موسم الشبط الثاني .. رياح شمالية وبرد مباغت

موسم الشبط الثاني .. رياح شمالية وبرد مباغت

موسم الشبط الثاني .. رياح شمالية وبرد مباغت

عايشنا في الفترة الماضية تغيرات ملحوظة في الطقس، ففي فترة وجيزة انتقل فيه الطقس من الاعتدال إلى برودة وصقيع لم تشهدهما المملكة منذ عقود، ثم أعقبه دفء وذلك لأننا ما زلنا نعيش في معمعة الشتاء، ودرجة الحرارة آخذة في الارتفاع تباعا بمرور الأيام، الأمر الذي يجعل المدى الحراري بين درجتي الحرارة الصغرى والكبرى كبيرا، فتعتدل الحرارة نهارا وتنخفض ليلا إلى معدلات متدنية.
وللبرد مواسم عدة فأول مواسمه المربعانية وهي موسم البرد الرطب، ويليها موسم الشبط وهو موسم البرد الجاف، وآخر مواسم البرد موسما برد العجوز وبرد بياع الخبل عباته، وبانتهائهما ينسلخ البرد بجميع مواسمه.
وتتباين درجات الحرارة في المملكة تبايناً واضحاً مرتبطاً ذلك بتوزيع الإشعاع الشمسي والموقع الجغرافي، فتوجد مناطق ذات درجات حرارة مرتفعة، ومناطق ذات درجات حرارة أقل، كما يوجد تباين في التوزيع الفصلي لدرجات الحرارة، ففي المناطق الساحلية تعمل المؤثرات البحرية على خفض درجات الحرارة وتلطيفها في فصل الصيف، كما تعمل على تلطيفها في فصل الشتاء، لكننا نجد أن المناطق الداخلية البعيدة عن المؤثرات البحرية تتباين فيها درجات الحرارة، فهي باردة في فصل الشتاء ومرتفعة في فصل الصيف، كما أن للتضاريس شأناً في اختلاف درجة الحرارة، فمن المعروف أنه كلما ارتفعنا 150 متراً عن سطح الأرض تنخفض درجة الحرارة درجة مئوية واحدة، فالمناطق الجنوبية من المملكة تنخفض فيها درجة الحرارة في فصل الصيف نتيجة لهذا.
ونحن الآن نعيش في موسم الشبط الثاني المسمّى بالبلدة، والبرد في هذا الموسم يكون بردا مباغتا وقارسا يأتينا بعد فترات دفء طويلة، وهو الطالع الخامس من فصل الشتاء، وفيه تبدأ النخيل البواكر في الطلع وفي نهايته يبدأ البرد في الانحسار تدريجيا، الأمر الذي يجعل الماء يكثر جريانه في غصون الشجر، وتبدأ أوراقها في الظهور، فأول الشبط محرق وآخره مورق فتحرث الأرض الزراعية وتسمد كيماويا. وفيه تتزاوج العصافير ويكثر فيه هبوب الرياح الشديدة، الأمر الذي جعل العامة يسمون الشبط ولد (ابن) المربعانية الشقي، ومن شقاوته أنه يقرع الأبواب لذا يُقال في الأسجاع (شباط مقرقع البيبان) إلا أن برده لا يدخل في المنازل كحال المربعانية
ومن أهم مظاهر شبط الثاني كثرة هبوب الرياح الشمالية الشرقية الرطبة الباردة، وذلك نتيجة تساقط الثلوج على المناطق الشمالية من الكرة الأرضية لأن الجزيرة العربية تتأثر بالعواصف الثلجية التي تنتاب أوروبا بين آن وآخر في فصل الشتاء.
وتسيطر على المملكة في أغلب أيام الشتاء أنظمة ضغط مرتفعة، أهمها المرتفع السيبيري والمرتفع المداري والمرتفع الآزوردي إلا أن هذا التأثير غير مباشر ويتمثل ذلك في هبوب رياح شمالية باردة ينتج عنها صفاء تام في الجو وزرقة في السماء تتدنى معها درجة الحرارة إلى معدلات حرجة، كما حصل لنا في الأيام القليلة الماضية لأن المنطقتين الجبليتين في كل من إيران وتركيا قلما تسمحان بمرور الهواء السيبيري القطبي البارد خلال فصل الشتاء، فالعواصف الثلجية تعتكف هناك وما يصل منه إلى المملكة يكون قد خضع لكثير من التغيير الذي يتلخص في درجة حرارته، خاصة في الطبقة القريبة من سطح الأرض، فيصبح الهواء أقل برودة، ففي موطنه الأصلي تنخفض درجته إلى 68 درجة تحت الصفر.
وبسبب هبوب الرياح الشمالية الباردة نسبيا والجافة في موسمي المربعانية والشبط يقل تخلق السحب في هذين الموسمين إلا أنه في بعض الأيام تضعف تلك المرتفعات ويسمح بعبور منخفضات البحر الأبيض المتوسط الحركية التي تتحرك بشكل عام من الغرب إلى الشرق وتصاحب تلك المنخفضات العابرة جبهات هوائية دافئة وباردة، وإذا تهيأت الظروف الجوية الأخرى وخاصة الرطوبة النسبية الكافية، فإن تلك المنخفضات الحركية العابرة يصاحبها سقوط بعض الأمطار.
وتتميز أمطار المملكة بأنها متذبذبة، حيث يوجد تفاوت سنوي في معدلات الأمطار، فتسقط الأمطار بغزارة في إحدى السنوات، ثم تمر سنوات جفاف يقل فيها المطر عن معدله العام، وذلك لارتباط الأمطار بالمنخفضات الجوية.
كما يوجد تفاوت فصلي في كميات الأمطار، ففصل الشتاء هو فصل الأمطار السنوي على جل أنحاء المملكة إلا أن غزارة الأمطار تتمركز في فصل الربيع ولا تسقط الأمطار في فصل الصيف إلا في حالات نادرة ما عدا المناطق الجنوبية من المملكة، وتتأثر الأمطار بعوامل من أهمها: عدد المنخفضات الجوية وخصائصها، فكلما زاد عدد المنخفضات الجوية زادت كميات الأمطار الساقطة على المملكة بشكل عام، لكن يوجد تفاوت في كميات الأمطار المرافقة لهذه المنخفضات حيث ترتبط بخصائص المنخفضات، فالمنخفضات العميقة التي ينخفض داخل مركزها الضغط الجوي تكون أمطارها غزيرة، أما المنخفضات الضحلة فإن أمطارها قليلة.
وأمطار كل موسم تتصف بصفات معينة فأمطار الشتاء تتصف بحبات مطر صغيرة وتكون عامة ودائمة، أما أمطار الصيف فتكون حبات المطر كبيرة ولها صوت دبدبة ومشوبة بغبار عالق وسحبها ركامية على شكل أنصاف دوائر وتتشكل محليا وغزيرة المطر وتكون متفرقة. وبعد أيام سنعيش فترة التداخل بين فصلي الشتاء والربيع وهي فترة مشوبة بكثير من المفاجآت مثل التطرف في درجة الحرارة ونزول الأمطار المتفرقة والزاخة في بعض حالاتها.

باحث الفلكي
عضو الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك

الأكثر قراءة