط

إن ارتفاع أسعار النفط إلى أربعة أضعاف الأسعار التي كانت سائدة منذ عام 2002، والجهود الرامية إلى تنويع موارد الدخل، مكنت منطقة الخليج من التمتع بنمو لم يسبق له مثيل، حيث بلغت نسبة النمو السنوي المركب في الناتج المحلي الإجمال الاسمي 12.8 في المائة بين عام 2005 وعام 2008 (حسب التقديرات، وذلك وفقاً لتوقعات صندوق النقد الدولي). كان من شأن ذلك تمكين المنطقة من فصل اقتصادها عن الآثار الاقتصادية للولايات المتحدة، التي تُظهر علامات متزايدة على الكساد الاقتصادي.
لكن الارتباط بالدولار الأمريكي الذي تحتفظ به بلدان المنطقة يجعل الفصل الاقتصادي غير مكتمل. فجميع بلدان المنطقة، باستثناء الكويت، تربط عملاتها بصورة قوية بالدولار منذ عقدين من الزمن، مما ساعد على تقليص عوامل التقلب في إيرادات الصادرات (التي تتألف في معظمها من الصادرات النفطية المقومة بالدولار)، بسبب تقلب أسعار النفط. بالإضافة إلى ذلك عمل الارتباط بالدولار على ضمان استقرار الظروف المالية، الذي تحتاج إليه المنطقة بصورة ماسة، والذي يفضله المستوردون والمستثمرون.
إن الهبوط المتواصل للدولار في مقابل جميع العملات الرئيسية، وكذلك السياسة التي يتبعها البنك المركزي الأمريكي في تيسير أسعار الفائدة لوقف الكساد الاقتصادي، كل ذلك عمل على وضع الارتباط بالدولار تحت ضغوط متزايدة. وفي الوقت الذي تكافح فيه الولايات المتحدة للخروج من الانقباض الائتماني، فإن اقتصادات بلدان الخليج تشهد أوضاعاً طيبة بصورة كبيرة، وحيث تبحث الأجهزة التنظيمية عن سبل للحد من الضغوط التضخمية المدفوعة بالسيولة الميسرة. وهذا الأمر يناقض أحد الشروط المسبقة الأساسية للمحافظة على ارتباط العملات، وهو التزامن في دورات الأعمال.
وهكذا فإن البنوك المركزية الخليجية تقع على عاتقها الآن مهمة لا تحسد عليها، وهي تنفيذ سياسة نقدية مستقلة في ظل نظام من أسعار الصرف الثابتة على نحو يسمح بالتدفقات النقدية الحرة، وهم ما أصبح يُعرف في الأدبيات الاقتصادية بتعبير "الثالوث المستحيل". إن السياسة النقدية في نظام من هذا القبيل لا تعدو كونها إدارة السيولة، بهدف حماية الارتباط. تتدخل البنوك المركزية في أسواق العملات، حيث تشتري فائض الدولارات المتدفقة في الوقت الذي يتوقع فيه المشاركون في السوق ارتفاع أسعار صرف العملات المحلية. ثم يتم بعد ذلك تعقيم الزيادة الناتجة في عرض النقود باستخدام عدد من الأدوات المالية في أسواق الدين. لاحظ أنه يمكن للتدخل على نحو مغاير للتعقيم أن يتسبب في ارتفاع معدلات التضخم. وخلال الأشهر الأخيرة شهد العرض ن2 (عرض النقود باستثناء الأرصدة الحكومية) شهد ارتفاعاً حاداً، ما يُعَدُّ علامة على الزيادات الحادة في السيولة بسبب الارتفاع القياسي لأسعار النفط وهبوط أسعار الفائدة في المنطقة (الذي هو الصورة المقابلة للهبوط في أسعار الفائدة الأمريكية مع توجه بنك الاحتياطي الفدرالي لتيسير السيولة والتوقي من الكساد المقبل).
وفي حالة المملكة العربية السعودية، فإن الهبوط الحاد في أسعار الفائدة الأمريكية منذ أواخر عام 2007 أدى إلى تخفيض الفائدة على الودائع، وأدى هذا إلى إشعال فتيل الارتفاع الكبير في السيولة إلى أعلى مستوياته منذ عقد من الزمن. وللمرة الأولى منذ عقد من الزمن يكون العائد على ودائع الريال السعودي أدنى من معدل ليبور (سعر الفائدة الذي تتقاضاه البنوك الدولية فيما بينها على القروض الكبيرة) لودائع الثلاثة أشهر.

