فقاعة التكنولوجيا .. أحقا الأمر مختلف هذه المرة؟
في سان فرانسيسكو، أدرج مطور عقارات أخيرا منزلا مؤلفا من ثلاث غرف نوم للبيع بمبلغ 3.8 مليون دولار، بزيادة 85 في المائة عن سعر دفعه مقابل المنزل قبل عامين. بطبيعة الحال، تطرق وصف المنزل إلى "أرضيات البلوط الأوروبية، أمفيسا"، أو أيا كانت، لكنه تجاهل ذكر الحُقن المستعملة والمشردين الذين ينامون في الشارع الذي يقع فيه المنزل، وأشياء أخرى.
لا يمكنك أن تلوم توقيت المطور. ثلاث من الشركات الخمس الأكثر قيمة في العالم تقف على عتبة هذا المنزل: أسهم أبل ارتفعت أكثر من النصف خلال 12 شهرا، في حين ارتفعت أسهم ألفابت وفيسبوك أكثر من الربع. فيما بينها أضافت تلك الشركات أكثر من 500 مليار دولار من الرسملة السوقية. جزء بسيط من هذا المبلغ يذهب للموظفين، ودعم سوق العقارات المحلية – إلى أن ينهار كل شيء.
هل سينهار كل شيء؟ لا شك أن أكبر الشركات في الساحل الغربي الأمريكي منفصلة بشكل متزايد عن بقية البلاد. ففي حين ارتفعت بقية مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 5 في المائة، ارتفعت أسهم شركات التكنولوجيا الأمريكية 20 في المائة، وهي تمثل 23 في المائة من المؤشر. لم يسيطر أي قطاع على السوق بهذا الشكل منذ فقاعة الدوت كوم.
لكن بدلا من دق أجراس الخطر، هناك انتشار لفكرة "الأمر مختلف هذه المرة". في الأسبوع الماضي قال جيريمي جرانثام، المستثمر في أسهم القيمة: "لقد كرست حياتي للفقاعات المالية، ولا أعتقد أن هذه فقاعة". حجته هي أن الربحية تحسنت.
تشير "إم كيه إم بارتنرز" إلى أن قطاع التكنولوجيا يتم تسعيره بأكثر من أربعة أضعاف المبيعات، تماما مثلما كان الحال في عام 2001، لكن على أساس الأرباح المستقبلية لا يزال القطاع، كما تقول، دون متوسطه على امتداد 20 عاما.
ويلاحظ بانك أوف أمريكا أن نسبة تقييم أسهم النمو في الولايات المتحدة (التي تهيمن عليها التكنولوجيا) إلى أسهم القيمة العالمية تجاوزت لتوها مستواها العالي الذي سجلته عام 2000، إذ يتوقع أن تتحسن أرباح التكنولوجيا بشكل ملحوظ.
كل ذلك صحيح، وليس مختلفا كثيرا عن آخر فقاعة. هناك شعور مبالغ فيه أن المستثمرين في عام 2000 كانوا يلتفون حول موقع Pets.com وكانوا متمسكين بمقاييس مختلقة تنطوي على عدد الأشخاص يستخدمون تطبيقا معينا. كثير من مديري المحافظ الواقعيين وضعوا كثيرا من الثقة في توقعات الأرباح المتفائلة.
أما اليوم، فباستخدام الأرباح التي يتم الإبلاغ عنها بدلا من الأرباح المتوقعة، يبدو مضاعِف السعر إلى أرباح السهم في شركات التكنولوجيا عاليا للغاية عند معدل 31، وفقا لبيانات S&P Capital IQ، مقارنة بـ 21 ضعفا في بداية عام 2016.
معظم هذا يبدو أسوأ، إذا كنت تعتبر أن أمازون شركة تكنولوجيا. على الرغم من أنها تصنع أجهزة الكمبيوتر الناطقة، وتوفر محطات الخوادم الواسعة، وتدير الشركة الإلكترونية المهيمنة في العالم، إلا أنها لا تصنف كشركة تكنولوجيا. إذا لم نحتسب هذه الشركة الضخمة التي تبلغ قيمتها 500 مليار دولار، عندها تصبح مكاسب الشركات غير التكنولوجية في ستاندرد آند بورز تافهة، وتعتبر شركات التكنولوجيا أكثر ضخامة، وسيمثل القطاع أكثر من ربع قيمة السوق.
