بين الشمال والجنوب!
تراودني فكرة تغيير مشاهداتي التلفزيونية بين موسم وآخر، وأفضّل تلك البرامج التي تفتح أمامي عوالم أخرى أو تعرّفني على أحداث واهتمامات لم أعرف تفاصيلها من قبل.
هذا الشهر وقع الاختيار على برنامج (بين الشمال والجنوب) وهو برنامج حواريّ تبثه القناة الثالثة لتلفزيون الجزائر بالتعاون مع القناة الألمانية الشهيرة DW-TV. تتلخص فكرة هذا البرنامج كما يعلن اسمه بصراحة في طرح مشكلات مشتركة بين دول شمال إفريقيا ودول أوروبا.
حلقة آذار (مارس) التي تابعتها من البرنامج ناقش الحضور مشكلة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا والتي تكون غالبا عبر البحر على متن ما يسمّى (قوارب الموت). تفاوتت الآراء وأجمع علماء الاجتماع والسياسة والصحافيون والضيوف كذلك على أن الصورة الإعلامية لأوروبا هي السبب الرئيس والدافع الذي يجعل الآلاف من الأفارقة يغامرون بحياتهم ومدخراتهم في سبيل نيل فرصة ركوب قارب والوصول إلى شواطئ الجنّة كما يرونها.
يطالب المسؤولون وسائل الإعلام بأداء دور إيجابي في عملية الحد من الهجرة غير الشرعية، وذلك يتحقق من خلال عرض الصورة الحقيقية للحياة في أوروبا وأن الاختلاف الناتج في أسلوب المعيشة والتطور الحضاري هو نتاج لحراك دام مئات السنين بدأ من عصر النهضة ولم يتوقف حتى اليوم. هذه النهضة ترافقها مشكلات تشبه كثيرا تلك التي نعانيها في أوطاننا ليس لأننا مصنفون كدول عالم ثالث! بل على العكس لكل مجتمع جوانبه السلبية والإيجابية.
وكما ينعم ملايين المواطنين الأوروبيين بحياة هانئة ووضع اقتصادي متوازن، على النقيض يعاني جزء آخر منهم أوضاعا سيئة كالبطالة والحرمان من الخدمات الصحية و سوء الظروف المعيشية.
من جهة أخرى, يمارس الإعلام الأوروبي والعربي سياسة التعتيم على مصائر أولئك الذين لا ينتهي طريقهم بالغرق أو العودة إلى بلادهم، أولئك الذين يصلون إلى أوروبا ويبدأون حياة جديدة هناك على الرغم من عدم قانونية بقائهم والسبب أن بعض المؤسسات التجارية والصناعية خاصة التابعة للقطاع الخاص تبقي وجودهم السّري في سبيل الحصول على يد عاملة رخيصة لا تطالب بأي التزامات كالتي يحصل عليها المواطن الأوروبي العادي.هؤلاء الذين يعيشون على أرض ليست أرضهم ويعملون ويكسبون الرزق هل هم بالضرورة يعيشون حياة موازية للمهاجرين الشرعيين الذين يحظون تدريجياً بامتيازات المواطن الأصلي؟
لا أعتقد ذلك، حتى وإن وصلوا إلى السواحل (الحلم) فهم يبقون تحت تهديد الترحيل المفاجئ وخسارة كل ما يدخرونه إذ لا يوجد قانون يحفظ لهم وجودهم.
نجح البرنامج في مناقشة المشكلة وطرح أسبابها ولكن هل يصل صوته إلى المعنيين وتبدأ الخطوة الأولى في علاجها؟