العملات الخليجية: الشركاء التجاريون والدولار المتراجع

إن نظام سعر الصرف الثابت يتعرض منذ بضعة أشهر لضغوط متزايدة، بسبب هبوط الدولار أمام العملات العالمية الرئيسية، حيث هبط بنسبة 23 في المائة في مقابل اليورو و11 في المائة في مقابل الجنيه الاسترليني، منذ بداية عام 2006. وخلال الفترة نفسها هبط الدولار بمعدل 21 في المائة في مقابل البات التايلندي و13 في المائة في مقابل الرنميبي الصيني (الذي تم فك ارتباطه في عام 2005). لاحظ أن العملات التي ارتفعت قيمتها في مقابل الدولار تشكل في الوقت الحالي ما بين 55 في المائة إلى 60 في المائة تقريباً من واردات المنطقة. وتشير تقديراتنا إلى أن جميع العملات الخليجية، باستثناء الدينار الكويتي، خسرت من قيمتها الفعلية بنسبة تزيد على 37 في المائة بالمعدلات الاسمية منذ عام 2002.
إن الهبوط الفعلي في قيمة العملات الخليجية مسؤول إلى حد ما عن ارتفاع التضخم. بالإضافة إلى ذلك، فإن تدفق الأجانب وما ينتج عن ذلك من طلب على العقار دفع بالإيجارات وأسعار الممتلكات إلى الأعلى في جميع أنحاء المنطقة. وإلى جانب الضغوط على الطلب، فإن ارتفاع تكاليف الإنشاءات ساهم كذلك في زيادة الإيجارات. بلغ متوسط التضخم لعام 2007 (مقيساً خلال الفترة نفسها من سنة لسنة) 4.2 في المائة في المملكة العربية السعودية، و13.8 في المائة في قطر، و5 في المائة في الكويت. ومما له دلالته أن صندوق النقد الدولي في تقرير حديث رفع توقعاته حول معدلات التضخم في منطقة الخليج لعام 2008 من 6 في المائة إلى 7 في المائة.

حلول ممكنة
يبين القسم التالي الجوانب البارزة في ثلاثة مسارات محتملة من الإجراءات الرسمية (ويمكن تطوير سيناريوهات بديلة عن طريق الجمع بين هذه المسارات). نقدم للمستثمرين تقييماً موضوعياً للمضامين المحتملة التي تنطوي عليها هذه السيناريوهات الثلاثة. نبين كذلك الجهات التي يمكن أن تكون مستفيدة والجهات التي يمكن أن تتضرر، وإمكانية إتباع هذه البدائل.

السيناريو الأول: بقاء الوضع على حاله

الجوانب الإيجابية
المحافظة على الاستقرار الاقتصادي في وجه تقلب أسعار النفط.
استقرار سعر الصرف كشرط مسبق للاتحاد النقدي المقترح.
بالنظر إلى أن المنطقة تحصل على قسم لا يستهان به من مواردها من الصادرات المقومة بالدولار، فإن بقاء الوضع على حاله لن يؤثر في الإيرادات المتحصلة من الصادرات من حيث قيمتها بالعملات المحلية.

الجوانب السلبية
اضطرار البنوك المركزية الخليجية إلى إجراء المزيد من التخفيضات في أسعار الفائدة (تمشياً مع السياسات التوسعية للبنك المركزي الأمريكي)، مما يؤدي إلى قدر من السيولة أعلى حتى من ذي قبل، رغم المخاوف بحدوث تسارع اقتصادي في الأسواق الإقليمية.
بقاء الارتباط مع الدولار الضعيف ربما يتبين أن له نتائج عكسية في الوقت الذي يعمل فيه العالم على التنويع بعيداً عن الدولار.

المستفيدون
مخاطر عملات غير متناظرة بالنسبة للمستثمرين، على اعتبار أن العملات المحلية لا سبيل أمامها إلا ارتفاع قيمتها.
المستثمرون في الموجودات المقومة بالدولار سيكون لديهم وقت لتنويع محافظهم.
استمرار الارتباط يقلص المخاطر المرتبطة بالعملات بالنسبة للشركات والمستثمرين.
الاقتصاد الأمريكي – استمرار الارتباط يؤدي إلى الطلب على الدولار الأمريكي في المنطقة، مما يدعم قيمة الدولار.

