مدى خطورة تهديد كوريا الشمالية نوويا في الميزان
بحسب معايير كيم جونج أون نفسه، شهِد القائد الأعلى سنة جيدة. في مطلع عام 2017، أعلن كيم أن كوريا الشمالية دخلت المرحلة النهائية من الاستعدادات لاختبار إطلاق صاروخ بالستي عابر للقارات.
وقد وفى بوعده، وبعد ثلاثة اختبارات أخرى من هذا النوع صرح في الشهر الماضي أن كوريا الشمالية حققت أخيرا حلمها في أن تصبح دولة ذات قوة نووية.
يتوقع المراقبون منه أن يقول في خطابه بمناسبة السنة الجديدة إنه أكمل برنامج الأسلحة النووية الذي تقوم عليه زعامته.
على الرغم من أن بيونج يانج أطلقت أطول صواريخها حتى الآن وأجرت هذا العام التجربة النووية السادسة – التي ربما كانت قنبلة هيدروجينية – فإن الولايات المتحدة ليست واثقة إلى هذه الدرجة.
منذ فترة يفترض المخططون العسكريون الأمريكيون أن كوريا الشمالية تستطيع إطلاق صاروخ يستهدف الولايات المتحدة، إلا أن تقييمات المخابرات متباينة، ويقول جيم ماتيس، وزير الدفاع الأمريكي، إن كوريا الشمالية لا تزال حتى الآن غير قادرة على تهديد الولايات المتحدة.
فيما يلي المعلومات المتوافرة لدينا عن المدى الذي حققه البرنامج النووي لكوريا الشمالية حتى الآن، وما إذا كانت الصواريخ تستطيع الوصول إلى الولايات المتحدة، والأمور التي يتعين عليها أن تتقنها.
هل تعد كوريا الشمالية قوة نووية؟
نعم. كوريا الشمالية تنتج البلوتونيوم المحوّل واليورانيوم المخصّب منذ سنوات، وأجرت ست تجارب نووية في مناطق عميقة ضمن جبالها. سيجفريد هيكر، وهو عالم أمريكي قام بسبع زيارات إلى المرافق النووية في كوريا الشمالية، أُعطي في إحدى الزيارات جرة ساخنة من البلوتونيوم، كدليل يتسم بالفخر، يقدر أن النظام لديه اليوم ما بين 25 و 30 سلاحا نوويا، وكل سلاح منها لديه القدرة على تدمير مدينة. هناك تقرير متسرب من المخابرات يقول إن الرقم هو نحو 60 سلاحا.
هل طورت كوريا الشمالية قنبلة هيدروجينية؟
الجواب ليس واضحا. يقول المسؤولون الأمريكيون إن كوريا الشمالية ربما تكون قد فجرت أول قنبلة هيدروجينية لها في أيلول (سبتمبر) الماضي. هذا التفجير الانصهاري الذي يقوم على مرحلتين، يعتمد على انشطار البلوتونيوم أو اليورانيوم ليكون العامل المحفز، بحيث يعطي قوة تفجيرية أعلى بكثير تصل، من الناحية النظرية، إلى ألف مرة ضعف قوة القنبلة الذرية، التي أُسقِطت على ناجازاكي في عام 1945.
فوجئ الخبراء بالأثر الزلزالي المترتب على تفجير أيلول (سبتمبر) الماضي في باطن الأرض، الذي كان أكبر بكثير من الاختبارات الذرية السابقة، حيث يقول البعض إنه شبيه بأربع قنابل من قنبلة ناجازاكي.
قال هيكر: "عند هذا المستوى، هناك احتمال كبير للغاية بأن القنبلة التي تم تفجيرها كانت قنبلة نووية حرارية من مرحلتين"، مضيفا أنها يمكن أن تكون قنبلة انشطارية "معززة" وليست قنبلة انصهارية.
هذا العام هدد المسؤولون في كوريا الشمالية بإجراء اختبار نووي حي فوق المحيط – وهو ما يعرف باختبار الغلاف الجوي – على الرغم من أن هيكر يعتقد أن هذا "تهديد فارغ" بسبب المخاطر العالية لحدوث رد انتقامي من الولايات المتحدة.
هل طورت كوريا الشمالية صاروخا بالستيا عابرا للقارات؟
نعم. أجرت كوريا الشمالية أول اختبار لها لهذا النوع من الصواريخ في العام الحالي. اختبارها الثالث والأخير استخدم الصاروخ هواسونج – 15 للمرة الأولى، الذي قطع شوطا يفوق ما حدث في التجارب السابقة، وبمدى يقدر بنحو 13 ألف كيلومتر، وهي مسافة تستطيع بسهولة أن تغطي مساحة البر الرئيسي للولايات المتحدة بأكملها.
وبحسب ما يقول مايكل إيلمان، وهو خبير صواريخ لدى المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، فإنه في كل مرة ينجح فيها أي اختبار، كان يحقق "تقدما سريعا للغاية" مقارنة بالبلدان الأخرى.
هل تستطيع صواريخ كوريا الشمالية العابرة للقارات، أن تحمل رأسا حربيا نوويا يطول أمريكا؟
ربما. أشار تقرير متسرب من المخابرات إلى أن كوريا الشمالية لديها رؤوس حربية مصغرة ناجحة يمكن تحميلها على الصواريخ، لكن التقييمات متباينة.
