الفصل بين الملكية والإدارة في البنك الأهلي منحه فرصة لتطوير أعماله

الفصل بين الملكية والإدارة في البنك الأهلي منحه فرصة لتطوير أعماله

أكد عبد الله باحمدان رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي أن الحكومة تتصرف مثل أي مساهم آخر في البنك، وهي ممثلة بشكل فاعل في مجلس الإدارة، وشكل دخول الحكومة في البنك أثراً إيجابياً، وأهم الإيجابيات هي الفصل بين الإدارة والملكية، ما أعطى إدارة البنك مرونة أكثر في الإدارة بالتركيز على تطوير أعماله ونشاطاته. وتابع باحمدان، في حوار تنشره "الاقتصادية" اليوم، أن الحكومة لم تتدخل في أي قرار اتخذته إدارة البنك, سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وكل شيء كان يُدار مهنياً، والأشخاص الذين عيّنتهم الحكومة في مجلس الإدارة كانوا مهنيين والقرارات تتخذ من قبل مجلس الإدارة باستقلالية تامة.

في مايلي مزيداً من التفاصيل:

يتربع البنك الأهلي التجاري على قائمة أكبر البنوك العربية والشرق أوسطية، ويحمل إرثاً تاريخياً يزيد على 50 عاماً من العمل المصرفي الشامل، وشهد البنك خلال السنوات الأخيرة تغييرات كبيرة شملت إعادة الهيكلة والإدارات وتطبيق الحوكمة واستحواذ بنوك خارجية وتأسيس شركة الأهلي كابيتال والأهلي للتكافل ضمن توسعة شاملة لتحول البنك إلى "مجموعة الخدمات المالية".
وكان اللقاء مع عبد الله سالم باحمدان، رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي، الذي امتد عطاؤه أكثر من 50 عاماً عمل خلالها في مختلف وظائف البنك وقاد مسيرته في مرحلة مهمة من التحولات التي شهدها البنك، وينشر اللقاء بالتزامن مع مجلة "آفاق الأهلي" الصادرة عن البنك، حيث أجرى مدير تحريرها الزميل حسن العطاس الحوار التالي مع الشيخ باحمدان. فإلى التفاصيل التي تناولت هموم القطاع المصرفي في السعودية والخليج.

أنجزت المملكة خلال الأعوام القليلة الماضية الكثير من الخطط وبرامج الإصلاح الاقتصادي، هل تعتقدون أن القطاع المصرفي استجاب بشكل إيجابي لهذه الإصلاحات؟
لقد أسهمت هذه الإصلاحات بشكل كبير في تحسين البيئة الاقتصادية للمملكة، وبدأنا نشهد زيادة مطردة في عدد الشركات العائلية الراغبة في التحوّل إلى شركات عامة، ونرى حالياً المزيد من الشركات التي تتجه نحو أسواق رأس المال لتلبية احتياجاتها التمويلية بعيداً عن القنوات المصرفية التقليدية. إلى جانب دخول القطاع الخاص شريكاً رئيساً في إدارة وتمويل مشاريع متنوعة مع الحكومة على غرار المدن الاقتصادية. ومن هذه التطورات برزت الحاجة إلى إنشاء بنوك استثمارية لتقديم الاستشارات المالية وإدارة الاكتتابات وإصدار السندات وإعادة الهيكلة وأعمال الدمج والحيازة وكذلك التخصيص. ونتيجة لهذا الانفتاح وتحسين بيئة الاستثمار بادرت مؤسسات التصنيف الدولية برفع درجة التصنيف السيادي للمملكة إلى (A+) في نهاية عام 2006.
وبالنسبة للشق الثاني من السؤال، حول استجابة القطاع المصرفي لهذه الإصلاحات والفرص التي أتاحها.. في اعتقادي أن الإجابة نعم، والدليل على ذلك أن القطاع المصرفي السعودي في الفترة الحالية يشهد المزيد من التوسع والدخول في مجالات لم تكن موجودة في السابق كالتأمين وتمويل المساكن، ما أتاح لها خلق فرص جديدة للتوسع في مجال تقديم الخدمات والمنتجات المصرفية والمالية التي تلبي احتياجات مختلف العملاء. كما نرى التوسع في نشاط المصرفية الاستثمارية من إدارة الاكتتابات وإصدار السندات إلى تمويل المشاريع العملاقة في قطاع البتروكيماويات والمرافق. ومما لا شك فيه أن فرص التمويل الكبيرة مستقبلاً ستتركز على بعض القطاعات، مثل: توليد الطاقة، تحلية المياه، صناعة الغاز والبتروكيماويات، وكذلك مشاريع البنية التحتية من طرق ومطارات ومدن صناعية.

ما أبرز التحديات التي تواجه القطاع المصرفي السعودي حاليا من واقع خبرتكم الطويلة؟
يمكن أن ألخصها في ثلاث نقاط رئيسة:
* ظهور منافسين جُدد، ليس فقط من أوساط البنوك الأجنبية، بل أيضاً من بنوك دول مجلس التعاون الخليجي، فضلاً عن المؤسسات المالية المتخصصة غير المصرفية، مثل بيوتات الوساطة، والبنوك الاستثمارية، والوحدات التجارية المتخصصة في تمويل المستهلك.
* تعاظم وتقارب المزايا التنافسية فيما بين البنوك السعودية.
* التحولات السريعة في سلوك وتوقعات العملاء، وتكوَن مجالات أعمال جديدة ستجذب المزيد من المنافسة للمؤسسات المالية.
بيد أننا نرى في خضم هذه التحديات أن هناك فرصاً هائلة؛ حيث تنمو منتجات وشرائح عملاء جديدة نمواً سريعاً في قطاعي المصرفية الاستثمارية، كما في إدارة الأصول والتخطيط المالي، وأيضاً في التأمين والتمويل بالرهن، والإيجار المنتهي بالشراء في السيارات، وفي تمويل المشاريع الضخمة، وتمويل المشاريع التجارية الصناعية الصغيرة.
لذا يتطلب من جميع البنوك أن تكون دائماً على وعي بمتطلبات العملاء المتغيرة، وأن تُحدِّث استراتيجياتها لتتهيأ للمنافسة المتزايدة من قبل البنوك العالمية التي تدخل البلاد.

خدمة المجتمع واحدة من أهم مجالات إسهامات البنوك والشركات والمؤسسات الأهلية في التنمية، ما استراتيجيتكم في هذا المجال؟
نعتز في البنك الأهلي بأننا جزء من مجتمع بلادنا العزيزة على مدى أكثر من 50 عاما. ومنذ تأسيسه في عام 1953، لعب البنك الأهلي دوراً ملموساً في خدمة المجتمع عبر الكثير من أشكال الدعم الاجتماعي. وتأكيداً لهذا التوجه، قام البنك منذ أربعة أعوام بتأسيس وحدة متخصصة لخدمة المجتمع تتبع مباشرة للرئيس التنفيذي وذلك تحقيقاً لرؤية البنك في إضفاء الطابع المؤسسي على هذا النشاط المهم الذي يعكس التزام مؤسسات الأعمال نحو دعم وتطوير المجتمعات التي تعمل فيها. وتأكيداً لمسؤوليتنا الاجتماعية، عكف البنك على وضع رؤيته الاستراتيجية الخاصة بدعم المجتمع ويقوم بتنفيذها عبر الكثير من البرامج التي تُغطي اهتمامات اجتماعية رئيسة تشمل التعليم والتدريب والتوظيف والخدمات الصحية والعمل الخيري عبر الجمعيات المسجلة رسمياً ومن خلال تعاون استراتيجي مع شركات ومؤسسات سعودية غير ربحية وتؤمن بالمبادئ نفسها.
وخلال الأعوام الماضية نفذ البنك العديد من المشاريع الاجتماعية وقدم أشكالاً متعددة من أشكال الدعم المادي والمعنوي في مختلف المجالات. وفي العام الماضي 2006 نفذ البنك أكثر من 100 مشروع اجتماعي استفاد منها 14274 مواطناً ومواطنة و297 مؤسسة. كما قام البنك بالتبرع بـالعشرات من أجهزة غسيل الكلى لعدد من المستشفيات الحكومية، وسيارات إسعاف للعناية المركزة لجمعية الهلال الأحمر السعودية، كما تم إنشاء وتجديد عدد من معامل الحاسب الآلي في مختلف الجامعات السعودية، إلى جانب الكثير من البرامج الاجتماعية الأخرى.

بعد التحولات التي أدت إلى دخول الحكومة كأكبر مساهم في البنك, هل أدت إلى صعوبة اتخاذ القرار في البنك؟
كلا، فالحكومة تتصرف مثل أي مساهم آخر في البنك، وهي ممثلة بشكل فعّال في مجلس الإدارة، ولقد شكل دخول الحكومة في البنك أثراً إيجابياً، وأهم الإيجابيات هي الفصل بين الإدارة والملكية، ما أعطى إدارة البنك مرونة أكثر في الإدارة بالتركيز على تطوير أعماله ونشاطاته، والحكومة لم تتدخل في أي قرار اتخذته إدارة البنك, سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وكل شيء كان يدار مهنياً، والأشخاص الذين عينتهم الحكومة في مجلس الإدارة كانوا مهنيين والقرارات تتخذ من قبل مجلس الإدارة باستقلالية تامة.