المتضررون
أصحاب المضاربات الذين يراهنون على رفع سعر العملة.
الشركات التي تتعرض هوامشها لضغوط بسبب الارتفاع المتزايد لتكاليف الاستيراد.
المستهلكون، على اعتبار أن التكاليف المرتفعة للواردات ستُحَمَّل عليهم على شكل ارتفاع في تكاليف المعيشة وتدني المدخرات في عملاتهم المحلية
الشركات التي لديها خطط للإنفاق الرأسمالي والتي تحتاج إلى استيراد بضائع إنتاجية بعملات غير الدولار.

إمكانية حدوث هذا السيناريو
إن التاريخ الطويل والمستقر لعلاقة الارتباط، إلى جانب الضغوط على صانعي السياسة تؤدي إلى مقاومة احتمال رفع قيمة العملة. ولكن حين لا يبقى لدى الحكومات إجراءات أخرى، إلى جانب الدولار المتراجع، فإن إمكانية اتخاذ إجراء من هذا القبيل سوف تزداد.

السيناريو الثاني: رفع قيمة العملة لمرة واحدة: الجوانب الإيجابية
إذا كان مقدار الرفع معقولاً، فإن هذا الإجراء ربما يعمل على تقليص أسعار البضائع المستوردة، وإن كنا لا نتوقع أن ينشأ عن ذلك مساهمة معقولة في تخفيض التضخم على المدى القصير (بالنظر إلى أن التضخم هو علامة على معدل التغير على مدى السنة الماضية).
استرضاء الناس بسبب الجهود التي تقوم بها الحكومات لتقليص الزيادات الحادة في تكاليف المعيشة.
التطبيق المتواصل يمكن أن يكون عملياً بالنسبة للشركات (باعتباره مختلفاً عن العملة الديناميكية).

الجوانب السلبية
إذا كان رفع سعر صرف العملة صغير الحجم نسبياً فإن ذلك سيكون مكافأة للمضاربين الذين توقعوا ارتفاع سعر العملة، دون أن يكون لذلك أثر فعلي على التضخم.
الإجراء يخفق في تأمين أساس للاستقلال النقدي.
ستهبط قيمة الموجودات المقومة بالدولار، وستتقلص النفقات الضريبية
يخلق أساساً تقوم عليه الحالات المقبلة من رفع قيمة العملة، مما يؤدي إلى دخول قدر أكبر من التدفقات الرأسمالية (من المضاربات)، وبالتالي إحداث المزيد من التدهور في وضع السيولة.

المستفيدون
الشركات الخليجية التي لا توجد لديها كميات كافية من الدولار الأمريكي (أي الشركات المدينة بمبالغ مقومة بالدولار) ستتمتع بقدر أقل من خدمة الدين والمبالغ واجبة التسديد عند حساب هذه المبالغ بالعملة المحلية.
تحقيق مكاسب في العملة (عند قياسها بالدولار الأمريكي) في الاستثمارات في موجودات خليجية من قبل مستثمرين من خارج المنطقة.
الأجانب الموجودون في المنطقة سيشهدون زيادة في قيمة مدخراتهم وتحويلاتهم إلى بلدانهم.
المستوردون من منطقة الخليج (خصوصاً بالنسبة للصناعات التي يتسم الطلب عليها بمرونة سعرية).

الخاسرون
ستشهد البنوك المركزية الخليجية هبوط قيمة مقتنياتها من الدولار بدلالة العملات المحلية.
المستثمرون، وصناديق الثروات السيادية، والبنوك والمؤسسات المالية، والشركات الخليجية صاحبة الاستثمارات في موجودات مقومة بالدولار (بما في ذلك الشركات التابعة والشركات الزميلة التي تضع ميزانياتها بالدولار)، ستواجه خسائر لمرة واحدة من فرق الأسعار.
شركات التصدير ستتضرر لمرة واحدة، لأن ذلك سيجعل الصادرات الخليجية بالدولار أغلى من السلع الأخرى.

إمكانية حدوث هذا السيناريو
بالنظر إلى الضغوط السياسية فإن من المحتمل أن يكون هذا السيناريو هو الإجراء المرجح. إننا نشجع بقوة بدلاً من ذلك الارتباط بسلة عملات (على اعتبار أن هذا الحل البديل، أي رفع قيمة العملة مرة واحدة، ينشئ أرضية للمضاربات، كما أن التدفقات الرأسمالية الناجمة عن هذه المضاربات ستؤدي إلى تعقد مشكلة السيولة على نحو أكبر من ذي قبل)

السيناريو الثالث: التغيير إلى سلة عملات: الجوانب الإيجابية

سيؤمن استقلالاً ضرورياً للبنوك المركزية في وضع أسعار الفائدة على نحو أكثر ملاءمة للمنطقة.
سيساعد في تدريب المشاركين في السوق ويساعد السلطات النقدية في الاستعداد للتعامل مع الجوانب الدقيقة في صنع السياسة النقدية في الوقت الذي يقترب فيه البنك المركزي الخليجي من أن يصبح حقيقة واقعة.
سيتطلب الشفافية من حيث العملات المكوِّنة للسلة وأوزانها النسبية، وأساس إعادة التوازن.
سيُمَكِّن المنطقة من الاستفادة من قوة الدولار على المدى الطويل حين تنتهي الأزمة الائتمانية وينتهي التراجع الاقتصادي الأمريكي، وذلك بخلق فرص لقيمة بالنسبة للمستثمرين العالميين في الموجودات الأمريكية (الحقيقية والمالية).

الجوانب السلبية
ربما يعمل على تهديد خطط الاتحاد النقدي إذا اتخذت البلدان إجراءات أحادية الجانب.
سيكون من المحتوم أن يكون للدولار وزن أعلى في السلة.
التطبيق المتواصل سيضيف طبقة أخرى من المخاطر والمتطلبات التشغيلية إلى منطقة تعودت وتكيفت مع ارتباط ثابت مع الدولار لفترة تزيد على العقدين.

المستفيدون (إلى جانب المستفيدين من رفع قيمة العملة لمرة واحدة)
الحاجة المتزايدة لأدوات تحوط نقدية ستؤمن الطلب على منتجات ذات علاقة بذلك.
سيكون للأجهزة التنظيمية في بلدان الخليج قدر أكبر من حرية الحركة من حيث السياسة النقدية.

المتضررون (إلى جانب المتضررين من رفع قيمة العملة لمرة واحدة)
الاقتصاد الأمريكي – استمرار الارتباط بالدولار يؤدي إلى الطلب على الدولار في المنطقة، مما يدعم من قيمة الدولار.

إمكانية حدوث هذا السيناريو
رغم أن هذا الحل هو أكثر الحلول عملية، إلا أنه غير مناسب تماماً من الناحية السياسية. وقد شكَّل قرار الكويت بربط الدينار بسلة عملات، شكَّل سابقة مفيدة، ونأمل أن تحذو قطر ودولة الإمارات العربية المتحدة حذو الكويت (من المرجح أن قطر والإمارات ستكونان من أقوى البلدان احتمالاً للبدء من تلقاء نفسها بتغيير في ارتباط العملة).
ما الحل؟

الحل هو تغيير الارتباط إلى سلة عملات مع رفع قيمة العملة بنسبة بسيطة لمرة واحدة. إن الجدال الدائر حالياً حول استمرار أو عدم استمرار البلدان الخليجية بالإبقاء على ارتباط عملاتها بالدولار (الذي مضى عليه أكثر من عقدين من الزمان)، هذا الجدال تمخض عن نتيجة مشتركة، وهي أن الاقتصاديين (من وجهة نظر أساسية) متفقون على أنه ينبغي للمنطقة أن تتحرك باتجاه تحرير أسعار صرف عملاتها في مرحلة معينة في المستقبل. ولكن يظل هناك عدم اتفاق حول الوقت الذي يكون فيه هذا التحول مناسباً من الناحية السياسية وحول النظام البديل الذي ينبغي إتباعه. من رأينا أنه بما أن فائض المالية العامة في عام 2006 بلغ 22 في المائة وفائض الحساب الجاري بلغ 26 في المائة، وحيث إن الاحتياطي الرسمي من العملات الأجنبية يتمتع بمستويات مريحة، فإن المنطقة في وضع مناسب لإجراء تغيير في نظام صرف عملاتها.
من رأينا أن الإجراء المناسب في هذا المقام بالنسبة لبلدان منطقة الخليج هو ربط عملاتها بسلة عملات يكون للدولار النصيب الأكبر فيها، وأن ترفع من سعر صرف عملاتها بصفة مبدئية بنسبة بسيطة (في حدود 4 أو 5 في المائة مثلاً). وسيكون من غير العملي على المدى الطويل التحول إلى نظام لصرف العملات معوم تعويماً كاملاً أو تعويماً يتسم بتدخل البنوك المركزية من حين لآخر طالما يستمر القدر الأكبر من الإيرادات الحكومية من المواد الهيدروكربونية. إلى جانب ذلك فإن مديونية الشركات والمستهلكين، إلى جانب أن وجود سوق سندات متطورة تساعد في نقل علامات أسعار الفائدة، هي متطلبات سابقة مهمة حتى تستطيع السياسة النقدية أداء دورها بكفاءة في ظل نظام معوم لأسعار صرف العملات. وفي الوقت نفسه فإن الاستمرار في الارتباط بالدولار يمكن أن يقوض الاستقلال النقدي، وهو أمر مهم تماماً في تحديد أسعار الفائدة وكبح جماح الانفجار الائتماني حين يكون الاقتصاد في حالة تسارع.

سلة عملات
إن ربط العملات الخليجية بسلة عملات يكون للدولار النصيب الأكبر فيها لن يعمل بصورة كبيرة على تخفيض التضخم على المدى الطويل. إننا ننظر إلى هذا الإجراء على أنه إجراء انتقالي مفيد كخطوة أولى، وهو ما سيؤمن قدراً من حرية الحركة للبنوك المركزية. وفي الوقت الذي يفتح فيه التنويع الصناعي قنوات بديلة لتوليد الدخل، وتنشأ سوق رأسمالية عاملة بصورة جيدة تقوم بإعطاء آليات نقل لعلامات السياسة النقدية، فإن بإمكان البلدان الخليجية أن تتبنى بصورة تدريجية نظاماً يقوم على التعويم مع تدخل البنوك المركزية من حين لآخر. ويمكن للمرونة الناتجة في أسعار الصرف أن تُستخدَم كذلك لتخفيض قيمة العملة في المستقبل، إذا أريدَ أن تصبح الصادرات غير النفطية أكثر تنافسية من حيث الأسعار.
من جانب آخر فإننا لا ننصح برفع قيمة العملة بنسبة كبيرة، على اعتبار أن هذا الإجراء سيقلص بشكل كبير الفائض في الميزانية العامة وفي الحساب الجاري، وسيؤدي إلى صدمة مالية عامة. ورغم المحاولات الرامية إلى تنويع الموجودات بعيداً عن الدولار، فإن قسماً كبيراً من العوائد النفطية لا تزال موجودة في أصول مقومة بالدولار، مما يعني أن قيمتها يمكن أن تتأثر على نحو سلبي في تلك الحالة.
ينبغي على السلطات النقدية أن تقوم بمحاولات أكبر لتحسين الشفافية في نشاطاتها، خصوصاً في الكشف للجمهور عن الأوزان النسبية للعملات في أية سلة عملات محتملة. وسيكون من شأن هذا تقليص جوانب الغموض في السياسة النقدية وتقليص تقلب العملات (وكلاهما يمكن أن يكون لهما أثر سلبي ضار على النمو الاقتصادي على المدى الطويل). إن التحول التدريجي سيساعد أيضاً في تثقيف المشاركين في السوق وإعدادهم للتحول النهائي لنظام العملات المعوم جزئياً أو تعويماً كاملاً، مهما كان يبدو بعيداً في أعيننا في الوقت الحاضر.

