الترفيه يطغى على التعليم في المدارس الأهلية !!
أبدى كثير من التربويين والمختصين في التعليم وطرق تطويره تخوفهم من أن تركيز المدارس الأهلية كثيرا على الترفيه والمتعة والتسلية قد يؤثر سلبا في الجانب الأهم وهو التعليم، إذ تتسابق الكثير من هذه المدارس لكسب أكبر عدد ممكن من الطلاب عن طريق اختراع كل ما هو جديد في عالم المتعة والتسلية، ما يعني إفراز هذه المدارس مخرجات تعليمية ضعيفة لإغفالها الأهم وهو التعليم.
وفي هذا الصدد اعترف مستثمرون في التعليم الأهلي أنهم استقطبوا أعداد كبيرة من الطلاب والطالبات، عن طرق البرامج الترفيهية التي تعدها مدارسهم، ودافعوا عن إغفالهم التعليم على حساب الترفيه، مشددين على أنهم مع الترفيه الهادف المكتشف للمواهب، والملبي لحاجات الطلاب النفسية.
يقول عبد المحسن بن عبدالعزيز الشويعر مستشار تربوي ومستثمر في قطاع التعليم الأهلي:" من خلال تجاربنا في الإدارات التعليمية والتربوية في القطاع الخاص فإننا نرغب في استقطاب أكبر عدد من الطلاب، لكن دون إخلال بالعملية التعليمية، ومن هنا فليس أمامنا إلا اللجوء إلا المحفزات والبواعث التعليمية الفعالة والمناسبة لمراحل الطلاب المختلفة مثل: اللجوء إلى الترفيه".
وأضاف: أنا أقصد بالترفيه هنا الترفيه الموجه، وذلك لكونه ضرورة ملحة لنجاح العملية التعليمية، متى ما أحسن استخدامه واستغل بشكل صحيح، فإنه لا تضاهيه أي وسيلة تعليمية في عائده التربوي والتحصيل العلمي، كما نحرص على أن يكون القائم على الترفيه (المعلم) حاذقاً فطناً سريع البديهة، مدركاً للهدف الأسمى من النشاط الترفيهي، وما ينبغي توصيله للطالب من معارف ومهارات واتجاهات من وراء هذا الترفيه، فلا يكون هوائياً لا يتجاوز فكره أسفل قدميه، وذلك لأن إدراك المعلم القيمة التربوية لنشاط ما مثل ركوب الخيل أو نزول المسبح، فإنه يسهل عليه توصيل ما يريد أثناء ذلك بشكل أقوى في وقت أقل، لأنه قد جمع بين النظري والتطبيقي في آن واحد.
وأشار إلى أنه من الممكن جعل الترفيه في حد ذاته دون ممارسته حافزاً قوياً، فمثلاً القول إن نزول المسبح لمن أتقن كذا في وقت كذا، وعلى هذه الشاكلة فقد تنتفي فكرة أن الترفيه ليس دعامة أساسية من أسس وركائز العملية التعليمية، لأنها تضمن رغبة المتلقي في العملية التعليمية والبعد عن الملل والرتابة.
وبين أن هناك شريحة مهمة من الطلاب وهم ذوو الاحتياجات الخاصة، فطبيعتهم تقتضي أسلوباً مميزاً لتعلمهم، فيصعب التعلم بالنسبة لهم إلا من خلال الترفيه، فمن الممكن تعليمهم بعض العمليات الحسابية مثل الجمع والطرح من خلال اللعب والأنشطة وإحساسهم بأنهم لا ينفصلون عن بقية الشرائح التعليمية قدرة وتحصيلاً، إذن نحن نقول لا للترفيه المطلق العشوائي، ونعم للتعلم عن طريق اللعب نعم للترفيه الموجه الهادف الذي لا يقتصر على العاطفة فقط بل للعقل النصيب الأوفر منه.
وأوضح أن التربويين اختلفوا حول فكرة الترفيه في المدارس الأهلية، فمنهم من رأى أنه ضرورة ملحة لنجاح العملية التعليمية لما له من أثر في إضفاء جو المرح والحركة أثناء تلقي المتعلم للمعارف المنهجية وما في ذلك من تبديد للملل وقضاء على الرتابة المتبعة في أي نهج آخر بعيداً عن الفواصل التنشيطية أو الترفيهية.
ومنهم من يرى أن الترفيه مضيعة لوقت الطالب وتبديد ليومه التعليمي، وما هو إلا وسيلة جذب فاعلة وراءها هدف مادي بحت، حيث إنه كفيل بجذب أكبر عدد من الطلاب للمدرسة التي تعددت فيها وجوه الترفيه دون النظر إلى الجوانب العلمية الأخرى المهمة أو مدى التحصيل العلمي لدى الطالب.
وبين أن كثير من الناس يعتقد أن الاستثمار في المدارس أمراً سهلاً ويسير المنال مضمون العائد وأنه يدر مالاً وفيراً على صاحبه، ويجعله خالي البال قرير العين، إلا أن الواقع غير ذلك تماماً، فما من مستثمر يقدم على هذا الأمر إلا ويحمل على عاتقه عبئاً كبيراً ويضع على كاهله حملاً ثقيلاً ويذوق قلبه هماً مؤلماً، وذلك لأنه يتعامل مع عقول بشرية وليس أشياء مادية، فالعقول هنا أمانة ثقيلة، فإن ضيعها فسيسأل عنها يوم القيامة،
وهذا يختلف بالكلية عن المشاريع الاقتصادية الأخرى لأنها على غير ذلك ، أما التعامل مع العقول البشرية فإن نفعها سيعود على الجميع، ومن ثم فلا بد من توافر عامل الاحتساب عند صاحب هذه المشاريع التربوية والإنسانية، ويكفيه فخراً أنه عندما يترك إرثاً فإنه لم يترك ملاهي تدخل ربحاً ً سهلاً، إنما ترك صروحاً تعليمية تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، صدقة دائمة النفع والحصاد إلى قيام الساعة.
من جهته, اعترف عبد الرحمن الحقباني مالك عدد من المدارس الأهلية أن الأنشطة الترفيهية جذبت الكثير من الطلاب للتسجيل في المدارس الأهلية، وقال:" بهذه البرامج أو بغيرها تتميز المدارس الأهلية، و أعتقد جازما أن أسباب هروب الطلاب من كثير من المدارس ونفورهم منها، لكونها مدارس تقليدية طاردة لا تلبي حاجات الطلاب ولا رغباتهم الإنسانية".
وأبدى سعادته بطرح هذا الموضوع الذي ربما تحدث عنه بعض المتابعين والمهتمين من غير المتعايشين وغالبا تأتي بعض آرائهم مجانبة للحقيقة، وللعلم فإن التعليم الأهلي متصل بالتعليم الموازي للتعليم الحكومي والمتوقع منه أن يكون متميزا عما يكون عليه التعليم الحكومي سواء في مناهجه ومواده الدراسية أو في طريقة التدريس أو في البيئة المدرسية والصفية أو في البرامج الإثرائية المختلفة ونشاطاته التربوية أو في علاقاته مع الطلاب وأولياء الأمور إلى غير ذلك من جوانب التميز، أما إذا أصبحت المدرسة الأهلية مماثلة للمدرسة الحكومية أو مشابهة فإن ذلك يعني أنها أصبحت عبئا على التعليم الأهلي ولن يتوقع لها النجاح.
وأضاف: إن الخطة العشرية لوزارة التربية والتعليم نصت في رؤيتها أن تكون المدرسة بيئة تربوية جاذبة حافزة على التعلم والمدرسة الأهلية تعمل كغيرها من المدارس الحكومية على أن تكون بيئتها التعليمية والتربوية جاذبة، ومن هنا جاء الترفيه في المدرسة الأهلية من خلال مناشط متنوعة تتمثل في تغيير البيئة الصفية وإعادة تشكيلها،الزيارات المستمرة، المسابقات المتنوعة، برنامج اليوم الكامل، واليوم المفتوح، المسرح، الرحلات الخارجية، الألعاب الترفيهية، ميدان الفروسية النادي العلمي، والسياحة وصالات الترفيه الإلكتروني إلى غير ذلك من الأنشطة الترفيهية الهادفة.
وعلل تركيز المدارس الأهلية على الجانب الترفيهي بتعميق حب الطالب أو الطالبة للمدرسة، وكذا إزالة الملل والإرهاق عن كاهل الطالب الذي يتعلم ست ساعات يوميا، وهنا يقوم الترفيه على تلبية الحاجات الإنسانية للطالب أو الطالبة إذ لكل منها حاجاته الخاصة والمطلوب من المدرسة التفاعل معها.
وأوضح أن تهذيب سلوك الطالب أو الطالبة من خلال دمج التوجيه بالنشاط والتنويع في الخطاب الموجه له، كسر حاجز الخجل والخوف من الاندماج مع الآخرين، والإسهام في دعم بناء علاقات إيجابية بين الطلاب بعضهم البعض، وتجديد نشاط الطالب لأن النفوس تكل ولا بد لها من التجديد والترويح الهادف.
ووصف الحقباني الترفيه في المدارس الأهلية من خلال تجربته بأنه فرصة لتعليم الطالب أشياء جديدة قد لا يستطيع تعلمها في حجرة الصف التعليمي، إذ تساعد على تنمية القدرات وكشف المواهب، وكذا دعم العلاقة بين الطالب أو الطالبة ومعلميهم بما يساعد على نقل الخبرات والتجارب من المعلمين والمعلمات إلى الطلاب والطالبات.
من جهته, اعترف الطالب عزام محمد أن الترفيه جذبه للتسجيل في مدرسة أهليه، فهي تحوي برامج كثيرة كالرحلات، المسابقات الأنشطة التي قد تطغى أحيانا على الجانب التعليمي، وأتمنى أن توقف أثناء الاختبارات.
أما الطالب أحمد المطرود فيرى أن المدارس الجديدة فقط هي التي تكثف الجانب الترفيهي، بغرض الترغيب ليسجل بها أكبر قدر ممكن من الطلاب، وهذا بالطبع على حساب التعليم.
أما أحمد الخويطر ولي أمر طالب فأكد أنه عمد إلى انتقاء تسجيل ابنه في مدرسة أهلية لا تغلب جانب النشاط والرحلات على التعليم، فرغم تركيز مدارس أهلية على جانب التسلية والترفيه إلا أن هناك مدارس أهلية أخرى تركز على التعليم أكثر، كما أنها تنتقي أنشطتها بعناية وتقدم المتعة المفيدة لا المضيعة للوقت.
كما أشار فهيد الخالدي إلى أنه ألحق أبناءه بمدارس أهلية بعد أن لفت انتباهه تدني مستواهم الدراسي في المدارس الحكومية، إلا أن هذا التدني مع الأسف استمر أيضا في المدرسة الأهلية التي تركت التعليم وتفرغت للأنشطة والمسابقات المستمرة، والتي أتمنى أن تتوقف كليا في أيام مهمة كالاختبارات أو الأيام التي قبلها.
وأوضح أنه مع الترفيه ولكن بشروط أهمها: الوقت المناسب، واللعبة أو النشاط الملائم للعمر ويساعد على الابتكار، وليس فقط تسلية تهدر الطاقة ولا تفيد الطالب.