ما أبرز الملامح العامة لتوجهاتكم الاستراتيجية في البنك الأهلي للسنوات المقبلة؟
قمنا بإعادة النظر في استراتيجيتنا وفق متطلبات السوق واحتياجاتها حتى نكون قادرين على المنافسة.. وقد طورنا في واقع الأمر رؤيتنا السابقة التي كانت تتضمن رغبتنا في أن نكون البنك الأول في المملكة العربية السعودية، لتصبح رؤيتنا الجديدة أن نكون "المجموعة المالية الرائدة إقليمياً".
وعلى ضوء ذلك أصبح تركيز البنك ينصب الآن على خمسة مجالات رئيسة تتمحور حولها آمال وطموحات البنك، وهي أن نكون: الرواد في المصرفية الإسلامية للأفراد، وفي التمويل الشخصي، وفي إدارة الثروات، إلى جانب أن نكون الاختيار الأفضل في مصرفية الشركات، وفي المصرفية الاستثمارية وإدارة الأصول.
وتعزيزاً لمساعي البنك نحو دعم توجهه الاستراتيجي فقد قمنا بالعديد من المبادرات منها:
* التوصية بزيادة رأسمال البنك من تسعة مليارت ريال إلى 15 مليار ريال، وذلك بهدف دعم المركز المالي للبنك وتوفير القاعدة الرأسمالية الأساسية التي ستتيح للبنك النمو والتوسع في المستقبل.
* تأسيس شركة "الأهلي كابيتال" لخدمات الاستثمار وإدارة الأصول في المملكة ذات توجه إقليمي، وهي أوَّل شركة يمتلكها بنك وطني تم تأسيسها في المملكه لإدارة الأصول والاستثمار. وستكون هذه الشركة وسيلتنا لتقديم الخدمات الاستثمارية وقاطرتنا لعبور الحدود الإقليمية، وقد قمنا بتوقيع تحالف استراتيجي مع مجموعة جولدمان ساكس الدولية في العديد من مجالات العمل داخل المملكة وكذلك في مجالات العمل المرتبطة بالمملكة في الخارج.
* تأسيس شركة "الأهلي للتكافل" مع شركاء استراتيجيين لتشكل رافداً جديداً لنشاطات البنك.
* والخطوة الكبيرة التي قام بها البنك وتشكل منعطفاً تاريخياً في مسيرته وتوجهه نحو المستقبل في إطار التوجهات المعلنة للتوسع إقليمياً قيامنا أخيرا بتملك 60 في المائة من بنك تركيا فاينانس كاتليم الذي يعد البنك الرائد في قطاع بنوك المشاركة (الإسلامية) في تركيا.

بعد مرور عدة سنوات على التحول إلى المصرفية الإسلامية في فروع البنك، كيف تقيّمون هذه التجربة الآن؟
إننا ننظر بتفاؤل وإعجاب كبيرين إلى النتائج التي حققتها تجربتنا في المصرفية الإسلامية.. ففي عام 1990 كانت البداية متواضعة بتقديم بعض الخدمات والمنتجات المصرفية المطابقة لأحكام الشريعة الإسلامية من خلال فرع واحد (وهو فرع شارع حائل بجدة)، وبفضل حجم الإقبال المتزايد من قبل العملاء والمستثمرين شهدت هذه التجربة توسعاً مضطرداً، وفي عام 2003 أصدر مجلس الإدارة قراره الاستراتيجي بتحويل جميع فروع البنك إلى العمل المصرفي الإسلامي، وأصبحت الخدمات المصرفية الإسلامية في البنك اليوم تقدم من خلال شبكة فروع البنك التي تغطي مختلف أنحاء المملكة، وهي تجربة متفردة واستثنائية قامت على نهج متميز.
كما تجلت نجاحاتنا في المصرفية الإسلامية في ابتكار العديد من المنتجات الرائدة، فقد حقق منتج التيسير اختراقاً كبيراً في مجال التمويل الشخصي الإسلامي، وكان الأول من نوعه في العالم، كما كان لنا السبق في أن نكون أول بنك في العالم يقدم بطاقة ائتمان وتقسيط إسلامية مبنية على التورق. وأخيراً طرح البنك منتج التأجير المنتهي بالتمليك وهو الأول من نوعه في السوق السعودية. هذا إضافة إلى عشرات الهياكل التي جرى تطويرها ضمن وحدة مختصة بالتطوير والابتكار، الأمر الذي منح البنك الأهلي ريادة العمل المصرفي الإسلامي على المستوى العالمي. وخير دليل على ذلك قيام بنك أم القوين في دولة الإمارات أخيرا، بتوقيع اتفاقية تعاون منا للاستفادة من خبرات "الأهلي" العريقة في مجال المصرفية الإسلامية، إلى جانب فوزنا بجائزة مجلة أرابيان بزنس "كأفضل مصرف إسلامي على مستوى الشرق الأوسط" لعام2007.
إنها مؤشرات تشجعنا على مواصلة الجهود لأن نكون الرواد في الخدمات المصرفية الإسلامية لأهميتها الراهنة والمستقبلية، ولإيماننا بأن العمل المصرفي الإسلامي سيمثل حجر الزاوية في مواجهة تحديات العولمة..

