مُشكلة غياب الاستراتيجية عند إعداد التفاصيل
مُشكلة غياب الاستراتيجية عند إعداد التفاصيل
تتجه جامعات المملكة إلى تطوير مناهجها الأكاديمية بما يُؤدي إلى تطوير إمكانات خريجيها، وتحقيق موقع علمي ومهني مُتقدم لهم، ومكانة محلية وعالمية أرفع لها. وفي إطار تنفيذ هذه المهمة، كثيراً ما نجد أن العمل على إعادة النظر في المقررات الأكاديمية وتفصيلاتها يبدأ قبل وضع دليل لهذا العمل. وهذه مُعضلة لها آثارها السلبية لأنها تُؤدي إلى غياب التوجهات اللازمة لمثل هذا العمل، مما يُثير الجدل والخلاف بشأنه، وربما يُعطي في النهاية تغييرات في تفاصيل المناهج والمقررات، تفتقر إلى التكامل الذي يحتاج إليه التطوير المنشود.
ويتمثل دليل العمل، نحو التطوير المنشود، في تحديد التوجهات الاستراتيجية المطلوبة لهذا التطوير. فهذه التوجهات مطلوبة على مستوى الجامعة، فلا بُد لكل جامعة تتطلع إلى التطوير المستمر من استراتيجية تقود إلى نظام مُتكامل يسعى إلى تحقيق أهداف مُحددة. ويجب أن تستند هذه الاستراتيجية إلى الاستراتيجية الوطنية العليا للدولة عموماً، وللتعليم العالي في الدولة على وجه الخصوص. ويُضاف إلى ذلك أن استراتيجية الجامعة يجب أن تكون مُنطلقاً لاستراتيجيات الكليات؛ واستراتيجيات الكليات مُنطلقاً لاستراتيجيات أقسامها، وصولاً إلى مستوى استراتيجيات مناهج الأقسام، والمقررات، كُل على حدة.
وحين تنطلق كل استراتيجية من استراتيجية عند مستوى أعلى، فإنها تأخذ توجهات الاستراتيجية الأعلى، ولكن ضمن المجال المُحدد لعملها، لتعطي توجهات أكثر تفصيلاً لهذا المجال. فإذا كانت الجامعة، على سبيل المثال، تُعطي، ضمن توجهاتها المستقبلية المختلفة المرتبطة باستراتيجية الدولة، تطلعات تقضي بجعل مناهج الجامعة موازية لمناهج الجامعات العالمية، ومُستجيبة لمتطلبات سوق العمل المحلية، فإن على الكليات والأقسام أن تُعد استراتيجياتها، وتُحدد مقرراتها على هذا الأساس. وفي سبيل ذلك، على هذه الكليات والأقسام أن تقوم بدراسة مناهج الجامعات العالمية في حقل تخصصها، إضافة إلى دراسة مُتطلبات سوق العمل المحلية في هذه التخصصات بشكل تفصيلي. وقد تحدثنا في مقال سابق عن مثل هذه الدراسات.
بوجود الاستراتيجية العامة للجامعة، والدراسات سابقة الذكر، على مستوى الكليات والأقسام، تتكون القاعدة المعرفية لوضع الاستراتيجيات التفصيلية لتطوير مناهج الكليات والأقسام، ولتحديد أهداف كل مقرر. وبذلك يصبح العمل على وضع محتويات المقررات مُحدداً وواضحاً، قد يثير النقاش حول تفاصيل أفضل، لكنه لن يثير الجدل حول توجهات المقررات وأهدافها، لأن الأمر في هذا المجال محسوم بالتوجهات المطلوبة، وبالمعرفة التي كونتها الدراسات المقترحة، إضافة إلى خبرات منسوبي الجامعة.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن استراتيجية أي جامعة لا تشمل فقط توجهات مناهجها ومقرراتها، بل تتضمن أيضاً قضايا أخرى كثيرة، منها سياسات القبول، وتوجهات البحث العلمي، ومسألة الدراسات العليا، ومصادر الدعم المالي، والشراكة مع الجهات الخارجية، وتوفير الخدمات المعلوماتية، والمساهمة من الناحية الأكاديمية والبحثية في حل القضايا الوطنية الكبرى وتعزيز التنمية، إضافة إلى قضايا البُعد الدولي، وغير ذلك. ولا شك أن وجود استراتيجية مُتجانسة ومُتكاملة لأي جامعة مُؤشر مهم على وضوح رؤية هذه الجامعة، ووضوح مسيرتها نحو التطوير.
على كل من جامعاتنا أن يكون لديها استراتيجية مُتكاملة، تنبع من الاستراتيجية العامة للدولة، وتوجهاتها بشأن التعليم العالي. ولا بُد من مراجعة هذه الاستراتيجية والتفاصيل المرتبطة بها سنوياً على أساس المتغيرات والخبرات المُكتسبة. إن هذه الاستراتيجية ومراجعتها الدورية هي مسؤولية أعلى سلطة في الجامعة. لكن هذه السلطة يجب أن تجمع لوضعها جميع أصحاب العلاقة، بما يشمل ليس فقط أساتذة الجامعة، بل طلبتها وخريجيها السابقين، إضافة إلى المؤسسات والشركات المستفيدة من خريجي الجامعة ومن بحوثها. ولعلنا نعود إلى موضوع إعداد استراتيجيات الجامعات في مقال قادم بإذن الله.