أزمة الغذاء.. الخيار المتاح

[email protected]

تنفق الحكومة السعودية اليوم, ضمن سعيها لمكافحة التضخم, أكثر من عشرة مليارات ريال سنوياً كإعانات لبعض الواردات وعلى رأسها الشعير الذي يستخدم علفاً للماشية, والأرز, إلى جانب حزمة أخرى من السلع الأساسية. وتأتي تلك الخطوة في إطار برنامج شامل للسيطرة على تكلفة المعيشة أقره مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة بتاريخ 28/1/2008. ومن المتوقع أن تزداد تلك الإعانات وأشكال الدعم الأخرى لمواكبة الارتفاع المتواصل للأسعار في الأسواق العالمية والزيادة المطردة في عدد المواطنين السعوديين.
وبالرغم من أن المملكة قادرة, بإذن الله تعالى, على مواصلة ذلك الدعم لسنوات قادمة بما حباها المولى من موارد مالية يغبطها الآخرون عليها, إلا أننا قد نصل إلى مرحلة في المستقبل القريب نجد فيها عدم كفاية تلك الموارد, مهما كانت ضخامتها, لتوفير ما نحتاج إليه من غذاء, لا لارتفاع الأسعار في مصادر الإنتاج, بل للنقص المتتالي في كميات المحاصيل الزراعية المتاحة للتصدير في الدول المنتجة مايضع الدول المستوردة ومن بينها المملكة في مأزق. وقد نقلت "الاقتصادية" يوم السبت الماضي 19/4/2008 تصريحا على لسان رئيس صندوق النقد الدولي " أن القادم قد يكون الأسوأ بالنسبة لأزمة الغذاء في العالم".
هناك أسباب عدة للتصعيد المنتظر في تلك الأزمة, من بينها التوسع في استخدام المحاصيل الزراعية لإنتاج الوقود الحيوي, ارتفاع مستوى المعيشة في الكثير من الدول ذات الكثافة السكانية العالية كالصين والهند وما شرعت فيه تلك الدول من سياسات تجارية تفضيلية لصالح الاستهلاك المحلي, الزحف المتواصل للمدن على حساب المساحات المخصصة للزراعة, وموجات الجفاف. ومن ثم أصبح لزاماً علينا ونحن في خضم معالجة موجة التضخم الراهنة أن نفكر في خيارات استراتيجية طويلة المدى تكفل لنا إمدادات آمنة ومستقرة من الطعام في ظل أسوأ السيناريوهات المحتملة, وهي مهمة أحسب أن الجهات الرسمية المعنية قد باشرت التعامل معها.
من تلك الخيارات الاستراتيجية ما يجري طرحه الآن في وسائل الإعلام عن الاستثمار في استصلاح وإدارة مساحات زراعية شاسعة في الدول المجاورة الغنية بالمياه لإنتاج المحاصيل التي نحتاج إليها وتوفير المراعي للثروة الحيوانية. بالطبع ذلك الخيار له من المحاسن ما يجعله جديراً بالدراسة والمتابعة على رغم ما يحمله من مخاطر مرتبطة بظاهرة عدم الاستقرار وغياب القوانين التي تحمي رأس المال الأجنبي في كثير من الدول الناميـة. لكن مثل تلك المخاطر يمكن تقليص آثارها وأضرارها من خلال توزيعها على عدد أكبر من الملاك بإشراك دول أخرى ومؤسسات دولية كالبنك الدولي مثلا. ثم إن الانتشار الجغرافي لتلك الاستثمارات المرتقبة في مناطق مختلفة من المعمورة سيوفر لها عناصر أمان إضافية في مواجهة مخاطر عدم الاستقرار أو تغيرات المناخ من جفاف وغيره.
إن التبكير في إطلاق برنامج للاستثمار الخارجي في مناطق تتمتع بمقومات طبيعية تجعلها قادرة على تأمين احتياجات المملكة من الغذاء في المستقبل عامل مهم قبل أن يسبقنا الآخرون إلى تلك المصادر وكذلك قبل أن تتراجع الفوائض المالية في الخزينة العامة. كما أن المملكة لديها مصدر ثروة قيم , ألا و هو النفط، يمكن تسخيره عند التفاوض مع الأطراف الأخرى للحصول على شروط مناسبة وضمانات كافية لاستثماراتها. ولعل من حسن حظ المملكة أن لديها آلية قد تساعد في اختصار الزمن المطلوب لإطلاق ذلك البرنامج, إذ إن هناك شركات سعودية مساهمة مدرجة في السوق تمتلك الدولة حصصا في رأسمالها ولديها خبرة في الاستثمارات الأجنبية في مشاريع غذائية وزراعية يمكن الإفادة منها في البحث عما هناك من فرص متاحة والمبادرة إلى شرائها وإدارتها بدعم مادي من صندوق الاستثمارات العامة (صندوق الأجيال). أي أنه لاينبغي أن نهدر الكثير من الوقت والجهد في تأسيس كيانات أو مؤسسات جديدة ونغفل ما هو قائم ومجرب.
هناك شبه كبير بين حاجتنا اليوم إلى تأمين مصادر للغذاء يعتمد عليها في المستقبل, وبين التجربة التي سبق أن خاضتها الدول الغربية في مطلع القرن الماضي لتأمين مصادر مستقرة لسد حاجتها من الطاقة. صحيح أن الظروف الجغرافية السياسية (الجيوبولتيكية) السائدة اليوم تختلف جذرياً عما كانت عليه قبل مائة عام, غير أننا لن نعدم أن نتعلم درساً أو آخر من تلك التجربة. ولعل أحد تلك الدروس أهمية دور القطاع الخاص في تلك الاستراتيجيات مع عدم التفريط في مسؤولية القطاع العام في الرقابة اللصيقة والتوجيه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي