أزمة التأهيل التقني
أزمة التأهيل التقني
رغم كثرة المعاهد والبرامج التدريبية التي تؤهل المتدربين والدارسين إلى التعامل مع تقنية المعلومات، إلا أن معظم أولئك المتدربين لا يتمتعون بالحد الأدنى من التعامل مع التقنية، مما يدل أن المشكلة ليست في المتدربين، بل في البرامج المقدمة وجديتها. إن المراقبين يدركون أن متطلبات التنمية وسوق العمل في حاجة متزايدة إلى المهنيين في مجالات تقنية المعلومات المختلفة.
تحدثت في مقالات سابقة عن صناعة تقنية المعلومات في الهند، وعن كونها أحد الأمثلة الرائدة في هذا المجال، والتي قد تصل أحيانا إلى حد يثير الاستغراب. قد يكون السبب في ذلك هو الحالة الاقتصادية للهند، وكونها بلدا ذا تعداد سكاني هائل، يعد الثاني في العالم، واقتصاداً يكاد ينهار تحت ضغوط المجتمع وحاجاته.
قد يعد بعضهم أن مدح التجربة الهندية هو نوع من المبالغة غير المبررة، وهذا عائد بشكل كبير إلى الانطباع العام عن المجتمع الهندي، والذي يصل أحيانا إلى حد التندر والتهكم بشعبها ووصفه بالتخلف عن باقي دول العالم. ولكن عندما نعلم أن هناك أكثر من 200 شركة هندية حاصلة على شهادة آيزو 9001، منها 15 شركة حاصلة على الدرجة الخامسة من هذه الشهادة، وهي الأعلى عالميا، وعندما نعلم أن دخل الهند الاقتصادي من تقنية المعلومات في عام 2008 يصل إلى 50 مليار دولار (وهو ضعف ما كان عليه في عام 2002)، فإننا سنوقن بأن هذه المديح ليس مبالغا فيه، بل على النقيض هو الواقع المشرق وإنصاف للجهود المبذولة في مجال تقنية المعلومات فيها.
ولقد اطلعت على ما ألقاه المتحدث الهندي براهبات شارما في أحد مؤتمرات الويب 2.0، والذي عقد في الأمم المتحدة، تحدث عن هذه التجربة، وأوضح عناصر نجاحها ومدى إمكانية تكرارها في دول أخرى. ويرجع ذلك - في وجهة نظره المنطقية - إلى زرع مفاهيم تقنية المعلومات في المجالات التعليمية، بدءا منذ السنة الأولى وتقديم برامج متخصصة وجادة، مما أدى إلى ظهور جيل مبدع في مجال تقنية المعلومات، ولعل هذا ما حدا بدول الغرب إلى اللجوء إلى الهند لتلبية متطلباتهم التقنية (هذا إضافة إلى كون التكلفة المادية للعمالة أقل مقارنة بتلك الدول)، ولعله من الطريف أن قسم الدعم الفني في شركة إن بي سي الأمريكية موجود بالكامل في الهند، حيث يستطيع الموظف أن يقوم بطلب تحويلة داخلية ليرد عليه أحد موظفي الدعم الفني الموجودين في الهند.
إن المطلع على الحراك الحاصل في مجال تقنية المعلومات في المملكة العربية السعودية والميزانيات المرصودة لها، سيوقن بأن هذا هو الوقت المناسب للاستفادة من التجربة الهندية لإيجاد جيل ملم بتقنية المعلومات وقادر على تلبية الحاجة الملحة للمملكة في السنوات المقبلة، إضافة إلى بعض المهارات الأخرى كالتواصل مع الآخرين والانضباط. حيث إن الطلب في هذا المجال أكبر بكثير من العرض المتوافر، والفجوة في اتساع مستمر، مما أوجد ثغرة كبيرة استلزمت استقدام عدد كبير من العمالة الأجنية لتغطيتها. إن الوقت لم يفت حتى الآن للاستفادة من الدروس الموجودة في التجربة الهندية وتحويرها للاستفادة منها في مجتمعنا. إننا في حاجة إلى برامج فعلية بخطط واضحة لتحقيق الأهداف والرؤية المنشودة أكثر من تحقيقها إلى الفرقعات الإعلامية والدعائية.