ما العوامل التي تدفع بالضغوط التضخمية إلى الأعلى؟

في القسم التالي سنحاول تحديد العوامل التي دفعت إلى الأعلى بأسعار المواد الاستهلاكية في الفترة الأخيرة، وذلك من خلال تحليل الإسهام النسبي للسلع والخدمات. ارتفعت أسعار المواد الغذائية والإيجارات والمواصلات والاتصالات في منطقة الخليج، رغم أن إسهاماتها النسبية في التضخم تختلف من بلد لآخر.
تشكل المواد الغذائية 26 في المائة من سلة مؤشر الأسعار الاستهلاكية في المملكة العربية السعودية و36 في المائة في الكويت، في حين أنها تشكل 15 في المائة من السلة في قطر و21 في المائة في دولة الإمارات العربية المتحدة. كذلك فإن أسعار المواد الغذائية التي ساهمت في نصف التضخم تقريباً في المملكة والكويت في عام 2006 لا تزال تواصل الضغط في عام 2007 كذلك. إلا أن إسهامها في التضخم في دولة الإمارات وقطر ضعُفَ نسبياً. جدير بالذكر أن أسعار المواد الغذائية تشهد ارتفاعاً حاداً منذ فترة بسبب تغير الأنماط الاستهلاكية، وتحويل بعض المحاصيل للاستخدام في إنتاج الوقود الحيوي، وما إلى ذلك. وفي عام 2006 ارتفع مؤشر منظمة الأغذية والزراعة (التابعة للأمم المتحدة) بنسبة 9 في المائة، وارتفع بنسبة 23.6 في المائة في عام 2007. وبحلول شهر كانون الثاني (يناير) من عام 2008 ارتفع مؤشر المنظمة بنسبة تزيد على 47 في المائة عما كان عليه في الوقت نفسه من العام. وستدفع منطقة الخليج أسعاراً أعلى حتى من ذلك بالقدر الذي تستورد فيه المواد الغذائية المقومة بالعملات ذات القيمة المرتفعة في مقابل الدولار.
أما مؤشر الإيجارات وأسعار الوقود، والتي تعتبر المصدر الرئيسي للتضخم في دولة الإمارات وقطر خلال السنوات القليلة الماضية، فقد ساهم بصورة كبيرة في التضخم في السعودية في عام 2007، رغم وزنه الصغير نسبياً والبالغ 18 في المائة في سلة مؤشر الأسعار الاستهلاكية. على سبيل المثال فإن أحدث التقديرات المبدئية حول التضخم لشهر شباط (فبراير) 2008 في المملكة تشير إلى زيادة قدرها 18 في المائة في الإيجارات. ويمكن أن يُعزى الارتفاع في الإيجارات إلى ارتفاع تكاليف الإنشاءات، الناشئ عن ارتفاع أسعار مواد البناء، التي تُستورَد بكميات كبيرة.
تشكل المواصلات والاتصالات نحو 16 في المائة من مؤشر الأسعار الاستهلاكية في جميع أنحاء منطقة الخليج. ولكن إسهامها يختلف من بلد إلى آخر. ففي حين أن أسعارها اشتدت في دولة الإمارات والكويت، إلا أن إسهامها في مؤشر التضخم العام في المملكة كان سلبياً. الأمر المثير للاهتمام هو أن أسعار الملابس والأحذية ساهمت بصورة لا بأس بها في التضخم في قطر في السنة الماضية.
إن ما يخفي الطبيعة الحقيقية للتضخم المستورد في منطقة الخليج إلى حد ما هو مبالغ الدعم الحكومي والضوابط التي تفرضها الحكومة على أسعار كثير من السلع الأساسية. ففي شهر أيار (مايو) 2006، في الوقت الذي كانت أسعار النفط العالمية في حالة تصاعد كبير، خفضت الحكومة السعودية أسعار البنزين بنسبة 30 في المائة داخل المملكة. وفي الفترة الأخيرة أعلنت الحكومة عن تقديم الدعم للرز وحليب الأطفال المستورد.
وقد أعربت الغرف التجارية السعودية عن معارضتها لاستخدام أسعار متدنية موحدة، واقترحت أن يقتصر تقديم مبالغ الدعم الحكومي إلى المجموعات ذات الدخل المتدني فقط. كذلك فإن حكومة دولة الإمارات وضعت هي أيضاً سقفاً لأسعار بعض المواد الأساسية مثل زيت الطبخ والحليب والخبز.
يلاحَظ أن التضخم المتزايد يأخذ أشكالاً من الضغط الاجتماعي والتقلقل العمالي، خصوصاً بين جماعات العاملين الوافدين، حيث إن الأجور لم تسِر جنباً إلى جنب مع ارتفاع الأسعار. وقد أعلنت دولة الإمارات منذ فترة عن زيادة مقدارها 70 في المائة في رواتب القطاع العام. كما أعلنت بعض الشركات الخاصة الكبرى في السعودية، مثل أرامكو وموبايلي، عن زيادات في الأجور تراوح بين 15 و40 في المائة، ومن المتوقع أن تحذو الحكومة حذوها قريباً. وفي الفترة الأخيرة وضع البرلمان الكويتي مسودة مشروع قانون يحث الحكومة على رفع رواتب موظفي القطاعين العام والخاص للموظفين الذين تقل رواتبهم عن 1750 ديناراً كويتياً (6385 دولاراً). ووافقت البحرين على زيادة مقدارها 15 في المائة في رواتب موظفي القطاع العام. وآخر دولة على القائمة هي قطر، الذي عدلت في الفترة الأخيرة قانون الخدمات المدنية لتسهيل زيادة الرواتب لموظفي الحكومة.