توليتم رئاسة مجلس إدارة البنك في عام 1999 وكان يمر في مرحلة صعبة، كيف استطعتم تجاوز هذه المرحلة؟
لقد كان من أولوياتنا في عام 1999 وضع استراتيجية جديدة للسنوات الثلاث المقبلة ترمي إلى إعادة هيكلة ميزانية البنك وإعادة التوازن إلى مكوناتها وبناء المخصصات اللازمة للديون المتعثرة بما يتناسب مع المعايير العالمية. فكما تذكرون كانت هناك خطوة جريئة جداً تم بموجبها تكوين مخصص 100 في المائة للديون المتعثرة بنحو 6.5 مليار ريال، وهي مبالغ هائلة ومؤثرة في رأسمال البنك، ما جعل البنك يسجل خسارة في نهاية ذلك العام بلغت 5.5 مليار ريال. وعلى إثر ذلك قرر مجلس الإدارة عدم توزيع أرباح للسنوات المقبلة حتى تعود الملكية إلى ما كنت عليه قبل عام 1999 كحد أدنى.
وقمنا بوضع أهداف واضحة أمام الجميع، والكل أصبح يتحدث بلغة واحدة، واتخذنا خطوات وقرارات صعبة، حيث قرر المجلس بناء مخصصات إضافية لمحفظة الديون المتحركة بما يساوي 1.3 في المائة من إجمالي هذه المحفظة، وقمنا باستثمار مبالغ كبيرة في التقنية بتحديث جميع نظم الحاسب الآلي, الأمر الذي وضعنا خلال هذه الفترة الوجيزة في مصاف البنوك الأكثر تقدماً في خدماتنا الإلكترونية ونظم المعلومات. كما أولت الإدارة اهتماماً كبيراً ببناء فريق إداري متميز من حيث التأهيل والأداء والمهنية العالية, وقد عملنا على استقطاب الكوادر السعودية في مختلف التخصصات من داخل البنك وخارجه.
وفي الجانب الإداري طبقنا وسائل إدارية حديثة ومتقدمة في مجال التخطيط الاستراتيجي والموازنـة التقديرية وتطبيق بطاقة الأداء على مختلف مستويات البنك، ووضع برامج التدريب والتأهيل والتقييم والتحفيز والتركيز على التميز في الأداء.
ونتيجة للأداء القوي للبنك شهدت الفترة بين عام 2000 إلى 2002 تحولاً كبيراً في جميع المجالات, حيث حولنا البنك من حالة الخسائر الناتجة من مخصصات الديون العالية إلى ربحية، وفيما كان البنك الأهلي التجاري ضمن المصارف الثلاثة الأقل أداءً في عام 1998 أصبح الأفضل أداءً في المملكة. وبلغ ربح السهم في نهاية عام 2002 40.5 ريال أي بزيادة 129 في المائة عن عام 1998.
وفي الواقع كان عام 1999 عاماً تحولياً بحق، فقد قام صندوق الاستثمارات العامة بشراء حصة كبيرة من ملكية البنك، وتم بيع 10 في المائة منها إلى التأمينات الاجتماعية، كما تم تشكيل مجلس إدارة جديد، كان عوناً قوياً وسنداً داعماً لكل الإجراءات والمعالجات الكبرى التي شهدها البنك منذ ذلك الوقت، ولذلك فإن عام 1999 كان عاماً مفصلياً تم خلاله كتابة تاريخ جديد لهذه المؤسسة العريقة.

لماذا استشعرتم ضرورة أن يتحمل البنك خسارة تبلغ 5.5 مليار ريال، في الوقت الذي تزيد فيه مخصصات الديون المعدومة والمشكوك في تحصيلها؟
في نهاية عام 1998 بلغت نسبة تغطية الديون المتعثرة نحو 50 في المائة، وهي أدنى نسبة بين البنوك السعودية. وبعد فترة وجيزة من تعيين مجلس الإدارة وإدارة البنك في عام 1999، قمت بتكليف لجنة لمراجعة محفظة القروض بصورة شاملة للتحقق من جودتها، ونتيجة لذلك اتضح أن مخصصات خسائر القروض ينبغي أن ترتفع إلى 6.5 مليار ريال، وعند إضافة هذا الرقم إلى الدخل الناتج عن العمليات لعام 1999 (وهو 1.1 مليار ريال) نتجت خسارة صافية في الدخل بلغت 5.5 مليار ريال لذلك العام. وفيما بعد، أقر مجلس الإدارة تكوين مخصص عام إضافي يمثل 1.3 في المائة من محفظة القروض العاملة. وبناء على ذلك، بلغت نسبة تغطية المخصصات في نهاية عام 2002 نحو 108 في المائة، وهي من أعلى النسب في المملكة. وقد كان ذلك قراراً بالغ الصعوبة، ولكن كان لا بد منه لتعزيز مسيرة البنك.
وفي الحقيقة، لقد وفرت الإجراءات التي اتخذها مجلس الإدارة لتعزيز الموازنة العامة للبنك بتخصيص مخصصات وافية وإعادة بناء رأسمال البنك، إضافة إلى إعادة هيكلة موجودات البنك لتعظيم العائد عليها، مصحوبة بما اتخذته إدارة البنك من إجراءات لتحسين أدائه وربحيته، أرضية صلبة للانطلاق نحو المستقبل وليبدأ رحلة الألفية الجديدة بتطلعات عالمية واسعة النطاق..

ما أهم النجاحات التي حققتموها خلال الألفية الجديدة بخلاف المصرفية الإسلامية؟
لا شك أن النجاحات كما ذكرتم عديدة ويصعب حصرها في هذا المقام، وإذا كان لي أن أحدد جانباً قد يلي التحول للمصرفية في أهميته، فيمكنني أن أذكر لك التطور التقني الذي حققه البنك منذ عام 1999 حتى اليوم.. لقد حرص البنك الأهلي خلال الأعوام الأخيرة على استقطاب وتوطين أحدث التقنيات المصرفية، بدءاً ببطاقات الصرف الممغنطة وأجهزة الصرف الآلي، ومروراً بالخدمات المتنوعة لهاتف الأهلي المصرفي، ووصولاً إلى خيارات واسعة من الخدمات الإلكترونية التي أصبح البنك يقدمها لعملائه بيسر وأمان مصرفي فائق الدقة عبر شبكة الإنترنت والهاتف الجوال والأهلي للتجارة ووساطة الأهلي الدولية. ويعد البنك الأهلي التجاري اليوم رائداً في الخدمات المصرفية الإلكترونية على مستوى المنطقة, حيث تنفذ نسبة 87 في المائة من عملياته إلكترونياً.
إن النجاحات التي حققها البنك في المرحلة الأخيرة تتجلى في حصوله على أعلى درجات التصنيف المصرفي في المملكة، وفي الجوائز التي حصلنا عليها من كبرى بيوت الخبرة والتقييم الدولية، للعديد من منتجاتنا المبتكرة في المجال المصرفي، وكذا في باعنا الطويل وتجاربنا الفريدة التي أصبحت مجالاً للاقتباس في قطاعات مصرفية لدول بعيدة نسبياً من الناحية الجغرافية عن المملكة، الأمر الذي نعده مصدر فخر ليس فقط للبنك الأهلي التجاري وإنما للقطاع المصرفي السعودي بشكل عام.
إن هذه النجاحات وإن كانت مصدر فخر واعتزاز لنا، فإنها بالقدر ذاته تمثل تحدياً لمواجهة المستقبل حتى نواصل البناء والسير بهذه التجربة نحو نجاحات وإنجازات جديدة. وتأكيداً على ذلك فقد حرصت الإدارة العليا للبنك على تبني استراتيجية جديدة في المستقبل، تتضمن جملة من الأهداف التي ينبغي أن تتركز عليها جهودنا وطاقاتنا خلال الأعوام المقبلة.

