القمح والأعلاف والمياه

القمح والأعلاف والمياه

القمح والأعلاف والمياه

[email protected]

أشارت دراسات أخيرا للبنك الدولي ـ وحدة الإدارة القطرية الخاصة بالمملكة ـ إلى أن 70 في المائة من المياه المستخدمة للري الزراعي محلياً تعتبر من مصادر مائية غير متجددة. وأن أكثر استهلاك هذه المياه يتم لري محصولي الأعلاف والقمح كما أن كمية المياه التي يتم استخدامها للري الزراعي لكافة المحاصيل (بحسب الدراسة الصادرة في عام 2006) وبلغ مقدارها 21 مليار متر مكعب في السنة، يستهلك منها محصول القمح 5.5 مليار متر مكعب مياه سنويا تقريبا، وقدر استهلاك محصول الأعلاف بكمية بلغت 2.6 مليار متر مكعب، بينما إنتاج التمور قدر استهلاكه بـ 2.8 مليار متر مكعب من المياه.
والواضح أن محصول القمح هو المستهدف الأساسي للتعامل مع التوجه نحو تخفيض كمية المياه التي يتم استخراجها من مكامن المياه الجوفية الواقعة في الطبقات الرسوبية.
وأعتقد أن استهداف محصول القمح في الأساس هو لأنه يبدو لأنصار هذا التوجه الأسهل في إمكانية توقف زراعته تدريجيا بخلاف الأعلاف التي تخضع زراعتها لآلية السوق من عرض وطلب وليس مثل محصول القمح الذي يتم شراؤه من قبل الصوامع.
إلا أنه قد ظهرت متغيرات جديدة تم رصدها خلال الموسمين الماضيين وهي تتعزز بشكل غير مسبوق هذا الموسم:
1 – الارتفاع المطرد في تكلفة إنتاج القمح بسبب زيادة تكاليف الإنتاج التي ارتفعت مثلها مثل معظم السلع الأخرى في المملكة والعالم.
2 – التوسع غير المسبوق في زيادة المساحات المزروعة بأنواع الأعلاف المختلفة وخاصة البرسيم.
هذه المتغيرات أدت إلى صعوبة استمرار المزارعين في زراعة القمح في العديد من المناطق بسبب ارتفاع تكلفة معظم مدخلات الإنتاج كما ذكرنا (بما فيها أسعار أسمدة سابك وحتى اليوريا)! وبالتالي فإن المناطق (ومعظمها شمال المملكة) التي يزيد معدل إنتاجها من القمح على 5.5 طن للهكتار هي التي قد تصمد لوهلة من الزمن في ظل ثبات سعر الشراء من المزارعين وهو ألف ريال للطن الواحد قبل خصم الزكاة والشوائب.
هذا بالتالي أدى إلى توجه العديد من المزارعين إلى توسيع رقعة مساحاتهم الزراعية من الأعلاف على حساب محصول القمح باعتباره أقل تكلفة في الإنتاج ويعد مصدر سيولة سريعة الدوران Cash Crop.
وإذا ما نظرنا إلى حقيقة أخرى فنية، وهي أن معدل استهلاك زراعة الأعلاف من المياه يفوق بكثير مثيله من القمح وبنسبة قد تصل 3 إلى 1!
وتحديدا في بعض المشاريع في وادي الدواسر كان معدل المياه المستخدمة للهكتار الواحد من القمح هو ثمانية آلاف متر مكعب من المياه مقارنة بـ 24 ألف متر مكعب مياه لهكتار محصول البرسيم.
وإذا ما علمنا أن بعض الدراسات الميدانية الخاصة تشير إلى أن المساحات المزروعة بالأعلاف أصبحت لا تقل عن 250 إلى 300 ألف هكتار، فإن هذا يعني أن استهلاك المياه في ازدياد غير مسبوق بسبب التوسع في زراعة الأعلاف. وأن المياه المستخرجة لري الأعلاف تجاوزت بكثير المياه المستخدمة في ري القمح وبما تقدر بسبعة مليارات متر مكعب من المياه ومرشحة للزيادة هذا الموسم إذا ما ظل الحال كما هو عليه, وهذا ما يتناقض مع سياسات ترشيد ووقف هدر المياه!
أما المزارعون والمستثمرون في القطاع الزراعي منذ عدة عقود، وتعد هذه أهم المحاصيل الاقتصادية لهم، فيجدون حاليا أنفسهم في وسط المعادلة الصعبة بين القمح والأعلاف والدراسات المائية الحديثة التي لا يمكن تجاهلها؟
وأخيرا بالنسبة للمواطن العادي الذي ليس له في ذلك أو ذاك فقد يكون عليه الاستعداد لمشاهدة أسعار الخبز والدقيق تحلق عاليا مع أسعار الرز، إذا ما بدئ استيراد القمح من الخارج الذي تزيد تكلفة شرائه حاليا بما لا يقل عن 50 في المائة من القمح المنتج محلياً!
وكان الله في عون المتوكلين ...

*عضو اللجنة الزراعية في غرفة الرياض

الأكثر قراءة