يعتقد كثير من الخبراء أن الاختبارين على الصاروخ هواسونج – 14 في حزيران (يونيو) الماضي، يشيران إلى أن صواريخ كوريا الشمالية تستطيع أن تُحمل رأسا حربيا نوويا بقوة 400 إلى 600 كيلوجرام، وهو ما يكفي على الأرجح للوصول إلى الساحل الغربي للولايات المتحدة.
تقدير الخبراء لصاروخ هواسونج – 15 الأكبر حجما هو أنه ربما يكون قادرا على حمل ما بين 500 إلى 1000 كيلوجرام، وهي كمية كافية لإلقاء حتى قنبلة هيدروجينية على أي مكان في أمريكا.
يقول إيلمان: "إجمالا، أعتقد أن كوريا الشمالية تستطيع أن تُعَرض كامل المنطقة القارية للولايات المتحدة لخطر القنبلة الهيدروجينية، بمجرد أن يمر الصاروخ نفسه بتجارب طيران أكثر كثافة".
هل أتقنت كوريا الشمالية عملية دخول الغلاف الجوي؟
لا. إلا أنها ربما لن تكون بحاجة إلى ذلك. وضعت الولايات المتحدة وروسيا جهودا هائلة في تطوير أداة دقيقة مدببة لدخول الغلاف الجوي، تستطيع تحمل درجات حرارة مذهلة، والاحتكاك الذي لا بد من أن يتحمله الرأس الحربي أثناء احتراقه حين يمر عبر الغلاف الجوي في طريقه إلى الأرض.
كوريا الشمالية ليست بحاجة إلى هذا القدر من الدقة. يقول إيلمان: "إذا استهدفوا مانهاتن وهبط الصاروخ في كوينز، فلا أظن أنهم يبالون بذلك". هذا يعني أن الرأس الحربي يمكن أن يتجنب الانصهار، باستخدام "مخروط مدبب" أبسط غير حاد يضم في داخله الرأس النووي، تحت طبقات من الكربون الواقي.
هل تستطيع كوريا الشمالية أن تتجاوز الدفاعات الصاروخية الأمريكية؟
ربما، لكن هذا أمر تصعب معرفته إلى حد ما. صاروخ هواسونج – 15 لديه رأس مخروطي أكبر كثيرا من الصواريخ السابقة عليه، حيث يستطيع أن يستوعب أجهزة تمويه تحتال على صواريخ الاعتراض.
لم تتفاخر بيونج يانج بأية إجراءات مضادة، لكن ديفيد رايت، من اتحاد العلماء المعنيين، يقول إن من المأمون أن نفترض أن أي بلد يُجري اختبارات على الصواريخ بعيدة المدى، من شأنه أن يطور أجهزة تمويه.
المدافعون عن الدفاع الصاروخي للولايات المتحدة يقولون إن النظام يستطيع مع ذلك أن يُسقِط بدقة أي صاروخ، إلا أن تاريخ اختبارات النظام متباين.
هل تستطيع كوريا الشمالية أن تتجنب الاكتشاف خلال الاستعدادات للإطلاق؟
لا. تحاول كوريا الشمالية تطوير مواقع خفية تشتمل على أجهزة إطلاق أرضية متحركة، وأجهزة إطلاق من الغواصات، وصواريخ تعمل بالوقود الصلب، من النوع الذي يصعب اكتشافه من قبل المجسات في مواربة لتأمين صواريخها قصيرة المدى، إلا ان الصاروخ هواسونج – 15 صعب الاستعمال لثقله وجسامته.
يغلب على ظن إيلمان أن هواسونج – 15 يحتاج إلى نحو 100 دقيقة لتحميل الوقود السائل، ولا يمكن إطلاقه إلا من مسافة تقع ضمن 100 متر من أي طريق معبد، التي لدى كوريا الشمالية منها 720 كيلومترا، الأمر الذي يقتضي المراقبة المباشرة.
هل تحتاج كوريا الشمالية إلى إجراء مزيد من التجارب؟
نعم. يقول رايت إن بيونج يانج تحتاج إلى اختبار هواسونج – 15 على مسار أكثر واقعية. ويقول هيكر إن الصاروخ بحاجة إلى سنتين أو نحو ذلك من التجارب حتى يبرهن أنه يستطيع تحمل رأس حربي صغير وخفيف بما فيه الكفاية.
ويجادل إيلمان بأن بيونج يانج بحاجة إلى ما بين ثلاث إلى خمس تجارب على الصاروخ العابر للقارات، لكي يثبت أنه قادر حتى على الردع "من الناحية السياسة".
ويقول إنه سيكون من الأفضل إجراء نحو 20 اختبارا من أجل التوصل إلى ردع قابل للتشغيل، مضيفا أن النظام لم يقم بأعمال بشأن الدقة.
هذا هو السبب في أن هيكر يشعر بتشجيع كاف من أن كوريا الشمالية صرحت أنها حققت حلمها النهائي خلال هذا الوقت السريع، ما يفتح المجال للمحادثات.
ويقول: "أعتقد أننا يجب أن نسمح لهم بالاحتفال. لديهم منذ الآن القدرة على إيقاع ضرر غير مقبول للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة. لقد وصلنا إلى مرحلة حيث لم يعد من المنطقي أن نتخذ إجراء عسكريا في هذا الاتجاه أو ذاك".