أبديتم اهتماماً شخصياً بموضوع الحوكمة وأصدرتم العديد من القرارات بخصوص تطبيق نظام الحاكمية، نرجو تزويدنا بالمزيد من التفاصيل؟
لا شك أن وجود نظام حاكمية جيد للشركات مطلب يحظى بأولوية عالمية.. وهذا النظام يوفر للملاك ولحملة الأسهم وللسلطات المنظمة الإدارة التي تؤمن لهم شفافية الإجراءات والنظم والتعريف الواضح المحدد للمهام والصلاحيات والمسؤوليات، ما يساعد على توجيه العمل اليومي وإدارته بكفاءة كما هو بالنسبة للخطط البعيدة المدى بين مختلف إدارات البنك.
وفي حقيقة الأمر يهدف مشروع الحوكمة إلى وضع أساس يسمح بوجود أداء فعال، ومنظم وإنجاز في الوقت المحدد، وهي منهجية في إدارة المؤسسات تقوم على مزيد من التمايز والفصل بين الإدارة التنفيذية وبين مجلس الإدارة والجهات الرقابية المختلفة، والقضاء على الازدواجية والثغرات السلبية حيثما وجدت. والتعريف بشكل واضح ومحدد للمسؤوليات والمهام وبالتالي المساءلة والمحاسبة على مختلف مستويات البنك إدارات وأفرادا، وفي الوقت نفسه وضع الروابط بين مختلف إدارات البنك بصورة منظمة ما يسمح بشفافية إجراءات اتخاذ القرارات وقنوات التنفيذ وبشكل مجرد من الغموض والالتباس.
ولتحقيق هذه الغاية قام البنك بالاستعانة بأحد أكبر بيوت الاستشارات العالمية، وذلك بهدف تكوين بنية كاملة للحوكمة المؤسساتية تفصل بشكل واضح بين دور مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية في البنك من حيث الصلاحيات والمسؤوليات ومعايير قياس الأداء. وهو ما انبثق عن مشروع أخذ أكثر من ثمانية أشهر وتبناه مجلس إدارة البنك. وتم بموجبه إلغاء وظيفة العضو المنتدب والاكتفاء بوظيفة رئيس مجلس الإدارة، بحيث لم يعد رئيس مجلس الإدارة يشغل مركز العضو المنتدب. وكما هو معروف, فإن عملية الفصل في الأدوار هي من أهم مبادئ الحوكمة، كما تضمنت إلغاء منصب المدير العام واستبداله بمنصب الرئيس التنفيذي، وتم تكوين عدة لجان متخصصة لمعاونة المجلس في اتخاذ القرارات التي تعينه على رسم السياسات العامة للبنك. وبذلك أصبح اليوم لدى البنك الأهلي التجاري فصل كامل بين دور مجلس الإدارة ودور الإدارة التنفيذية، فمهمة مجلس الإدارة هي وضع الإطار العام لعمل البنك من خلال اعتماد الاستراتيجيات وتعيين الإدارة التنفيذية ومحاسبتها دون التدخل في الأمور التنفيذية. أما الإدارة التنفيذية فتأخذ صلاحيتها من المجلس وهي مطالبة بتنفيذ وتفعيل الاستراتيجيات الموضوعة والمتفق عليها مع المجلس، ورفع التقارير الدورية ومراجعة الأداء مع المجلس بصورة دائمة.
وفي اعتقادي الشخصي أن تبني البنك نظام الحوكمة وتطبيقه بشكل جيد سيدعم بشكل أكبر علاقة العمل الجيدة التي يتمتع بها البنك والمفعمة بالتفاهم والانسجام بين مجلس الإدارة وفريق الإدارة التنفيذية. وستسهم الكفاءة الفاعلية التي يوفرها هذا النظام في إعطائنا ميزة تنافسية في القطاع المصرفي، تمكننا من تقديم خدمة جيدة، بسرعة ودون أخطاء.
لقد بدأنا تنفيذ هذا المشروع في قمة هرم الهيكل الإداري كما هو واضح من القرارات التي اتخذت حتى الآن، والعمل في هذا الإطار سيتواصل، بإذن الله، في المستقبل، إذ إن مهمتنا هي تطبيق مبدأ نظام حوكمة جيد عبر البنك ككل من القمة إلى القاعدة.

وما انعكاس ذلك النظام على مجلس الإدارة؟
مجلس الإدارة في النهاية هو المسؤول أولاً وأخيراً عن إدارة البنك تجاه حملة الأسهم وتجاه السلطات المنظمة.. وسيكون أكثر صعوبة على مجلس الإدارة ممارسة مسؤولياته، أو إخلاء جانبه من المسؤولية في حالة غياب نظام حوكمة ملائم، يدعم جهود المجلس، والحوكمة تساعد المجلس على تبني القرار المناسب في الوقت المناسب بقدر كبير من الفاعلية.
لذلك فإن مشروع الحوكمة الذي بدأنا في تطبيقه سيمكن المجلس من القيام بمسؤولياته بواسطة الآتي:
أ‌- رئيس مجلس إدارة نشط وفاعل وهو يمثل عنصر ربط رئيس بين المجلس وفريق الإدارة التنفيذية.
ب‌- منظومة من اللجان التابعة لمجلس الإدارة لمتابعة ومراقبة الأداء، حيث قمنا خلال عام 2006 بإضافة لجان جديدة وهي: لجنة الائتمان، لجنة إدارة المخاطر، ولجنة الترشيحات والمكافآت، إضافة إلى اللجنتين الحاليتين وهما اللجنة التنفيذية ولجنة المراجعة. وقد أضفى ذلك على عملية اتخاذ القرار في البنك مزيداً من الشفافية والدقة والسرعة, ما مكن البنك من استقراء احتياجات العملاء بصورة أفضل والإسراع بطرح المنتجات الجديدة التي تواكب متطلبات السوق.
ج- إعداد ورفع تقارير بصورة دورية ومنتظمة من مصادر مختلفة في البنك تبقي المجلس على اطلاع بجميع الأمور المهمة مثل الأداء مقابل الاستراتيجيات والخطط، النتائج المالية، نوعية محفظة القروض، تطور الأسواق، والمبادرات الجديدة، وخلافه.
بجانب ذلك فإن الحوكمة تتيح الوسائل الضرورية لفريق العمل التنفيذي للقيام بأداء متميز مثل التوسع في تفويض الصلاحيات. كما أنه سيتوفر الاطمئنان لدى مجلس الإدارة بخصوص سير العمل في البنك من خلال التفاعل بين فريق الإدارة التنفيذية ورئيس مجلس الإدارة واللجان المعنية. إضافة إلى التقارير التي يزود بها مجلس الإدارة أولاً بأول.