هل ستهدد مرونة أسعار العملات خططَ الاتحاد النقدي؟
كان استقرار أسعار صرف العملات من المعايير الداعية إلى التقارب في معاهدة ماستريخت، التي جرى الاستفتاء عليها في سبيل الدخول إلى الاتحاد النقدي الأوروبي. في البداية تم ربط جميع عملات منطقة اليورو بالمارك الألماني لمدة عامين ثم ربطت بعد ذلك باليورو. ورغم حرية التدفقات النقدية، فإن بلدان مجلس التعاون الخليجي حافظت على استقرار مذهل في سعر الصرف الاسمي، وهو استقرار استطاع تحمل التقلبات الكبيرة في أسعار النفط، وأزمات الأسواق الناشئة التي كان لها آثار عالمية بعيدة المدى، بل وحتى أنها تسببت في بعض الحروب. إن السمات الحيوية التي ساعدت على الاحتفاظ بهذا الاستقرار هي سيطرة النفط على عموم المنطقة، والالتزام الموثوق بالارتباط، وتكديس الاحتياطي من العملات الأجنبية. وفي المستقبل فإن التغيرات الهيكلية في اقتصادات البلدان ستعمل على نحو مستمر على خلق أهداف بديلة لسياسة أسعار الصرف، كما أن التدني النسبي لأسعار العملات الخليجية سيقوض صدقية الارتباط بالدولار.
كذلك وُضِعت مجموعة كبيرة من المعايير النقدية ومعايير المالية العامة، التي كانت تهدف إلى تقليل احتمالية وشدة الصدمات غير المتناظرة، بهدف إعداد الاقتصادات للاتحاد النقدي الأوروبي وكان يُنتظَر من البلدان ما يلي
أ) تخفيض أسعار الفائدة إلى ما دون متوسط أدنى الأسعار في ثلاثة بلدان زائداً 2 في المائة.
ب) تخفيض معدل التضخم إلى ما دون متوسط الاتحاد الأوروبي لأدنى ثلاثة بلدان زائداً 1.5 في المائة.
ج) تقليص عجز الميزانية إلى ما دون 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلد.
د) تقليص الدين العام إلى ما دون 60 في المائة من الناتج المحلي.
هـ) ضمان احتياطي من العملات يكفي لأكثر من أربعة أشهر من الصادرات.
إن الحد الأدنى الذي وُضِع للتقارب بين بلدان الاتحاد الأوروبي ليس بالضرورة معقولاً أو منطقياً بالنسبة لبلدان مجلس التعاون الخليجي. ففي غياب مجموعة متناسقة من معايير التقارب المتبادل في منطقة الخليج فإننا نستخدم المعايير الذي وُضِعت للاتحاد الأوروبي لتكون مقياساً نحكم به على الموضوع الذي توجد فيه منطقة الخليج الآن استعداداً للاتحاد النقدي. لاحظ أن الإيرادات النفطية العالية ضمنت أن بلدان المنطقة حققت المعايير المتعلقة بمتانة المالية العامة. ولكن المنطقة تتعثر في الجانب النقدي، خصوصاً في الأمر المتعلق بالتضخم.
وفي السياق الحالي، وباستثناء تقليص التضخم المستورد، فإن مرونة أسعار الصرف يمكن كذلك أن تؤمن الاستقلال النقدي، وهو أمر مهم للغاية في كبح جماح التضخم الناجم عن الإفراط في الطلب. إن حرية التصرف في وضع أسعار الفائدة ستُمكِّن البنوك المركزية من الحد من التوسع الائتماني ومن التسارع الاقتصادي إلى الحد الذي تستطيع البنوك فيه ضبط مسار الأموال القابلة للاستثمار.
وكما اقترحنا آنفاً، فإن ربط العملات الخليجية بسلة عملات، وإعطاء وزن نسبي كبير للدولار، يمكن أن يكون خطوة انتقالية أولى تتسم بالحذر، في سبيل تحقيق نظام لصرف العملات أكثر مرونة في مرحلة معينة في المستقبل. وعلى النقيض مما يجادل به كثيرون، فإن عنصر مرونة العملات يتيح المجال لارتفاع أسعار صرف العملات على نحو منظم، هذا العنصر لا يستدعي تهديد مستقبل الاتحاد النقدي. والواقع أنه يمكن حتى أن يسَرِّع في عملية التقارب.

