غذاؤنا يحفظ في مستودعات بدائية ملوثة!!
غذاؤنا يحفظ في مستودعات بدائية ملوثة!!
في مدينة مثل جدة تشتهر بالرطوبة العالية و تعج سوقها المحلية بالكثير من الأغذية التي تدخل في تركيبتها ملونات ونكهات، انتشرت في الآونة الأخيرة مناظر لأغذية حديثة الصنع على أرصفة أو في مستودعات بدائية تنتشر في محيطها الحشرات والذباب والناموس والقوارض يزيد من ذلك عدم إلمام القائمين بأمن المستودعات على متابعة التطهير والتنظيف وأمام تلك المناظر لا تملك إلا أن تسأل نفسك.. هل الغذاء الذي أتناوله آمن أم لا ؟
إن ظاهرة التخزين السيئ للمواد الغذائية في مستودعات مكشوفة وعلى أرضية ترابية مازالت تنذر بخطورة واضحة تمس أمننا الغذائي والصحي وحياة الناس اليومية وسط غياب بعض المؤسسات الحكومية المعنية وعوامل فوضى شجعت على استمرار هذه السلوكيات بين بعض التجار والمستوردين ممن لا يهمهم سوى الربح.. والربح فقط.
جولة "للاقتصادية" كشفت عددا من المواقع التي تخزن فيها كميات كبيرة من المواد الغذائية وعن تساهل العاملين في مخازن التوزيع وتجار الجملة والموردين وتجميع المواد الغذائية بمستودعات غير صحية وبيئة غير ملائمة جمعت بين الرطوبة العالية ودرجة حرارة تصل إلى 40 درجة مئوية وطرق بدائية تفتقد الكثير من ركائز البيئة الملائمة لتخزين المواد الغذائية.. والنتيجة هي مزيد من الحالات الصحية التي يتم تشخيصها تحت اسم "تسمم غذائي".
"الاقتصادية" تفتح هذا الملف "الساخن" مع أكثر من جهة حكومية مسؤولة عنه بشكل مباشر نستعرضها في التحقيق التالي:
سلامة الغذاء من سلامتنا
بداية يشير حمدان المالكي رئيس قسم التغذية في مستشفى الملك فهد العام إلى أن الكثير من الناس يصابون بالإسهال أو بارتفاع في الحرارة أو بالتقيؤ أو باضطرابات في الجهاز الهضمي نتيجة للأطعمة التي تناولوها ويعتقدون أنهم مصابون بالإنفلونزا، ولكن السبب الحقيقي يكمن في أمراض العدوى الغذائية والتي تسببها البكتيريا في معظم الحالات.
وبين المالكي أن درجة الحرارة من أهم العوامل التي تؤثر في سلامة الغذاء حيث إن تخزين الفواكه والخضار على درجة حرارة منخفضة يقلل من سرعة تنفسها وبالتالي إطالة فترة صلاحيتها وتسهم درجة الحرارة في نمو الميكروبات، لأن الأطعمة المبسترة التي تتضمن بعض منتجات الألبان والعصائر تحتاج إلى درجة حرارة أقل من خمس درجات مئوية أما بعض الأغذية المعقمة فتحتاج إلى درجة حرارة الغرفة، لأن المواد الغذائية تخزن على درجات حرارة مختلفة.
وأضاف المالكي أن الرطوبة تمثل عاملا مهما جدا لتخزين المواد الغذائية لأنها تلعب دورا في حياة الميكروبات الضارة وتسمم الغذاء، معززا بذلك دور التعبئة والتغليف في حفظ المادة الغذائية من العوامل الخارجية التي قد تفسد الغذاء
وأشار إلى أن تخزين المواد الغذائية ليس بالأمر السهل سواء من الناحية الصحية أو المادية وذلك معروف لدى المتعاملين مع الأغذية حيث هناك مواد تعتمد طريقة التجميد, مواد تعتمد التبريد ومواد غذائية تعتمد طرق تقليل رطوبة هواء المكان ولكل مادة غذائية طرق تخزين تختلف عن المواد الغذائية الأخرى.
سوء التخزين صديق التسمم
بين المالكي حسب عدد من الدراسات أن أهم الأضرار الناتجة عن سوء التخزين هي التسمم الغذائي وهو عبارة عن مجموعة أعراض تنتج عن تناول أغذية ملوثة بالبكتيريا، أو السموم التي تنتجها هذه الكائنات.
وأكد أن التسمم الغذائي يأتي نتيجة تناول الأغذية الملوثة بأنواع مختلفة من الفيروسات والجراثيم والطفيليات ومواد كيماوية سامة مثل التسمم الناتج عن تناول الفطر، وأظهرت الدراسات المخبرية أن الغذاء المتناول هو السبب المباشر عن طريق زرع البكتيريا المسببة للتسمم ويشكل التسمم الغذائي الناتج عن البكتيريا السبب الرئيسي في أكثر من 80 في المائة من حالات التسمم الغذائي.
وأشارت الدراسات إلى أن حالات التسمم الغذائي التي تؤدي إلى النزلات المعوية تستغرق فترة حضانة المرض من ست ساعات إلى 48 ساعة بعد تناول الطعام الملوث، ومن الممكن أن تمتد إلى 12 يوما وعادة تستمر أعراض المرض من ثلاثة إلى أربعة أيام، مصحوبة أحيانا بارتفاع في درجة الحرارة تصل إلى 50 في المائة من المرضى، وعادة ما تكون آلام البطن في المنطقة المحيطة بالصرة ومنها تنتقل إلى المنطقة السفلى اليمينية من البطن.
ويؤدي التسمم الغذائي إلى التهاب شديد في القولون ما يزيد من فترة المرض إلى عشرة أو خمسة عشر يوما، ويشير ارتفاع درجة حرارة المريض إلى أن البكتيريا وصلت إلى مجرى الدم وهذا تطور مهم ويجب عدم إهماله حيث إن السالمونيلا من الممكن أن تستوطن الأغشية الدماغية أو الصمامات القلبية أو العظام أو المفاصل أما إذا استمر وجود السالمونيلا ولمدة تزيد على السنة فيقال إن المريض أصبح حاملا مزمنا للسالمونيلا وتقدر هذه النسبة بـ 2 ـ 6 في كل ألف مريض وعادة يكون الأطفال وكبار السن أكثر عرضة.
وينتج التسمم الغذائي بعض الأمراض المختلفة والتي يكون المرضى فيها أكثر عرضة لهذا الالتهاب البكتيري، منها أمراض تكسر الدم، والأورام السرطانية، ومرض هبوط المناعة المكتسب، والتهابات القولون المناعية.
الإتلاف.. والغرامات.. هل تكفي؟
ويعلق الدكتور بشير نجم مدير إدارة التراخيص والرقابة التجارية في أمانة جدة على العقوبات تجاه المراكز المخالفة قائلا: إن أمانة جدة تتلف أي مواد غذائية تضبط خارج المواقع إضافة إلى غرامات سوء التخزين التي تقدر بنحو خمسة آلاف ريال حسب اللائحة الخاصة بسوء التخزين ويتم زيادتها ومضاعفتها حسب الكميات المضبوطة
وأكد أبو نجم أنه تم إنذار عدد من المراكز المخالفة لتحزينهم المواد الغذائية خارج مساحات المراكز التجارية وتحت أشعة الشمس وفي درجة حرارة غير صحية وتم إنذارهم بإتلاف تلك المواد وفرض الغرامات المالية
وبين أبو نجم انه تم مخاطبة المراكز التجارية رسميا وتم إبلاغهم بعدم تكرر التجاوزات التي نشاهدها كل موسم وتم فرض العقوبات والغرامات المالية وتم أخذ التعهدات بتخزينها في درجات حرارة مناسبة.
وأشار أبو نجم إلى أنه تم إنذار المراكز التي تكررت بها المخالفات العام الماضي وإيقاع الغرامات المالية على المخالفين وهي بنحو خمسة مراكز تسوق كبيرة وسيتم الآن حجز الكميات وإتلافها وفرض الغرامات المالية على المخالفين نظرا لضرر تناول تلك المواد وآثارها على الصحة العامة وسيتم متابعة تلك المراكز وحجز الكميات المخالفة وإتلافها.
تركستاني: المواد تفسد قبل انتهاء صلاحيتها
من جانبه تحدث الدكتور حبيب الله التركستاني رئيس مجلة عين المستهلك وقال إن الممارسات غير السليمة نجدها تتكرر كل عام ومنها تكدس المواد الغذائية في أماكن غير صالحة للتخزين ولا تتوفر فيها المواصفات الصحية المفروض توافرها للحفاظ على صلاحية تلك المواد حتى تصل للمستهلك بصورة سليمة وصحية وقابلة للاستخدام.
وأشار تركستاني إلى أن تلك الممارسات الخاطئة وطرق التخزين غير الصحية تستخدمها الجهات المسوقة والمراكز التجارية في البيع السريع وتلبية احتياجات السوق من هذه المواد.
وأكد تركستاني أن الأثر سلبي ينعكس على سلامة وصلاحية استخدام هذه المواد والتي تضر بصحة المستهلك، وهذا ناتج عن عدم وجود ضوابط للحيلولة دون قيام مثل هذه الممارسات، ويتطلب الأمر بلا شك المزيد من العمل والرقابة الصحية من قبل الأمانة وتشديد الضوابط والشروط على مستودعات التخزين من قبل الدفاع المدني.
وقال تركستاني إن القضية خطيرة جدا وتهم صحة المستهلك حيث هناك مجموعة من المستهلكين تعرضوا لحالات تسمم غذائي نتيجة استهلاك مواد فسدت قبل انتهاء تاريخ الصلاحية وذلك بسبب سوء التخزين وتعريضها لدرجات حرارة غير صحية وطرق التخزين السيئة (تملي الجيوب) وتنعكس على الصحة العامة للمستهلكين.
جداوي: التخزين على الأرصفة ممنوع
من جانبه يرى العقيد عبد الله جداوي مدير العمليات بالدفاع المدني في محافظة جدة أنه يتم مراقبة المراكز التجارية من خلال الفرق الميدانية لتطبيق العقوبات والغرامات المالية على المراكز التي تقوم بتخزين البضائع خارج حدود الموقع نظرا لاحتمالية تعرض المواد للحريق في أي وقت سواء بتعمد أو بغير تعمد مما يلحق أضرارا بالمركز والمواقع المجاورة.
وأكد جداوي منع التخزين على الأرصفة، وهناك جهات رقابية متخصصة تتابع أسباب التلوث ومراقبة انتهاء الصلاحيات من قبل جهات حكومية ذات علاقة بصحة المستهلك، وهناك جهات رقابية تتابع صلاحيات البضائع والمواد الغذائية لحماية المستهلك.
وبين جداوي أن جهاز الدفاع المدني سمح للمراكز التجارية بمستودعات مستوفية الشروط داخل المراكز تقدر مساحاتها بـ 15 ـ 20 في المائة من المساحة الإجمالية وتكون مستودعات مستوفية للشروط وضوابط السلامة ولا يسمح بالمستودعات المكشوفة لأنها مخالفة للأنظمة والقوانين.
منعا للتلوث الصحي
وكانت أمانة جدة قد شرعت في جولات ميدانية مكثفة للتأكد من تطبيق الاشتراطات الصحية بالمنشآت الغذائية ذات القابلية لحدوث التلوث وفساد المواد المنتجة بها.
وأضاف الدكتور بشير أبو نجم أنه يجري حاليا عمل التحاليل وفحص المواد الأولية للتأكد من صلاحيتها ومطابقتها للمواصفات القياسية السعودية.
وأشار أبو نجم أن هذه الإجراءات من وزارة الشؤون البلدية لتشديد الرقابة والتأكد من اتباع الطرق السليمة الصحية في عمليات حفظ المواد الأولية وتخزينها مع التركيز على درجة حرارة مواقع التخزين حتى لا يؤدي ذلك إلى فساد المواد وتكوين بيئة خصبة لنمو وتكاثر الميكروبات، إضافة إلى التأكد من عدم تخزين المنتج النهائي بشكل عشوائي ومراعاة المواد التي تحتاج إلى ظروف تخزين خاصة.
وقال إن ذلك يأتي في إطار الحرص على تقديم مادة غذائية آمنة وصحية للمستهلكين، مبينا أنه يتم فحص المواد الأولية الداخلة في تصنيع الخبز والحلويات والفطائر كالحليب والشوكولاته والبيض والمواد المنكهة والملونة والمكسرات والنشا الغذائي ومسحوق الخبز.
وأفاد أن الجولات الرقابية تهدف كذلك إلى التأكد من اتباع العاملين بهذه المحال للطرق السليمة عند تصنيع وتداول ونقل المنتجات من مرحلة استلام المواد الخام مروراً بمراحل التجهيز وانتهاء بالتعبئة.
وبين الدكتور أبو نجم أن تعليمات وزارة الشؤون البلدية تشدد على إلزام المنتجين بتنظيم أقسام المنشأة والفصل بينها لتفادي حدوث ما يعرف بالتلوث الخلطي.
وأبان أنه يجري التأكد من حصول جميع العاملين على شهادات صحية سارية، إضافة إلى التأكد من ملائمة مظهرهم والتزامهم بارتداء الزى المناسب والقفازات الواقية، وقال أبو نجم إنه يتم الآن تطبيق العقوبات والجزاءات النظامية على المخالفين للأنظمة والتعليمات.
أزمة مستودعات في جدة
أوضح واصف كابلي نائب رئيس اللجنة التجارية في الغرفة التجارية الصناعية في جدة، أن هناك أزمة في مستودعات جدة, نظرا لارتفاع التكاليف وبعد المسافة مقارنة بمدن الرياض والمدينة المنورة التي خصصت مناطق مستودعات تابعة للغرف التجارية ووزارة التجارة والبلدية.
وأكد كابلي أن قيمة المستودعات في جدة تتجاوز 3-4 أضعاف قيمة المستودعات في مدينة الرياض, رغم أنه لا اختلاف في المساحات ومع توفر كافة الخدمات خارج مستودعات جدة.
وأضاف كابلي قائلا "يجب تحديد مناطق معينة للمستودعات تابعة للغرف التجارية أو التجارة والبلدية حيث إن مدينة المستودعات الحالية بعيدة إضافة إلى مشاكل الحراسات الأمنية المكلفة على المستأجرين وأخيرا الإيجارات المرتفعة".
وأشار كابلي إلي الحرائق المتكررة في مدينة المستودعات وضرورة حل كافة مشاكل التجار مع الجهات الحكومية في المستودعات, مبينا ضرورة تدريب العاملين في المستودعات لمراعاة صحية المواد الغذائية والأصناف ومعرفة درجات الحرارة المناسبة ودرجات الرطوبة والجفاف للمواد الغذائية المحفوظة.
وقال إن المستودعات تختلف صحيتها حسب المواد المخزنة فيها حيث إن المواد الغذائية تختلف درجات حفظها فنجد مواد غذائية تحتاج إلى درجات حرارة معينة, بينما نجد مواد غذائية تحتاج إلى درجات رطوبة أو جفاف محددة.
مطالب حقوقية وتنظيمية
إلى ذلك طالب أكاديميون ومسؤولون حكوميون بتفعيل دور هيئة الغذاء والدواء وحماية المستهلك في وزارة التجارة وأقسام الأسواق بأمانات المدن ومعاقبة الشركات والمؤسسات ومراكز التجزئة ومنافذ التوزيع الصغيرة التي لا تدرك خطورة وأبعاد تصرفات عمالتها والتي تسيء إليها بشكل مباشر من جراء إهمال نقل وحفظ المواد الغذائية سريعة التلف، وأدرك خطورة الظروف البيئية خاصة أن مدنا تقف على موانئ استيراد المواد الغذائية مثل جدة والدمام تعاني من ارتفاع درجة الحرارة والرطوبة وانتشار القوارض والحشرات، الأمر الذي يضاعف من مسؤولية جهاز أمانات المدن إضافة إلى ارتفاع درجة حرارة في فصل الصيف.
حلول عاجلة
*تكثيف الجولات الميدانية الرقابية والصحية.
*تشديد الضوابط والشروط على المستودعات الغذائية.
*تدريب العاملين في المستودعات على الأساليب الصحية السليمة لتخزين المواد الغذائية.