كيف سيكون دوركم كرئيس لمجلس الإدارة في دفع جهود الحوكمة وتطبيقها؟
لقد ركزنا على تقوية الأنظمة الداخلية لتعزيز الحاكمية المؤسساتية السليمة، حيث أنشأنا إدارة الالتزام، للتأكد من التزام إدارات البنك بتطبيق التعليمات والأنظمة بما يتفق والمعايير المهنية. كما جرى استحداث نظام داخلي يُعرِّف بسياسات البنك وأنظمته والتي جسدت حرص مجلس إدارة البنك على تجنب أية ممارسات مخالفة للتعليمات تتعارض مع سياسة البنك وتوجهاته.
وبناء عليه, فإن ممارستي لمسؤولياتي الإشرافية والرقابية تكون من خلال الإدارات التابعة لي مثل إدارة المراجعة وإدارة الالتزام، مع متابعة تنفيذ الاستراتيجيات والخطط عن كثب. ولتحقيق ذلك بكفاءة عالية، كونت ما أسميته منتدى الرئيس Chairman's Forum برئاستي وعضوية الرئيس التنفيذي وعدد محدود من الإدارة العليا نجتمع شهرياً لمناقشة كل ما يتعلق بإدارة البنك في إطار خططه واستراتيجياته ومناقشة توجهاته المستقبلية على ضوء المتغيرات المختلفة، وسأعمل على إيجاد فهم أكبر وأكمل لاحتياجات وأهداف كل من مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية وتأمين قدرة كل طرف على تحمل مسؤولياته، مع قيامي بتأمين الحماية لمصالح البنك عموماً ضد أية تصرفات أو إجراءات تلحق الضرر بها. كما أن دوري هذا يوفر الحماية من التداخلات السلبية في المهام والصلاحيات ويساعد على تنظيم تدفق الإجراءات بين طرف وآخر.

هل تعتقدون أن المناخ السائد في المملكة الآن يساعد على تطبيق الحوكمة بفاعلية أكبر؟
نعم، فقد أسهمت الإجراءات التي تبنتها مؤسسة النقد العربي السعودي على مستوى القطاع المصرفي المحلي في تصنيف المملكة ضمن قائمة الدول عالية الالتزام بمعايير مراقبة تطبيق الأنظمة. وأخيرا قامت هيئة سوق المال بإصدار لائحة حوكمة الشركات في السعودية المدرجة بالسوق المالية تمهيداً لتطبيقها. وعموماً فإن تطبيق نظام الحوكمة سيكون جيداً للقطاع المصرفي السعودي، بل وللنظام المالي ككل.

كيف يواجه البنك الأهلي متطلبات تطبيق معايير بازل "2"؟
في الحقيقة، متطلبات لجنة بازل "2" تعد تحدياً كبيراً حيث إنها تتطلب وجود بنية تحتية ونظم معلومات تمكننا من الوصول إلى تحليل كمي لمخاطرنا. وقد بدأنا فعلاً في تنفيذ بعض المشاريع المتعلقة بمتطلبات بازل، ونأمل أن نكون قد قطعنا شوطاً كبيراً في هذا المجال. كما واكب البنك التطورات المتلاحقة فيما يخص كفاية رأس المال ويلتزم بأعلى مستويات التطبيقات العالمية فيما يخص معايير بازل (2), الأمر الذي جعله في وضع قوي عند نحو 26.8 في المائة بناء على نتائج 2006.
إلى جانب ذلك نعمل على تطبيق آخر المستجدات المتعلقة بقوانين المخاطر المصرفية المختلفة (ائتمانية/ تشغيلية/ سوقية) وفقاً لمعايير بازل، وذلك من خلال تقوية إدارة المخاطر وتزويدها بالكوادر البشرية ذات الخبرة العالية في هذه المجالات وإدخال مختلف الأنظمة التقنية لتحقيق الأهداف المتوخاة، وكل تلك الجوانب تجد اهتماماً واضحاً من مجلس الإدارة.