تقدير أثر رفع قيمة العملة على الأسعار والتضخم
المملكة العربية السعودية (بيانات تكاليف المعيشة متوفر حتى 31 كانون الثاني (يناير) 2008).
نشرح في هذا القسم وجهة نظرنا بأن إدخال رفع بسيط في قيمة العملة لن يكون له أثر ملموس في التضخم على المدى القصير (رغم أنه على المدى الطويل سيؤدي إلى الحد من معدل التضخم). لاحظ أن التضخم هو مشتق من الدرجة الأولى (أي أنه يقيس معدل التغير في مستويات الأسعار في الاقتصاد). وبالتالي فإن تباطؤ التضخم لا يعني بالضرورة هبوط الأسعار.
نقدم في ما يلي أنموذجاً تبسيطياً يبين كيف أن التضخم يرجح له أن يتصرف بموجب ثلاثة سيناريوهات في المملكة العربية السعودية. لاحظ أننا لا نقدم توقعات، وإنما المقصود بهذا العرض توضيح قناعتنا بأن الرفع البسيط لقيمة العملة لن يكون فعالاً في تقليص التضخم على المدى القصير.

الافتراضات
نقدم فيما يلي ثلاثة سيناريوهات محتملة تفترض تساوي جميع الأخرى (مثلاً أن لا يكون هناك إعلان عن مبادرات إضافية من الحكومة للحد من التضخم).
السيناريو الأول: تظل مستويات الأسعار المطلقة على حالها خلال الشهور الـ 12 المقبلة، أي أنه لن يكون هناك تغيير في مستويات الأسعار عبر المكونات العريضة الثمانية الداخلة في مؤشر تكاليف المعيشة. وهذا الموضع مستبعد تماماً.
السيناريو الثاني: نضع مستويات الأسعار خلال الشهور الـ 12 المقبلة في كل فئة من الفئات العريضة، ونفترض زيادة (أو نقصان، حسب الحالة)، تمشيا مع متوسط الارتفاع الناجم عن التضخم للفئات المذكورة خلال الـ 12 شهراً المقبلة. وهذا سيناريو محتمل، ويفترض أنه لن يتم رفع قيمة الريال السعودي, وأنه لن تكون هناك مبادرات حكومية إضافية للحد من التضخم.
السيناريو الثالث: يشتمل على الجمع بين عاملين كما نبين أدناه، وهذا يعتبر أفضل السيناريوهات التي نقدمها.
نفترض الرفع الافتراضي للريال بنسبة 5 في المائة في شهر نيسان (أبريل) 2008 (للأغراض التوضيحية). نفترض كذلك أن 100 في المائة من الهبوط في الأسعار سيمتد إلى أسعار التجزئة في ثلاث فئات من الفئات الثماني (وهي المواد الغذائية والمشروبات؛ والأقمشة الملابس والأحذية، والأثاث المنزلي)، حيث تهبط أسعار كل منها بنسبة 5 في المائة في شهر نيسان (أبريل) 2008. أما الفئات الخمس الأخرى فلا يرجح لها أن تتأثر برفع قيمة الريال، على اعتبار أنها إما أنها قائمة على الخدمات أو مدفوعة بالتسعير المحلي. هذا الوضع غير واقعي بالنظر إلى أنه ليست جميع الواردات غير مقومة بالدولار (وبالتالي فإن هذا التصور هو أفضل سيناريو).

الأكثر قراءة