آفاق الاقتصاد الكلي العالمي أقل إيجابية والأسواق الصاعدة صامدة

آفاق الاقتصاد الكلي العالمي أقل إيجابية والأسواق الصاعدة صامدة

ساءت الأوضاع في الأسواق المالية العالمية منذ نشر آخر عدد من تقرير الاستقرار المالي العالمي في الوقت الذي يزداد فيه اتساع التداعيات الناجمة على أزمة القروض العقارية منخفضة الجودة. وقد ساعدت العمليات المنسقة بين البنوك المركزية، مع تخفيضات أسعار الفائدة، على تخفيف ضغوط السيولة في سوق المعاملات بين البنوك، وإن كانت هذه الضغوط لا تزال قائمة حتى الآن ومن المرجح أن تظل علاوة العائد ثابتة ويرجع ذلك إلى أن هذه الاستثمارات طويلة الأجل مرتفعة المستوى لفترة ما تعكس مشكلات أوسع نطاقا في النظام المالي، مثل تقييم المنتجات المركبة، وتدهور جودة الائتمان، وعدم ثقة الأطراف المقابلة، والضغوط على الميزانيات العمومية.
وقد استمرت زيادة مخاطر الائتمان والسوق، وتبدو آفاق الاقتصاد الكلي العالمية أقل إيجابية من ذي قبل. ووفقا لتقرير حديث للبنك الدولي يشير التحديث الحالي لتوقعات "آفاق الاقتصاد العالمي" إلى حدوث تباطؤ في النمو العالمي. ولا تزال الأسواق الصاعدة صامدة أمام هذه التطورات حتى الآن، حيث أدت إيجابية النمو الأساسي وتحسن مناخ السياسات في البلدان المختلفة إلى دعم استمرار التدفقات الرأسمالية الداخلة الكبيرة، وإن كانت الانخفاضات الأخيرة في أسعار الأسهم تشير إلى أن بعض الأسواق الصاعدة لن تتمكن من اجتناب الآثار الانتشارية من بلدان الأزمة.
ويُلاحَظ أن التطورات التي كانت في البداية محض اختبار لأسواق الائتمان المهيكل والاحتياجات التمويلية التي اقترنت بها قد دخلت الآن مرحلة جديدة مرحلة أصبحت فيها المخاوف الائتمانية تمتد إلى خارج قطاع القروض منخفضة الجودة. وتزداد هذه المرحلة وضوحا من خلال الضغوط الحالية على الميزانيات العمومية لبعض المؤسسات المالية عقب التداعيات الناجمة عن حالة العسر المالي التي مرت بها في وقت أسبق.
وترتفع التكاليف الواقعة على المؤسسات المالية كما تقل قدرتها على استخدام ميزانياتها العمومية في توفير الائتمان اللازم بسبب الضغوط التي تتعرض لها رساميلها، مقترنة بالخسائر الإضافية الناشئة عن حالات التأخر في سداد القروض العقارية الأمريكية ذات الجودة المنخفضة والتي بلغت مستويات مرتفعة قياسية (الشكل البياني 2). ويمكن أن تتفاقم هذه التطورات السلبية إذا ما استمر التدهور في أوضاع الاقتصاد، علما إن الأدلة المستمدة من مسوح الإقراض تشير بالفعل إلى بعض التشديد لمعايير الإقراض.
وفي حين أن الولايات المتحدة لا تزال هي المحور الأساسي لهذه الأحداث، نجد أن بعض الآثار قد طالت البنوك الأوروبية أيضا. وعلى الرغم من أن المؤسسات المالية في المناطق الأخرى تبدو أقل تعرضا لهذا النوع من المخاطر، فلا يزال من الوارد أن تضطر إلى إجراء تخفيضات في قيم القروض ذات الصلة بسوق الرهن العقاري عالي المخاطر.
وإذا ما ازداد عمق الهبوط الاقتصادي في الولايات المتحدة أو غيرها من البلدان، يمكن أن يتسبب ذلك في اتساع نطاق الأزمة متجاوزا قطاع القروض عالية المخاطر مع اتساع نطاق التدهور الحالي في جودة الائتمان. ويُلاحظ بالفعل أن معدلات تأخر السداد بالنسبة لقروض الرهن العقاري الأمريكية عالية الجودة (للمقترضين من الدرجة الأولى) التي يرجع تاريخها إلى عام ???? تتزايد بسرعة أكبر مما كان عليه الحال في الأعوام السابقة وإن بدأت هذه الزيادة من مستويات منخفضة كما أن هناك دلائل على حدوث تدهور أيضا في أشكال أخرى من الائتمان الاستهلاكي. وفي أوروبا الغربية، بدأت الدلائل تشير إلى تباطؤ معدل النمو الائتماني في المستقبل، وهناك بعض الاحتمالات بأن تتدهور جودة الائتمان مع استمرار أنشطة الإقراض القوية في بعض البلدان ومواجهة صعوبات في عدة بلدان سجلت فيها أسواق المساكن أسعارا تعد مبالغا فيها.
وفي كل من الولايات المتحدة وأوروبا، شهد النصف الأول من عام ???? توسعا سريعا أيضا في بعض مجالات النشاط التي يعمل فيها قطاع الشركات مع زيادة عمليات شراء الحصص بالرفع المالي. وقد حدث ارتفاع كبير بالفعل في تكلفة الائتمان التي تتحملها الشركات الأقل جودة، كما ارتفعت المعدلات المتوقعة لعجز الشركات عن السداد بمقدار خمسة أضعاف. وإضافة إلى ذلك، يرجح أن يؤدي تباطؤ الاقتصادات إلى زيادة التقييد الائتماني الراهن كلما ارتفعت معدلات البطالة وتراجع نمو معدلات العمالة.
ولا تزال الأسواق الصاعدة صامدة حتى الآن، ولكنها تواجه تحديات في الفترة المقبلة. وقد تفوق أداء الأسهم في بلدان الأسواق الصاعدة على الأداء المحقق في أسواق الأسهم المتطورة، ولكن الأسعار في عدد من الأسواق سجلت هبوطا حادا منذ بداية العام تأثرا بتوقعات حدوث تباطؤ أسرع في الاقتصاد الأمريكي (الشكل البياني 5). وتظهر أوضح الدلائل على انتشار تداعيات الأزمة من خلال الهبوط الحاد في إصدارات سندات الأسواق الصاعدة الخاصة، لا سيما في بعض بلدان أوروبا الصاعدة التي تعتمد بنوكها اعتمادا شديدا على التمويل الخارجي في دعم النمو الائتماني المحلي السريع ولا تزال البنوك الأجنبية محافظة على دورها الإيجابي في تمويل الائتمان في بلدان أوروبا الشرقية، ولكن حجم هذا التمويل قد يقل إذا تدهورت الأوضاع العالمية وزاد انخفاض التمويل المتاح على مستوى العالم. ورغم وجود بعض الاستثناءات، فقد تمكنت معظم الأسواق الصاعدة من مواصلة اجتذاب تدفقات الحافظة ولا يزال تأثر الأسواق المالية بهذه الاضطرابات أقل بكثير مما حدث في حالات مماثلة سابقة.
وينبغي اعتماد سياسات لمعالجة الضغوط قصيرة الأجل ومتطلبات الاستقرار المالي على المدى الأطول. وهناك عدد من المبادرات في طور الإعداد من جانب القطاع الخاص وفي مختلف المحافل الدولية المعنية بالقطاع العام "ومنها على سبيل المثال منتدى الاستقرار المالي، ومختلف الهيئات المختصة بوضع المعايير، والسلطات الوطنية، وغيرها" بغية استخلاص الدروس من موجة الاضطرابات الحالية. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الموجة لم تنته بعد، ومن ثم لا يمكن اعتبار هذه الدروس نهائية. ومع ذلك، يعمل صندوق النقد الدولي أيضا، بالتعاون مع هذه الجهات، على وضع بعض التوصيات على مستوى السياسات.وبالنظر أولا إلى المدى القصير، يتمثل الهدف في استعادة ثقة الأطراف المقابلة وإعادة بناء السلامة المالية للمؤسسات، ومن ثم تخفيف ضغوط السيولة المستمرة، بما يتيح لأسواق المعاملات بين البنوك أن تعاود العمل بشكل طبيعي ويسمح لأنشطة الوساطة بالاستمرار. ومن التطورات الإيجابية في هذا الصدد أن المؤسسات المؤثرة في النظم المالية، والتي أصاب الضعف ميزانياتها العمومية بدأت تعمل على زيادة رؤوس أموالها (معتمدة على صناديق الثروة السيادية في الحصول على جزء من هذه الزيادة) وتخفيض توزيعات الأرباح.
وللهيئات الرقابية وجهات التدقيق دور أساسي تؤديه لتشجيع الإفصاح المبكر والمتسق والواضح عن حجم المخاطر وقيم القروض منخفضة الجودة وغيرها من السندات ذات الصلة، سواء كانت مدرجة في الميزانية العمومية أو خارجها. وُتعَلَّق أهمية مماثلة أيضا على توضيح المنهجيات والافتراضات التي يستند إليها التقييم. وفي كل هذه الجوانب، يتعين الحفاظ على حالة من التوازن الدقيق تحول دون تفاقم الدورة بسبب أي من الإجراءات المتخذة.وسوف يتعين على البنوك المركزية أن تواصل إسهامها في إدارة المتطلبات المتغيرة للسيولة في أسواق المال ما دامت الحاجة قائمة إلى هذا الإسهام من أجل التأكد من سلاسة عمل الأسواق بما يحد من التداعيات التالية على الاقتصاد الحقيقي. وفي قيام البنوك المركزية بهذا الدور، من الضروري للغاية أن تحافظ على المرونة في التكيف مع احتياجات السوق بإطلاق مبادرات مشتركة والاستفادة من أي مبادرات من هذا القبيل، مثل مبادرة "برنامج التسهيلات المعني بمزادات التمويل لأجَل "التي أعلنها بنك الاحتياطي الفيدرالي، والبنك المركزي الأوروبي، والبنك الوطني السويسري في ديسمبر الماضي.
وثمة قضايا على المدى الأطول أمام القطاع الخاص، والبنوك المركزية وهيئات الرقابة المالية والتنظيم المالي الأخرى، تثيرها فترة عدم الاستقرار الحالية التي تتميز بوجود سوق متطورة وضعف السيولة لدى الجهاز المصرفي. فهيئات التصنيف الائتماني، على سبيل المثال، يمكن أن تعمل على تحسين منهجياتها المتبعة، وتحقيق التمايز بين ما تصدره من تقديرات الجدارة الائتمانية) مثلما اقترحنا في عدد نيسان (أبريل) ???? من تقرير الاستقرار المالي العالمي(، وتقديم مزيد من المعلومات عن حساسية هذه التقديرات للافتراضات التي تستند إليها. وعادة ما يكون تحديد الخط الفاصل بين المؤسسات الخاضعة للتنظيم وغير الخاضعة له مسألة معقدة، ولكن ما اتضح هو أن المؤسسات المالية غير الخاضعة للتنظيم "أو الخاضعة لتنظيم محدود" التي تماثل المؤسسات المالية الخاضعة للتنظيم في نمط رهونها العقارية ومنتجاتها الائتمانية الاستهلاكية ينبغي أن تطبق
عليها اشتراطات الإفصاح نفسها عن البيانات وحماية المستهلكين. ومن المفيد أن تنظر البنوك المركزية في مدى فعالية أدواتها المستخدمة في الحد من ضغوط السوق وما إذا كانت هذه الأدوات تعمل على مستوى العالم. ومن خلال التقريب بين ممارسات البنوك المركزية فيما يتصل بأدوات إدارة السيولة، ويمكن الإسهام في تخفيف الصعوبات التي تواجه هذه البنوك في التعريف بإجراءاتها وتوصيل شواغلها المتعلقة بالاستقرار المالي. ومن الممكن أيضا تعزيز ترتيبات تبادل المعلومات وتنسيق الإجراءات بين الجهات المسؤولة عن الإشراف الرقابي وتوفير السيولة وتسوية الأزمات المصرفية بغية إرساء الاستقرار المالي على المستويين الوطني والعابر للحدود.

الأكثر قراءة