الفرق بين السوقين الماليتين الثانوية والرئيسية

[email protected]

كشفت مجموعة من المصادر المقربة من السوق المالية السعودية عن دراسات لدى هيئة السوق المالية السعودية لإيجاد سوق مالية ثانوية. تلحق بالسوق المالية الثانوية الشركات الصغيرة والشركات المدرجة في السوق المالية السعودية التي لا تحقق أي متطلبات نظامية بسبب الملكية أو رأس المال أو الاندماج، حيث تخرج من السوق المالية السعودية إلى السوق المالية الثانوية.
يمكن التعرف على الفرق بين آلية عمل السوق الرئيسة والسوق الثانوية، وانعكاسات كل آلية على استراتيجية التداول والاستثمار من خلال مقارنة سريعة بين آلية عمل سوق نيويورك للأسهم بتلك المعمول بها في سوق ناسداك.
يطلب من الشركات الراغبة في إدراج أسهمها للتداول في سوق نيويورك الإفصاح عن قوائمها المالية وطبيعة الملكية ورأس المال، إلى آخره من متطلبات الإدراج النظامية. أدت هذه المتطلبات إلى محدودية في فرص الاستثمار وعدد الشركات المدرجة.
اتجه المستثمرون إلى مكاتب الوساطة المالية القريبة من السوق والمنتشرة على جنبات شارع وول ستريت لتولي عملية البحث عن فرص استثمارية واعدة في الشركات غير المدرجة في سوق نيويورك.
كانت مكاتب الوساطة المالية تفتح نوافذ صغيرة مطلة على شارع وول ستريت لاستقبال طلبات المستثمرين، ومن ثم الاتصال عبر شبكة الهاتف بمكاتب الوساطة المالية الأخرى للبحث عن فرص استثمارية تحقق بها رغبة المستثمرين. ومن هنا نشأ ما يسمى OTC، مشكلا سوقا ثانوية للأسهم موازية لسوق نيويورك.
ظهرت بعض التحديات الفنية والمالية مع اتساع حركة التداول في السوق الثانوية. أدت هذه التحديات إلى قيام مجموعة من مكاتب الوساطة المالية في عام 1971 بتدشين نظام آلي يهدف إلى ميكنة آلية عمل السوق الثانوية والتغلب على التحديات الفنية والمالية. أطلق على النظام الجديد اسم ناسداك NASDAQ.
وضعت سوق ناسداك العديد من متطلبات الإدراج النظامية كما هو الحال في سوق نيويورك. لم يلغ إنشاء سوق ناسداك السوق الثانوية، وإنما عمل على احتضان الشركات الصغيرة والعائلية والمندمجة والمديونية ومن ثم تنميتها و تأهيلها.
مكن من هذا المنطلق تحديد عدة اختلافات بين آلية عمل سوق نيويورك وسوق ناسداك. تشكل مجموع هذه الاختلافات استراتيجية التداول والاستثمار المتبعة في كل سوق.
يدور الفرق الأول حول تصنيف نوع السوق. تصنف سوق نيويورك على أنها سوق مزدوجة تقوم على وجودها مجموعة من المتداولين من جهة العرض تقوم بعرض بيع مجموعة من الأسهم، ومجموعة أخرى من جهة الطلب تقوم بعرض شراء مجموعة من الأسهم. وبالتالي يتحدد سعر السهم هنا بناء على التوافق بين كلا السعرين. في المقابل، تصنف سوق ناسداك على أنها سوق تفاوضية تقوم على مبدأ التفاوض بين البائع والمشتري على تحديد قيمة السهم. وبالتالي يتحدد سعر السهم بناء على القدرة التفاوضية بين البائع والمشتري.
تؤدي خاصية نوع السوق إلى ظهور اختلاف آخر بين سوق نيويورك وسوق ناسداك يتعلق بآلية عمل السوق. تعتبر سوق نيويورك سوقا طلبية تقوم على توافر عدد من طلبات بيع و شراء لأسهم شركة مدرجة. بينما تعتبر سوق ناسداك سوقا حصصية تقوم على توافر عدد معين من حصص الأسهم المطروحة للبيع من قبل المستثمر.
يتعلق الفرق الثالث بخاصية السوق. تتم عملية التداول في سوق نيويورك عن طريق صالة التداول الموجودة في شارع وول ستريت وعن طريق الوجود الشخصي للوسطاء الماليين، بينما تتم عملية التداول في سوق ناسداك تتم عبر نظام معلومات يربط الوسطاء الماليين ببعضهم بعضا دون الحاجة إلى الوجود الشخصي في صالة التداول الموجودة في ميدان تايمز سكوير في نيويورك.
