الشتاء في عيون الشعراء .. مناف وحزن وحاجة للدفء لا تنتهي!
ما إن يشتد البرد حتى تبدأ مفردات الشتاء في التداول على ألسنة الشعراء والقراء، وللشتاء مفرداته كحال كل الفصول الأخرى، إلاّ أنه يتفرد عنهم بقافية تكاد لا تفارق الشعراء حين يدلفون النص من خلال البرد والحاجة إلى الدفء، هذه القافية هي "ادفى" والتي تكررت في الكثير من قصائد الشعراء، هذه القافية تكررت مع الشاعر الأمير بدر بن عبد المحسن والشاعر فهد عافت وهي تأتي دائماً لحاجة الشاعر إلى الحديث عن الدفء، فتأتي بعدها مفردة "منفى" وهو أكثر ما يشبه الشعراء به وحدتهم، الوحدة في الشتاء "منفى"، والجفاء "برد" كما يقول البدر:
بردان أنا تكفى
ابحترق بدفى
بعيونك التحنان
بعيونك المنفى
والله الجفا برد
وقل الوفا برد
والموعد المهجور
ما ينبت الورد
وكما جاءت أيضاً على لسان فهد عافت:
في برد يشبه المنفى !
في ليل يشبه التابوت!
قليل من الحطب وادفا
قليل من التعب وأموت
هناك شعراء آخرون يتجنبون هذه القافية في كتابتهم لكنهم لا يستغنون عنها كلفظ، فتشبيه البرد بالفراق والوصل بالدفء تشبيه شائع جداً بين الشعراء، فمثلاً نايف صقر يقول:
ليلة البرد ما ادفاني الثمام
وصلك أنت الدفا يا سيدي
ويقول في نص آخر:
والبرد فـ كتوف المدينة ترك لي
شال وعباة ودق لفراقك طبول
ويأتي مساعد الرشيدي شبيهاً لكل الشعراء حين قال :
ودع البرد كفٍ ضم يمناك
صافح الود قلبي يوم جيتك
ويواصل نمطية الشعراء مع البرد وإن اختلف قليلاً في قوله:
هذا أنت وإلا من يضم الحشا ضم
هذي يدين البرد وإلا يدينك
حيث لا يزال الوصل والفراق هما اللاعبان الأساسيان في قصيدة البرد والدفء، حتى وهو يعكس المشبه إلى مشبه به والمحرض إلى فعل كان نمطياً جداً في تناوله المسألة :
في زمان كنه البرد، شبيت القصيد
قلت ابدفا والليالي تموت ببردها
الوحيد الذي كتب عن البرد مباشرة كان الشاعر نواف الدبيخي الذي تتردد أبياته مع كل موسم شتاء، وهو الوحيد الذي استطاع أن يبقى بأبياته بعيداً عن نمطية الحديث عن "الفراق/البرد":
ما بقى إلا البرد.. يلمس فيك شعره
والله إني لا أحرقه من نار شوقي
شق صدري.. وأنت تلقى القلب جمرة
خذ دفاها وإترك البرد .. لعروقي
إلاّ أن البدر وعافت لم يقفا عند حد قافية "ادفى" في حديثهما عن البرد، بل إنهما لم يقفا حتى عند حالة "الفراق / البرد" بل وصلا إلى أبعد من ذلك شعراً، فالبدر في إحدى أجمل قصائده كان الصمت هو المحرض لطلب الدفء:
شبي الونس و املي الهبايب بالأصوات
وعدي ضواري وحشتي عن ضلوعي
روحي خلا .. سكانها خوف وسكات
وليلٍ ملا قلبي.. ظلامه يروعي
ما هوب صدري .. ذي مداهيل الآهات
وماهوب جفني .. ذي مقابر دموعي
حبيبتي وان قلتها بعض الأوقات
من عزتي .. ما هي ترى من خضوعي
وأهواك مراتٍ .. وأعاتبك مرات
بالله .. لا تبكين بردي وجوعي
إن طحت فـ اطوي الياس من حب الأموات
هذا رحيلي عنك.. واتلي رجوعي
ويأتي عافت بشكل مختلف آخر، شكل يلغي كل وسائل التدفئة الأدبية التي ظل الشعراء يشعلونها في قصائدهم طوال مواسم الشتاء:
يا آدمي حس! ما جيتك تسمعني
الليل برد وقصيدك ما يدفيني
تراجف عضاي ... صوت الريح يوجعني
وأحس شي ٍّ تغلغل في شراييني
أحس في خطوتي يمك تنازعني
كيف اختصار المسافة بينك وبيني