عبد العزيز البشري رائد النكتة في العصر الحديث
عبد العزيز البشري كاتب ممتاز محبب إلى النفوس، امتاز بخفة الروح وعذوبة النفس ورقة الشمائل، وأسلوبه الكتابي فيه جزالة تخالطها سخرية ودعابة جذابة، كان أبوه شيخاً للأزهر ومن أصدقائه حافظ إبراهيم وطه حسين والمازني وغيرهم، ومن أحاديثه الطريفة:
- أنه كان مع لفيف من إخوانه يقضون أياماً في ضيعة وجيه من أفراد الأسرة الأباظية بمديرية الشرقية، فقام الشيخ يتوضأ وترك جبته السوداء معلقة فلما عاد وجد إخوانه قد رسموا عليها بالطباشير وجه حمار نكاية فيه وشغفاً بالعبث به والسخرية منه .
فنظر إليهم الشيخ في ثبات دون أن يفقد أعصابه وقال والابتسام لا يفارق شفتيه :
مين فيكم اللي مسح وشه في الجبة ؟
- وكان البشرى يسير ذات يوم في الطريق العام فاعترض سبيله أحد القرويين، وقدم إليه خطاباً ليقرأه، وقال له إنه رجل أمي يجهل القراءة والكتابة، وقد جاءه هذا الخطاب من بلده، وهو يتحرق شوقاً لمعرفة مضمونه.
وكان خط الخطاب رديئاً إلى أبعد حد حتى يصعب تفسير عباراته وحل طلاسمه ورموزه.
فلم يستطع عبد العزيز البشرى أن يقرأ سطراً واحداً من الخطاب ورده إلى القروي وهو يعتذر عن عدم استطاعته القراءة.
وهنا ثارت ثائرة القروي وقال في ضيق: أمال شيخ إيه ؟ ولا بس عمة ليه؟
فأسرع عبد العزيز البشرى وخلع عمامته لتوه ووضعها في الحال فوق رأس القروي وقال له: اقرأ أنت يا سيدي آدي العمة على رأسك".
- ويقول البشري: كنت طالباً في الجامع الأزهر، وقد ذهبت يوماً إلى بائع سلطة وطعمية لأشتري طعام غدائي، ولم يكن معي غير خمسة ملليمات وهي لا تكفي إلا لشراء رغيف من الخبز.
وعز علي أن آكل الرغيف دون آدام، فقصدت البائع وأعطيته الملليمات الخمسة وقلت له:
أعطني رغيف خبز.
ومد الرجل يده بالرغيف ومددت يدي لأتناوله إلا أنني تعمدت أن أفلته من يدي فسقط الرغيف في وعاء مكشوف فيه سلطة طحينة.
وأراد البائع أن يبدله بغيره ولكني قلت له: معلهش ..معلهش أكله كده ..
وهكذا فزت بغموس بدون ثمن .
- ويذكر البشري أنه اعترضه ذات يوم أثناء رجوعه من الديوان شاب أنيق الملبس لعله طالب في إحدى المدارس العالية، أو السنوات الأخيرة من التعليم الثانوي، وقال لي يا عم كم الساعة الآن؟
فطالع البشرى ساعته وقال له: الساعة 2 وسبع دقائق.
فحسر الشاب كمه الأيسر فانكشفت عن ساعة يد ذهبية، ونظر فيها وقال لا..لا..ساعتك مُأخرة أربع دقائق.
ثم خلى بين البشرى وبين الطريق وانطلق لتوه.
وبعد أن أجال البشرى ظنه في شأنه، أدرك أنه ربما كان (( مفتش عموم الساعات )) ..؟
- ومن نكات البشرى أن لحاداًً لقيه في الترام فسلم عليه، وأقبل عليه يحييه، وكان البشرى على معرفة يسيرة به، وسأله البشرى بما جرت به عادة الناس عن شأنه فقال له وهو يرد التحية في لهجة تشف عن الصدق والإخلاص ( أنا في الخدمة ). فقال له: الله يحفظك.
فأجاب اللحاد من فوره كذلك في إخلاص ولهفة: (( ربنا ما يحرمنا منك )).