يتعلق الفرق الرابع بدور الأشخاص العاملين في السوق. تتم عملية التداول في سوق نيويورك عبر مجموعة أشخاص يطلق عليهم اسم مختصين تحددهم إدارة السوق لكل أسهم شركة مدرجة. يتولى المختص مهمة الإشراف على تداول أسهم الشركة الواقعة تحت اختصاصه، عن طريق تزويد الوسطاء الماليين بآخر أسعار العرض والطلب على أسهم الشركة. تتم في المقابل عملية التداول في سوق ناسداك عبر أشخاص يطلق عليهم اسم صنّاع السوق. تتعاون كل شركة مدرجة مع مجموعة من المنتجين يتولون تنشيط حركة تداول أسهم الشركة من خلال المداومة على تغذية السوق بطلبات بيع و شراء لأسهم الشركة المتعاونين معها.
يتعلق الفرق الخامس بحوكمة سعر السهم. تؤدي آلية عمل السوق، وطبيعة دور الأشخاص العاملين في السوق إلى ظهور اختلاف في محكومية سعر السهم. نجد في سوق نيويورك أن حجم التداول يؤثر بشكل مباشر في سعر السهم. فحركة التداول تتناسب تناسبا طرديا مع حركة سعر السهم. في المقابل، نجد أن صنّاع السوق في سوق ناسداك يؤثرون تأثيرا مباشرا في سعر السهم من خلال قيامهم بتحديد سعر سهم الحصة التي يقومون بتدويرها في السوق.
يتعلق الفرق السادس بطبيعة التداول والتقاص والتسوية في كلتا السوقين. فخاصية سوق نيويورك المتمثلة في ضرورة الوجود الشخصي للوسطاء الماليين لإتمام عملية التداول تتطلب دورا تقنيا أقل من ذلك الدور في سوق ناسداك الذي يجسد الخصائص والخدمات المقدمة من النظام التقني الشبكي كالإنترنت.
تطول قائمة الاختلافات بين آلية عمل سوق نيويورك وسوق ناسداك ولا يسمح المجال بسردها. ولكنها تعطي صورة مختصرة عن التباين في كلتا السوقين. فهما مجتمعتان تشكلان جسرا استثماريا مزدوجا لعبور مدخرات عدد كبير من أفراد المجتمع. يهدف الجسر إلى تشجيع الاستثمارات وزيادة وتيرة وكفاءة التخصيص في الاقتصاد بما يضمن تحقيق التنمية المستدامة.
فسوق نيويورك تعد الأكبر على خريطة أسواق المال العالمية. فهي تضم نحو 28 ألف شركة، كشركتي جنرال إلكتريك وأكسون موبيل، بقيمة سوقية إجمالية تقارب الـ 20 تريليون دولار أمريكي. سوق ناسداك ليست ببعيدة عن هذه الأرقام. فهي تضم نحو 32 ألف شركة، كشركتي مايكروسوفت وإنتل، بقيمة سوقية إجمالية تشكل نحو ثلث القيمة السوقية لسوق نيويورك.
تتمتع السوق المالية السعودية في الوقت الراهن بنمو متواصل أهّلها لتحتل موقع الريادة في المنطقة، بقيمة أسهم مدرجة تشكل نحو 50 في المائة من قيمة الأسهم المدرجة في الأسواق العربية مجتمعة. ونجحت السوق كذلك في استقطاب ما يقرب من 17 مليار ريال عبر أطروحات أولية واكتتابات في حقوق أولية.
ومما لا شك فيه أن نمو السوق وتنوع أدواتها وسهولة تقييمها وتداولها يؤثر إيجابيا في كمية المخاطر، ويساعد على خلق فرص استثمارية واقتصادية شاملة. وأحد أهم العوامل المستخدمة لتفعيل هذه الآلية هو إنشاء سوق ثانوية موازية للسوق الرئيسة وتختص بتنمية الشركات الصغيرة وتأهيلها عن طريق استقطاب مدخرات أفراد المجتمع.
وآلية عمل السوق الرئيسة وانعكاساتها على استراتيجية التداول والاستثمار تختلف عن السوق الثانوية. والسعي المستمر نحو زيادة وعي المستثمر والوسيط المالي بالتباين بين السوقين يعتبر عاملا ضروريا لتحقيق أهداف سياسة السوق العامة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي