سلعة الشعر.. الشعراء السعوديون بين فهم الموقف وإيقاف الفهم!
مفهوم أول: حاجة الأفراد تحددها رغباتهم، ولذلك كان المنتج الاستهلاكي يكتسب صفته "الاستهلاكية" من تداوله بين الناس بكثرة.
مفهوم ثان: الشعر أضحى منتجا استهلاكيا في زمن الـ SMS، رغم أنه لم يكن كذلك منذ بدء الخليقة.
مفهوم ثالث: المنتج الاستهلاكي يتطلب تواجده وتداوله أصلا وجود "شعوب استهلاكية"، والأرقام تؤكد أن الخليجيين الآن أكثر شعوب الأرض استهلاكا!
مفهوم رابع: السعوديون جغرافيا وسكانيا يملكون النسبة الأكبر والأكثر تأثيرا على المنتج في الخليج، ولذلك كانت أغلب تواقيت عروض البرامج في القنوات غير السعودية تكون غالبا مذيلة بوقت لندن (غرينيتش) والرياض!
مفهوم خامس: التسويق علم قائم على مفهوم "الاستهلاك"، و"تسويق الاستهلاك" يتطلب استيعاب كل العناصر سالفة الذكر وغيرها لإنجاحه.
مفهوم سادس: دراسة سلوك "المستهلك" أهم عامل من عوامل تفعيل تداول "السلعة"، وبالتالي نجاح تسويقها وتحصيل الربح كنتيجة طبيعية لبيعها.
مفهوم سابع: صفحات "بالمحكي" خاصة بالمنتج الثقافي العامي، لذلك لا علاقة لموضوعنا هذا بسعر حليب الأطفال وزيادة الطلب على الأرز!
معضلة الظهور
ظل الشاعر السعودي "المجدد" يعاني معضلة الظهور الإعلامي في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات الميلادية، رغم جودة المنتج وقابلية المجتمع "الكبيرة" لتداوله، إلا أن ميزان التوزيع كان مختلا لعدم وجود وسائل لإيصال المنتج إلى المستهلك، المنتج كان فعالا إلا أن وسائل الإيصال لم تسمع في ذلك الوقت بعلم "التسويق"، فظل الشاعر السعودي يبحث عن وسائل إيصال أجود، ومع هذا البحث المضني و"الاستعجال" لم يجد هذا الشاعر ضالته، ولم يسلم من أخطاء فادحة وقع فيها وكلفته غاليا فيما بعد!
الفرصة التي وجدها الشعر السعودي "العامي" جاءت من وسائل إيصال خارجية، الشاعر السعودي أكسب هذه الوسائل جماهيرية كبيرة لأن المنتج "سعودي" والمستهلك "سعودي" إلا أن صنعة التسويق والربح العائد كانتا غير ذلك، ولذلك تحولت وسائل الإيصال إلى صنابير إنتاج! تُغلق وتُفتح دون إرادة من المُنْتَجْ والمستهلك، يتم التحكم بالخارج منها حسب رغبة وسيلة الإيصال التي تحولت إلى ماكينة تفريخ "معتمدة"!
متطلبات التسويق
التسويق كما عرفنا يتطلب عوامل كثيرة لتحقيق أهدافه، أهمها وجود "سلعة رائجة" وهي موجودة عند المجتمع الخليجي متمثلة في "الشعر العامي"، إلا أن رواج السلعة لا يعني ضرورة قبولها إن لم يدعمها محسنات "دراسة السلوك المجتمعي"، ونقصد هنا تركيبته السكانية والاجتماعية القبلية، وهو الذي يعرفه القاصي والداني وليس العارفين بعلم التسويق فقط، لذلك التقط البعض فكرة دعم "المنتج" ولو كان رديئا ثقافيا، وفتح المجال لإيصال المنتج إلى منازل المستهلكين بطريقة سهلة وميسرة، كل ما سيتعين وضعه "قناة تلفزيونية" لإيصال المنتج، وجوال المستهلك يتكفل بالشراء بدلا عن محفظته التي ستدفع آخر كل شهر مع الرواتب! بإضافة بعض عناصر التحفيز المهمة، والتي اكتسبت أهميتها من خلال دراسة السلوك المجتمعي للفئة المطلوب تسويق المنتج لديها!
مفاهيم خاطئة
العلم يرفع بيتا لا عماد له
والجهل يهدم بيت العز والشرف
هل يقينا العلم ما زال هكذا؟ علم "التسويق" لم يكن كذلك، فلم يرفع الشعر العامي كمنتج ثقافي محترم، هو رفعه كسلعة استهلاكية ذات قيمة عالية "سعرا" قد تكون منخفضة "شعرا"، هذا ما حصل بعد ثورة التكنولوجيا المعتمدة على الـ SMS، فالذي رفع قيمة السلعة هو التنافس القبلي لا التنافس الشعري، وهنا نعود إلى أن التسويق كـ "علم" أدى غرضه الأساسي من خلال دراسة سلوكيات المستهلك، سلوك المستهلك علام يعتمد؟ وهذا ما حصل! هل يكون العلم إذن مفيدا للشعر في هذه الحالة أم مسيئا له؟
الشعر كان منتجا إنسانيا وأصبح منتجا استهلاكيا، هذا التحول الخطير جعل من الصراخ شعرا، ومن التراقص على المنبر شعرا، ومن "التمثيل" شعرا، اختلط حابل التسويق بنابل المستهلك النهم لكل ما يقولون له أنه"ِشعر"، وحتما ما دام هناك مستهلكون في وقتنا هذا يعتقدون أن الصراخ من الشعر، فلا تستغربوا من أجيالنا القادمة إن لم يفرق أحدهم بين الشعر والشعير، أو كان يرى أن مغني الراب الأمريكي "فيفتي سينت" أشعر من المتنبي!