ماذا لو لم يكن عالم المال على شفا الانهيار؟

ماذا لو لم يكن عالم المال على شفا الانهيار؟

أليس من المحتمل .. مجرد احتمال.. ألا يكون عالم المال على وشك الانهيار؟
لقد بلغ الحديث عن الكارثة المحدقة الذي تفجر في المرحلة الأخيرة من أزمة الائتمان المستمرة منذ ثمانية أشهر مستوى أصبح من الطبيعي معه الاعتقاد بأننا سنتكالب قريبا على اختزان المواد الغذائية ونتحول إلى اقتصاد المقايضة.
وعلى أقل تقدير رسمت بعض الأسعار في السوق والتحليلات المالية صورة انهيار
مماثل لانهيار أسواق الأسهم في عام 1929 و"الكساد العظيم" الذي أعقبه، ودعونا الآن نضع كل هذا في سياقه، فالمؤرخون الأمريكيون يقدرون أنه في أول عشرة أشهر من عام 1930 انهار 744 بنكا أمريكيا وارتفع العدد إلى إجمالي 9000
بنك في نهاية الثلاثينيات من القرن الماضي.
وفقد المدخرون ما يوازي بأموال اليوم 140 مليار دولار من الودائع بحلول عام 1933، وارتفع معدل البطالة الأمريكي إلى 25 في المائة من 4 في المائة في 1929 وتراجعت الأسعار والدخول بنسب تراوح بين 20 و50 في المائة خلال الفترة نفسها.
ومثلما لاحظ المتحدث باسم الحكومة الألمانية توماس شتيج فقد أصبح النقاش حول الأزمة الحالية "هيستيريا"، والمؤكد أن الأزمة خطيرة، لكن هناك احتمالا لا بأس به على الإطلاق أن الحال ليس مثلما كان عليه في عام 1929 حتى إذا كان مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) قد تبنى تكتيكات عصر الكساد لمواجهة الأزمة.
ويقول جيم أونيل كبير الاقتصاديين في جولدمان ساكس "لتبرير تكرار ما حدث
الأسبوع الماضي لابد أن تبدأ في الاعتقاد بأن ما حدث في 1929 سيتكرر ثانية، ومع
تحرك مجلس الاحتياطي بسرعة هائلة أعتقد أن من المستبعد أن يتكرر ما حدث".
ولكن مع تأهب المستثمرين بالفعل لسيناريو "أسوأ الأحوال" فالمجال مفتوح أمام
احتمالات شتى.
وفي الأسبوع الماضي أظهر مسح أجراه بنك ميريل لينش أن أغلبية من 193 مدير
صندوق احتفظوا بسيولة مالية كبيرة في آذار (مارس) مما يكشف عن حذر بالغ.
وليس من قبيل المصادفة إذا أن العائد على أذون الخزانة الأمريكية لأجل ثلاثة
أشهر بلغ أقل مستوى منذ الخمسينيات من القرن الماضي عند أقل من 1 في المائة أو أن الذهب الذي يمثل ملاذا آمنا للمستثمرين تجاوز مستوى 1000 دولار للأوقية (الأونصة) قبل تراجعه بشدة في أواخر الأسبوع الماضي.
يقول ديفيد باورز الاستشاري في ميريل لينش "الناس لهم نظرة أحادية.. فهم
لديهم السيولة المالية ويعتقدون أن الأوراق المالية رخيصة، إنهم فقط بحاجة إلى
عامل مساعد لمعرفة متى يكون من الأمان العودة إلى الأسواق".
وايا كان ذلك العامل المساعد فلابد أن يقدم أولا دليلا على أن المشكلة لا تزداد سوءا.
وأزمة الائتمان التي تضرب بجذروها في قطاع العقارات الأمريكي هي بالدرجة
الأولى الآن مشكلة سيولة مصرفية وملاءة. والمشكلة هي غياب الثقة، وقد انعدمت الرؤية تقريبا مع عجز الأسواق عن تقديم أسعار ملائمة للأصول والأوراق المالية المرتبطة بالرهن العقاري.
والجرعة الوحيدة من الوضوح تأتي في نهاية كل ربع عندما ترغم قواعد المحاسبة
البنوك على إعلان قيمة الأصول في دفاترها، وبينما تضطر البنوك إلى الشطب من
أصولها التي أصبح من المستحيل العثور على أسعار في السوق لها تكافح لجمع
سيولة لتلبية قواعد كفاية رأس المال، وهذا كله رغم حقيقة أن كثيرا من هذه الاصول
أصبحت معلقة القيمة ولم تفقد قيمتها بعد.
وما يحدث من تهافت على البحث عن سيولة مالية في الأسابيع الأخيرة من كل ربع
يترك الأكثر ضعفا في السوق مكشوفين ولم يكن من قبيل المفاجأة أن بنك نورذرن
روك البريطاني المتعثر وبنك بير ستيرنز الاستثماري الأمريكي اضطرا لطلب المساعدة من البنك المركزي في كل من البلدين في منتصف أيلول (سبتمبر) ومنتصف آذار (مارس).
وتؤدي قواعد المحاسبة المحافظة إلى عمليات شطب هائلة من الديون وتعويض
نسب رأسمال البنوك وترشيد الإقراض فيما نعرفه الآن بأزمة الائتمان، وبناء على هذا كله فما هو السبيل الآن للخروج من هذه الحلقة المفرغة.
ينبغي أولا أن يتمكن المصرفيون والمستثمرون من رؤية إطار زمني للأزمة وإلا
فسيواصلون التشبث بأصول الملاذ الآمن من السيولة والذهب مما يكسب الحلقة
استمرارية.
وفي الوقت نفسه يتعين على البنوك المركزية أن تقف على أهبة الاستعداد لإنقاذ
البنوك المتعثرة وعلى الحكومات أن تبذل كل ما بوسعها لإشاعة الاستقرار في سوق
الإسكان والرهن العقاري.
وقد قطع المركزي الامريكي شوطا في هذا الاتجاه بخفض أسعار الفائدة ثلاث نقاط
مئوية خلال ستة أشهر وضخ 400 مليار دولار من السيولة في البنوك.
وأفرجت الحكومة الأمريكية الأسبوع الماضي عن 200 مليار دولار إضافية من
السيولة من وكالات تمويل مشاريع الإسكان لمواجهة أزمة سوق الرهن العقاري.
ورغم أن هذه الخطوات لم تمنح السوق قبلة الحياة فمن المؤكد أنه عندما يبدأ الانتعاش فإنه سيحدث سريعا, ويقول ماكس كنج من انفستك اسيت مانجمنت لإدارة الأصول "لقد تعلمنا جميعا مرارا أن كل لحظة أزمة هي أيضا لحظة فرصة سانحة".

الأكثر قراءة