كيف ترون تأثير اتفاقيات التجارة العالمية في الاقتصاد السعودي وقدرته على التكيف مع التغيرات؟
في اعتقادي أن المملكة قادرة على التكيف مع هذه المتغيرات، خصوصا أنها حققت تقدماً ملحوظاً خلال السنوات القليلة الماضية في سعيها لتقليل الاختلال في موازنتها المالية الداخلية والخارجية، مستفيدة من عدة عوامل في مقدمتها أوضاع السوق النفطية، وكذلك تطبيق برامج الإصلاح الاقتصادي والمؤسساتي والقانوني. وإذا ما وضعنا في الحسبان أيضاً ما درجت عليه السياسة النقدية في المملكة من سمات مميزة لسنوات طويلة، مثل انخفاض معدلات التضخم, وثبات سعر صرف الريال مقابل الدولار ونظام تجارة حر, ودين خارجي يكاد أن لا يكون موجوداً, ودخل للفرد مرتفع نسبياً، فإن المملكة وبلا شك قادرة على التكيف والتجاوب مع هذه المتغيرات.

إدارة المخاطر تمثل تحديا كبيرا للبنوك السعودية، كيف تواجه البنوك هذا التحدي؟
اعتمد البنك الأهلي على ستة أركان لتطوير إدارة المخاطر وهي السيطرة, والتحكم الإداري السليم، والإطار الهيكلي الأمثل لإدارة المخاطر، والسياسات العامة الواضحة، واختيار الأفراد المناسبين في الإدارة، وعمل الإجراءات والعمليات السليمة، وتطوير الأنظمة والتقنية المتكاملة.
أما بالنسبة لسياسات وممارسات إدارة المخاطر ومحاور التطوير فيها, فإن للبنك ثلاثة خطوط دفاعيه للوقاية من مختلف أنواع المخاطر وهي الإدارة المقدمة للقروض، وإدارة المخاطر، وإدارة المراجعة.
ومن المعروف أن مخاطر الائتمان تختلف باختلاف نوع المُنتَج والشريحة المستهدفة فهناك مخاطر ائتمانية تجاه البنوك وتجاه الشركات وتجاه الأفراد، كما أن أسلوب معالجة مخاطر الأفراد يختلف تماماً عن أسلوب معالجة مخاطر الشركات والبنوك.
ومن جانب آخر، يوجد في إدارة المخاطر نظام لتصنيف درجات مخاطر عملاء الشركات التجارية، حيث يقوم هذا النظام بأخذ معطيات كمية مالية وأخرى نوعية عن الشركة. كما يضع في الحسبان الضمانات المقدمة من العملاء, وبناء على هذه المعطيات نقوم بتصنيف درجة المخاطر. هذا إضافة إلى أن جميع المنتجات الجديدة والمبتكرة ذات العلاقة الائتمانية لا بد أن تمر عبر إدارة المخاطر قبل تقديمها للعملاء لدراسة الجوانب الائتمانية والتشغيلية والإجرائية كافة.

كيف تنظرون إلى المرحلة المقبلة للبنك الأهلي؟
نحن على يقين أن المرحلة المقبلة ستكون حافلة بالعديد من التحديات التي ينبغي على القطاع المصرفي مواجهتها وأبرزها شدة المنافسة وأوضاع السوق وكذلك الظروف المحيطة بنا وبالمنطقة ككل. ولكن هذه التحديات يمكن أن تتحول إلى فرص عظيمة إذا أُحسن التعاطي معها. إننا في البنك الأهلي التجاري ننظر باهتمام إلى المستقبل ونستعد له من خلال شعارنا "المجموعة المالية الرائدة إقليميا" وقد بدأ هذا المشوار عملياً من خلال تملك البنك للنسبة المسيطرة من رأسمال بنك تركيا فاينانس كاتليم، ولعل هذا المدخل يعطيك لمحة واضحة عن حجم فضاءات المستقبل، ورغم أننا نستشعر حجم التحولات الهائلة التي نقبل عليها, لكننا لا نشعر بالقلق على مكانتنا وإمكاناتنا، فلدينا أدواتنا لخوض غمار التحدي بكفاءة عالية، سواء على الصعيد المحلي أو الإقليمي، ولدينا خبراتنا الطويلة وتجارب الماضي التي علمتنا الدروس الكبيرة, إضافة إلى ولاء عملائنا وهم هدفنا الاستراتيجي, وهي نقاط قوة ندرك أن ليس كل المنافسين يملكونها.

الأكثر قراءة