ومن شأن أمازون أن تضخم أيضا معدل ربح السهم إلى العائد في القطاع. وبحسب بيانات بلومبيرج، ارتفعت أسهمها خمسة أضعاف منذ عام 2011، لكن توقعات الأرباح انخفضت إلى النصف. وقبل سبع سنوات قدر محللون أن الشركة ستكسب 13 مليار دولار في عام 2018. ومع اقتراب الموعد أصبحت أكثر اعتيادا على ميل جيف بيزوس السادي لتأخير الإشباع، وعدلوا توقعاتهم إلى ستة مليارات دولار.
هذا ليس للتقليل من شأن أمازون. ارتكب المستثمرون ذلك الخطأ في المرة السابقة. في تشرين الثاني (نوفمبر) 1999، بعد أن برزت أمازون بقوة وسط حمى الدوت كوم، وقبل شهرين فقط من ذروة السوق، أجرت "بارون" استطلاعا لآراء المستثمرين. أكثرهم أعلن أنه "متفائل" أو "متفائل للغاية" بخصوص التقييمات. وكان السهم المفضل لديهم هو مايكروسوفت. وبهامش كبير صوتوا لأمازون على أن أسهمها هي الأسهم التي تزيد كثيرا على قيمتها الحقيقية.
بعد ذلك بسنتين انهارت أسهم أمازون – إلى جانب مايكروسوفت والسوق – إلى ما دون تسعة دولارات للسهم. مع ذلك كان بيع السهم، سواء قبل الانهيار أو بعده، قرارا سيئا مؤلما: في الأسبوع قفز سعره إلى أعلى من ألف دولار للمرة الأولى.
من الصعب أن نحاول تجنب أكبر أسهم التكنولوجيا ذات الطابع الفقاعي دون تجاهل الفائزين على المدى الطويل. ومن الصعب أيضا محاولة العثور على جيوب السلامة. المستثمرون المخدوعون بأنفسهم في عام 1999، الذين كانوا ينظرون باستياء إلى شركات الدوت كوم الفردية، ظنوا أنهم يستطيعون حماية أنفسهم بالشركات التي كانت توفر البنية التحتية للإنترنت، مثل سيسكو وموتورولا ولوسنت تيكنولوجيز، ونقل البيانات، مثل وورلدكوم وكويست.
لكن استراتيجية الاستثمار في الشركات التي تقدم المعدات اللازمة للصناعات كانت في هذه الحالة أسوأ حتى من ذلك. معظم هذه الاختيارات "الآمنة" انتهى بها المطاف إلى الغرق في عمليات الاندماج التي نتج عنها انخفاض كبير في أسعار الأسهم، أو فضائح محاسبية. لم يبق سوى سيسكو على قيد الحياة شركة مستقلة، بقيمة أقل من نصف ذروتها عام 2000. لا يهم، رغم جميع العلامات المثيرة للقلق، لا شيء حتى الآن يصرخ بأن فقاعة تكنولوجيا في الطريق. ربما "بلو آبرون" Blue Apron، خدمة تسليم الوجبات التي نشرت بيانها الاستثماري في ليلة الخميس، سوف يُنظر إليها بعد عقد أو عقدين على أنها الكارثة الرئيسية في عصرنا. في سوق مزدحمة تحاول أن تصبح شركة مساهمة عامة مع خسارة تبلغ 55 مليون دولار على أساس إيرادات بقيمة 800 مليون دولار. مع ذلك هذا لا يتسم، ولو من بعيد، بالغباء نفسه الذي كان عليه موقع Pets.com، الذي أظهرت نشرة الاكتتاب العام لديه في عام 2000 خسارة مماثلة على أساس مبيعات بلغت فقط ستة ملايين دولار.
أما بالنسبة للمنزل المعروض بسعر مشكوك فيه في سان فرانسيسكو، فقد تم تخفيض سعره إلى 3.6 مليون دولار. للإنصاف نقول إن المنزل لديه بقعة دائرية في الساحة مخصصة للشواء.