ما أشبه الليلة بالبارحة!

[email protected]

بتخفيض يوم الثلاثاء الماضي، يكون البنك المركزي الأمريكي قد خفض أسعار الفائدة ست مرات منذ أيلول (سبتمبر) الماضي، وهي إجراءات جعلت الدولار الأمريكي يهوي الأسبوع الماضي إلى أدنى مستوى له أمام اليورو الأوروبي. الاقتصاد الأمريكي ينحدر بشكل متسارع نحو الركود. ولا يصلح العطار ما أفسده الدهر! فالتخفيضات المتتالية في أسعار الفائدة التي يجريها بنك الاحتياط الأمريكي، لن تجدي في وقف هذا التدهور. الاقتصاد الأمريكي يعاني خللا هيكليا، لا تكفي معه استخدام أدوات السياسة النقدية.
بعد كارثة الكساد الكبير عام 1929، كان الاقتصادي الإنجليزي الشهير اللورد جون كينز، أول من نبه إلى أن الظروف تغيرت، وأن تغيرها يستدعي تغير النظريات والسياسات الاقتصادية. ولذلك دعى لضرورة تدخل الدولة لإنقاذ الاقتصاد إذا انزلق نحو كساد كبير، من خلال استخدام أدوات السياسة المالية.
الطريف في الأمر، أنه على الرغم من الثورة الفكرية التي قدمها كينز عن أهمية السياسة النقدية في التأثير على النشاط الاقتصادي، إلا أنه حذر من أن السياسية النقدية في حالة الكساد الكبير تكون عديمة الفاعلية. فأي محاولة من قبل البنوك المركزية لتخفيض أسعار الفائدة لتحريك الاقتصاد لن يكون لها أية جدوى. لأن الناس من ناحية، سيحتفظون بالسيولة التي يطرحها البنك المركزي ولن ينفقونها، لتدني ثقتهم في الاقتصاد (حالة مصيدة السيولة Liquidity trap)، ومن ناحية أخرى، لن تحفز الفوائد المنخفضة رجال الأعمال للقيام بمزيد من الاستثمارات، لأن ثقتهم بالاقتصاد أصبحت متدنية، والإحباط لديهم بلغ مداه.
وما أشبه الليلة بالبارحة! فمشكلة الاقتصاد الأمريكي لا تعالج بتخفيضات متتالية في أسعار الفائدة، لأن الخلل فيه هيكلي وليس دوريا. لقد أصبح الأمريكيون يعيشون بأكثر مما ينتجون ويكسبون، يساعدهم على ذلك أمران : الأول هو قيام بقية دول العالم بشراء سندات دين الحكومة الأمريكية بمليارات الدولارات، والثاني هو احتفاظ البنوك المركزية حول العالم بمئات مليارات الدولارات ذات القيمة المتراجعة. ولا يمكن أن يستمر العالم في إنقاذ الاقتصاد الأمريكي لمجرد أنه أكبر اقتصاد، أو لأن انهياره سيجر معه بقية دول العالم لركود سحيق.
إن استمرار هذا المشهد سيدفع بقية دول العالم للتوقف عن شراء هذه السندات في أية لحظة يتم فيها خفض التصنيف الائتماني للدين الأمريكي، وهو الحائز أعلى درجات التصنيف لاعتماده على الثقة في استعداد أمريكا للتسديد، وليس قدرتها على التسديد. لكن لا يمكن الاستناد إلى الثقة بشكل مستمر وتجاهل المخاطر، خاصة مع التكاليف الباهظة للحروب الأمريكية في الخارج من أفغانستان إلى العراق دون نتائج ملموسة لها. وقبل أيام نقل موقع الإذاعة البريطانية على الإنترنت B.B.C عن مساعد وزير الخزانة الأمريكي زمن إدارة ريجان، بول كريج روبرتس قوله: "ستنهار مستويات المعيشة في الولايات المتحدة، التي لم تتحسن منذ سنوات، حالما يجبر استمرار تراجع الدولار الصيني على فك ارتباط عملتها به.. أي أن مستويات المعيشة الأمريكية تعتمد على استعداد الصين لدعم الاستهلاك الأمريكي بإبقاء عملتها منخفضة القيمة".
وينقل الموقع كلاما خطيرا عن بعض الاقتصاديين الغربيين، يعكس في الواقع نموذجا لانحطاط بعض قيم الحضارة الغربية، وهو اعتقادهم أن الحروب الخارجية، بما تتضمنه من إنفاق عسكري، يمكن أن تكون عاملا محفزا للنشاط الاقتصادي خاصة إذا كانت في مناطق غنية بمئات المليارات من العائدات النفطية. ومع ذلك فإن كثيرا من العقلاء يعتقدون أن حربا أمريكية على إيران قد تكون "القشة التي تقصم ظهر البعير" الاقتصادي الأمريكي، وتؤدي إلى دخول العالم في أزمة أشد وأخطر من أزمة الثلاثينيات من القرن الماضي.
استقالة الأدميرال ويليام فالون، قائد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط، وجولة نائب الرئيس الأمريكي في الشرق الأوسط، وزيارة وزيرة الخارجية ووزير الدفاع الأمريكيين لروسيا، لا تبشر بخير! وهذا بول كريج روبرتس يعتقد أن استقالة الأدميرال ويليام فالون، ربما تشير إلى رغبة نظام بوش الهجوم على إيران. إن الخطر هنا لا يتمثل في التكلفة، التي قد تتوافر عبر استثمارات بأموال نفطية وعقود مبيعات عسكرية وغير عسكرية، بل في تبعات تلك الحرب على مؤشرات الاقتصاد الكلي الأمريكي واحتمالات خفض التصنيف الائتماني لسندات الخزانة، وحينها تكون الكارثة! هل نحن واعون ومستعدون لمثل هذا السيناريو؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي