"دافوس" يجمع النقيضين.. تشاؤم المصرفيين وتفاؤل رؤساء الشركات
يكفي لقياس المزاج العام في المنتدى الاقتصادي العالمي "دافوس" هذا العام حيث تجمع زعماء السياسة والأعمال، أن يستدعي المرء رسما بيانيا لحركة أسواق الأسهم على مدى الأسبوع الأخير. فهذه الصورة لأسعار الأسهم وهي تهوي عشية افتتاح المنتدى في منتجع دافوس ثم صعودها الحاد بنهاية الأسبوع تلخص كل شيء .. التشاؤم الشديد من جانب المصرفيين والآراء المتفائلة التي عبر عنها العديد من رؤساء الشركات.
وللقرار الأمريكي المفاجئ يوم الثلاثاء بخفض أسعار الفائدة دور كبير في هذا التحول بالطبع. لكن هذه التقلبات المزاجية في الأسواق خلال الأسبوع تصور بالفعل التوقعات الملتبسة للعديد من بين 2500 مشارك في أعمال المنتدى السنوي.
فرؤساء بعض من كبرى الشركات في العالم يستعدون لتباطؤ اقتصادي في عام 2008 ومع ذلك فإن العديد يتساءلون عما إذا كانت الولايات المتحدة ستنزلق بالفعل إلى كساد، ولأن الاقتصاد مزدهر في الصين والهند فإن حدوث ركود عالمي أمر غير وارد بالنسبة لهم.
وأضاف مارك فوستر الرئيس التنفيذي لوحدة استشارات الأعمال التابعة لشركة اكسنتشر لـ "رويترز" هناك قدر كبير من الثقة في الاقتصاد العالمي الأوسع، الكل يتطلع لاجتياز فترة التقلبات لكني أعتقد أنهم يفعلون ذلك بإحساس داخلي بالثقة. وكان وصف آندرو ليفريز رئيس شركة داو كيميكال للوضع أكثر وضوحا إذ قال ما يحدث يجب ألا يثير جوا مثلما أحدثه تشيكن ليتل، فالسماء لم تسقط مشيرا إلى فيلم الرسوم المتحركة الأمريكي الذي أثار بطله ذعرا شديدا عندما رأى جوزة تسقط من شجرة بلوط فاعتقد أن السماء تنهار على الأرض.
ولم يكن هذا قناعا ارتداه ليواجه به وسائل الأعلام، فقد قال هوارد لوتنيك الرئيس التنفيذي لشركة كانتور فيتزجيرالد للخدمات المالية والتداول إذا توجهت إلى أحد هنا وسألته عن عمله فالجميع باستثناء البنوك سيقولون أعمالنا الأساسية على ما يرام ولم نشعر بأي عواقب. على الأقل لم يكن التشاؤم مطبقا على الجميع، وقال جيرارد ليونز الاقتصادي لدى بنك ستاندارد تشارترد إذا حفرت قليلا فستعثر على بحيرات من الثقة. وسئل بعض واضعي السياسات عن المؤشرات المتباينة الصادرة من عالم الشركات فقدروا أن التحذيرات الواضحة التي تطلقها البنوك تطغى على كل شيء آخر، فالمخاطر التي تحف بالاقتصاد العالمي تضرب بجذورها في اضطرابات أسواق الائتمان والرهن العقاري في الأشهر الستة الأخيرة وكانت وطأتها محسوسة في القوائم المالية للبنوك أكثر من غيرها. وبين جيم فلارتي وزير المالية الكندي لـ"رويترز" المصرفيون مازالوا قلقين يخشون ألا يكون كل شيء قد انكشف بعد. فنحن بحاجة إلى رؤية إفصاح كامل لتعديلات القوائم المالية التي يتعين إجراؤها. لكنه أضاف أن اقتصاد الولايات المتحدة متنوع الموارد وبعض الآراء الأكثر إيجابية تعكس ذلك، إلا أن رؤساء البنوك لم يكونوا في حالة تسمح لهم بالنظر إلى الجانب المشرق. وقال جون ثين الرئيس التنفيذي لشركة ميريل لينش التي أعلنت عن خسائر قدرها 16 مليار دولار مرتبطة بالرهون العقارية المشكلات في السوق الاستهلاكية تنتشر، ومجال القلق التالي هو الائتمان الاستهلاكي. وأوضح وليام رودز رئيس مجلس إدارة مجموعة سيتي جروب التي أعلنت شطب أصول بقيمة عشرة مليارات دولار في الربع الأخير من العام الماضي سيمر بعض الوقت حتى يصل أثر هذه الأمور إلى المنظومة، أعتقد أننا في الشوط الخامس في مباراة من تسعة أشواط. وربما تفسر الآراء المتضاربة تباين ردود فعل البنوك المركزية للازم المالية، قرارات خفض الفائدة التي اتخذها مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) منذ أيلول (سبتمبر) تبين بجلاء خوفه من اتساع نطاق ركود سوق الإسكان وامتداد أثر المشكلات التي تعانيها البنوك إلى الأسر والشركات.
لكن البنك المركزي الأوروبي يصر على أن أولويته القصوى هي الإبقاء على سياسة احتواء التضخم وتوفير سيولة نقدية قصيرة الأجل فقط للبنوك رغم ما تتعرض له من ضغوط لإتاحة الوقت لها لإيجاد مصادر بديلة للتمويل بعد أن جف الكثير من خطوط الائتمان في الوقت الراهن. ورفض البنك خفض الفائدة يرجع في جانب منه على الأقل لاعتقاده أن اقتصاد منطقة اليورو سيجتاز عاصفة أي ركود تشهده الولايات المتحدة، بل إن جان كلود تريشيه رئيس البنك المركزي الأوروبي قال في دافوس لا يوجد تناقض بين استقرار الأسعار والاستقرار المالي. ومع ذلك فإن تحول ميزان القوى في الاقتصاد العالمي وعولمة الأسواق وانطلاق الشركات في العالم النامي من العوامل الأساسية في تبديد التشاؤم. وبين كمال ناث وزير التجارة الهندي مع وجود الهند والصين كمحركين للاقتصاد العالمي فإن مرونتهما ستصبح بمثابة مانع للصدمات.