مشكلة تقف في طريق المعلم ؟
اختلفت النظرة العامة للتعليم بين حاضر التعليم وماضيه فالمعلمون الأوائل يتذكرون بشوق ماضيهم لما كان يتمتع به المعلم من احترام وتقدير لدى طلابه ومجتمعه مما أسهم في مستويات تعليمية مقبولة، مقارنة بنواتج تعليمية غير مرضية في وقتنا الحاضر .. في ذلك الوقت كانت الحياة بسيطة، وأدوات المعلم والتعليم يشوبها الكثير من القصور من حيث تأهيل المعلمين وضعف تأهيل الإدارة المدرسية، وصعوبة وسائل الاتصال، وبعد المدرسة عن سكن الطالب، وقلة حملة الشهادات الجامعية، وضعف الإمكانات البشرية، وانعدام في الإمكانات المادية، إلى جانب غياب دور الإشراف التربوي الفاعل واقتصار حضوره في صورة التفتيش الذي يتمثل دوره الأكبر في رصد الأخطاء وتأنيب المعلمين المقصرين ومحاسبتهم بما لدى المفتش من صلاحيات قد تختلف من منطقة إلى أخرى.
ولعل ذلك التفوق في الناتج التعليمي يعود إلى عوامل عدة أهمها: قناعة أولياء أمور الطلاب بأهمية التعليم في حياة أبنائهم، وشعور المجتمع الصغير بحاجته إلى التعليم لتسيير أمورهم الأسرية في كتابة الرسائل وقراءتها وتعلم أمور العبادات وغيرها، ورغبة أولياء الأمور في حصول أبنائهم على مستويات وظيفية تكفل لهم ولأبنائهم معيشة أفضل، وكذلك دور الرقابة الاجتماعية المكثفة التي كانت تؤدي دورا بارزا في رقابة أبناء الحي أو القرية وتعديل سلوكياتهم وتصرفاتهم، وارتفاع درجة الحماس بين الطلاب يدفعهم لانتهاج سلوك المنافسة ومحاولة الظهور بالمظهر الجيد أمام أقرانهم ومجتمعهم، ولعل رغبة أو رهبة المتعلم سواء من المدرسة أو البيت في ذلك الوقت كانت سر النجاح التربوي والتعليمي، فالبيت والمدرسة هما الداعمان الرئيسان لكل العمليات التربوية الناجحة .
والآن من يتأمل واقعنا التعليمي يدرك أن الطالب يأتي إلى المدرسة ينقصه الكثير من الدوافع التي توافرت في طالب الأمس، فطالب اليوم يأتي إلى المدرسة متقهقرا يعاني من كثرة السهر وعدم الحرص على التعلم، فيتملل من أقل الواجبات، فلا يريد مشاركة، ولا توجيها، و لا تربية، ولا تعلما، ولكنه يريد نجاحا مضمونا وبلا جهد ؟ وطالب اليوم يفتقد الرغبة الحقيقية في التعلم؛ لأن التعلم عنده يساوي الوظيفة المكتبية فإذا كان ليس هناك وظيفة مؤكدة فلماذا التعب والسهر!! فهو يرى أن الأعمال الأخرى لا تحتاج إلى كل هذه المتاعب، وليس هذا كل ما ينقص طالب اليوم فقط بل إن سلوكه تجاه مجتمعه ومعلميه أصبح مفقودا ويتضح ذلك جليا في عدم احترامه لمعلميه، فأصبحت الاعتداءات ضد المعلمين عمليات منظمة ومخطط لها بل وموثقة بأفضل التقنيات الحديثة للتشهير بالمعلمين من خلال التصوير وترويج مقاطع الفيديو من خلال الشبكة العالمية أو البلوتوث.
وأصبح المعلم يأتي إلى مدرسته وهو يعاني الخوف والتردد وعدم الأمن، يعد الدقائق والساعات ينتظر لحظة الانصراف بسلام، ولا يستطيع بل ولا يرغب أن يؤدي عملا مميزا، فيتقاعس أمام كل عمل يتعلق بطلابه، بل يحسب ألف حساب لهم في ظل غياب الأنظمة الرادعة التي تحمي المعلم من طلابه، ليس من أخطائه فحسب وإن كان المعلم بشرا قد يخطئ وقد يصيب كغيره من البشر، إلا أنه أصبح مستسلما لا يوجه طلابه ولا يعلمهم، كما ينبغي خشية من ردة فعلهم عند الحديث معهم، ولا يشاركهم في أنشطتهم، ولا يؤدي واجباته على الوجه المطلوب تحسبا لما قد يواجهه هذا المعلم من مخاطر ومشكلات يعتقد أنه الخاسر الأول والأخير فيها؟ وليس هذا فقط بل إنه يترقب ما التهم والإهانات التي تنتظره من الطالب المقصر أو ولي أمره حتى يؤثر فيه أو يجبرانه على المساعدة على النجاح أو على الأقل اعتبار رسوبه المتوقع ناتجا عن سبق الإصرار والترصد من قبل هذا المعلم .
ونحن هنا وبعد عرض هذه المشكلة التي نعتقد أنها أسهمت إلى حد كبير في إضعاف دور المعلم ونواتج التعليم تحتاج من أصحاب القرار في الإدارة التربوية، من خلال المجلس التعليمي في كل منطقة إلى دعم موقف المعلم وسن القوانين والأنظمة التي تكفل للمعلم حقه أمام طلابه وبعض أولياء الأمور في ظل غياب الصلاحيات الممنوحة لمديري المدارس أو حتى لمديري التعليم، أوعدم وجود العقوبات الرادعة والمعلنة التي تحد من ممارسة العنف ضد المعلمين، فشعور المعلم بالخوف لا يمكنه من القيام بدوره التربوي أو التعليمي تجاه طلابه .
أخيرا ثقتنا كبيرة بأصحاب القرار أن نرى أنظمة تعليمية تساعد على حل المشكلات التعليمية لنجعل تعليمنا منتجا ويليق بما يطمح إليه ولاة أمرنا، حفظهم الله، وبما يولونه من أهمية للمعلم والمتعلم.
[email protected]
مدير مدرسة