الطيران الاقتصادي يعبر الأطلسي .. 69 جنيها استرلينيا من أوروبا إلى أمريكا

الطيران الاقتصادي يعبر الأطلسي .. 69 جنيها استرلينيا من أوروبا إلى أمريكا

السير فريدي لاكر ربما يكون قد فشل في التفوق على سوق الطيران طويل المدى "الخالي من الرتوش". لكن الروح الريادية لصاحب مشاريع الطيران الراحل ستنطلق إلى السماء مرة أخرى الشهر المقبل، مع صورته المرسومة على طائرة "إير شاتل" النرويجية.
طائرة من الأسطول النرويجي الجديد باللونين الأحمر والأبيض، الذي سيفتح طرقا مباشرة من المطارات الإقليمية الصغيرة من إيرلندا وبريطانيا إلى الولايات المتحدة مقابل مبلغ زهيد يصل إلى 69 جنيها، ستحمل صورة السير فريدي على زعنفة الذيل وستكون جزءا من محاولة شركة الطيران الاقتصادي الاسكندنافية لتعزيز حصة سوقية في المعركة المستعرة بين شركات الطيران عبر الأطلسي.
خدمة السير فريدي الاقتصادية بين لندن ونيويورك في السبعينيات فشلت بعد خمسة أعوام. الآن تأمل الشركة النرويجية أن يساعد إطلاق الجيل التالي من الطائرات ذات الهيكل الضيق والكفاءة في استخدام الوقود في "تغيير قواعد اللعبة"، بجعل الرحلات الطويلة "الخالية من الرتوش" مربحة على المدى الطويل.
النشر المبتكر للطائرات ذات الممر الواحد التي تُستخدم عادةً لعمليات النقل القصيرة هو المرحلة التالية من خطة الشركة النرويجية لزعزعة سوق السفر عبر الأطلسي المربحة، التي يُهيمن عليها منذ عقود عدد قليل من شركات الطيران الأمريكية والأوروبية الراسخة.
إنها مقامرة عالية المخاطر. في الأسبوع الماضي فقط أُثيرت تساؤلات حول التأخير المحتمل في وصول الطائرة بعد أن أوقفت شركة بوينج مؤقتاً الرحلات التجريبية لطائرتها الجديدة "737 Max 8"، التي ستستخدمها الشركة النرويجية لخدمتها عبر المحيط الأطلسي، بعد اكتشاف مشكلات في المحرك.
لكن بيورن كيوس، الرئيس التنفيذي لشركة إير شاتل، واثق من أن استراتيجيته يُمكن أن تؤتي أكلها، خاصة أن شركة بوينج لا تزال تنوي تسليم أول طائرة 737 Max 8 إلى زبونها في حزيران (يونيو). وتقول الشركة النرويجية "إن إطلاق مساراتها عبر المحيط الأطلسي من أدنبرة وإيرلندا وبلفاست إلى الولايات المتحدة لن يتأخر".
منذ عام 2013 استخدمت الشركة النرويجية طائرة "787 دريملاينر" من بوينج لإطلاق خدمات منخفضة التكاليف بين أوروبا والولايات المتحدة. وأدت المنافسة منها وغيرها من الشركات الاقتصادية، مثل "وستجيت" WestJet في كندا و"واو إير" WOW Air في أيسلندا، إلى جعل شركات الطيران الراسخة تندفع لحماية حصتها السوقية الكبيرة.
وفي آذار (مارس) الماضي أطلقت مجموعة الخطوط الجوية الدولية، مالكة الخطوط الجوية البريطانية "بريتش إيرويز"، العلامة التجارية "لفل" Level منخفضة التكاليف التي ستبدأ الطيران الشهر المُقبل من برشلونة إلى أربع وجهات من بينها لوس أنجلوس وأوكلاند، المطار الثانوي لسان فرانسيسكو. بدورها شرعت "لوفتهانزا" في التوسّع قي خدمات شركة يورووينجز Eurowings التابعة لها "الخالية من الرتوش"، بينما "إير فرانس-كيه إل إم" تُطلق أيضاً طائرة منخفضة التكاليف تحمل اسم "بوست" Boost.
وفي الوقت الذي أثبتت فيه أمثال الشركة النرويجية و"وستجيت" أن هناك طلبا على الرحلات الرخيصة عبر الأطلسي، يرى محللون أن استخدام طائرة الجيل الجديد ذات الهيكل الضيق على مسارات شمال المحيط الأطلسي يُمكن أن يُحدِث الأثر المطلوب من حيث جعل الطيران طويل المدى المنخفض التكاليف مربحاً.
فضلاً عن الطائرة "737 Max 8" ستستخدم الشركة النرويجية نسخة جديدة من الطائرة A321 من إيرباص لتقديم الخدمات بين المطارات الأوروبية الإقليمية والمراكز الأمريكية الأصغر، وهو خيار أرخص من استراتيجيتها الحالية.
ووفقاً لتحليل من "باركليز"، أنموذج أعمال الشركة النرويجية ذي الهيكل العريض طويل المدى، منخفض التكاليف، يُحقق هامش ربح يبلغ نحو 2 في المائة إلى 3 في المائة، مقارنة بهوامش الربح البالغة 15 ـ 20 في المائة التي تولّدها معظم الطائرات الراسخة على خطوط شمال المحيط الأطلسي.
يقول أوليفر سليث، المحلل في "باركليز"، "هذا ليس جيداً بما فيه الكفاية للنجاة في دورة اقتصادية. ولا يوقف كثيرا من الناس عن تجربة شركة الطيران لبضعة أعوام - لكن ما إذا كان هذا أنموذجا مستداما في الأعمال ومربحا فهذا مسألة أخرى". ويتابع "كانوا محظوظين جداً كون أسعار الوقود انخفضت إلى النصف أثناء نموهم. أعتقد بدون ذلك ما كان من الممكن أن يكونوا موجودين".
التكنولوجيا الجديدة تعني أن الجيل الجديد ذا الهيكل الضيق سيكون قادرا على الطيران في رحلات لمدة ست إلى ثماني ساعات بتكلفة أقل حتى من أكثر الطائرات ذات الهيكل العريض كفاءة في استخدام الوقود. هذا سيُمكّن شركات الطيران من زيادة عدد الرحلات على مسارات المحيط الأطلسي الحالية، فضلاً عن فتح مجموعة من الخدمات الجديدة دون توقف. ويُقدّر "باركليز" أن هذا يُمكن أن يُعادل ما يصل إلى 60 مسارا إضافيا من مكان إلى آخر دون توقف.
أندرو لوبنبرج، المحلل في "إتش إس بي سي"، يتفق في أن اقتصاديات الطائرات ذات الهيكل الضيق "جذابة فعلاً". يقول "هذا يعني أن الأسواق الأصغر التي كنا نضحك عليها مستبعدين أن تكون أسواقا عبر المحيط الأطلسي، يُمكن أن تُصبح كذلك الآن. وأن تصاب المراكز بتخمة في عدد الطائرات التي تصلها، وشركات الطيران التي لم تكن تستطيع في السابق الطيران في الأسواق عبر المحيط الأطلسي (...) تستطيع الآن".
اعتباراً من الشهر المُقبل ستستخدم الشركة النرويجية طائرة "737 Max 8" لإطلاق عشرة مسارات إلى الولايات المتحدة من خمس مُدن بريطانية وإيرلندية. نطاق هذه الطائرة يعني أنها ستقتصر على الطيران من المملكة المتحدة، أو إيرلندا إلى الساحل الشرقي من الولايات المتحدة. لكن إطلاق طائرة "A321 LR" في عام 2019، التي لديها نطاق إضافي بمقدار 500 ميل، سيوفّر مزيدا من الإمكانيات، مع القدرة على الطيران مسافات أطول من القارة الأوروبية إلى الولايات المتحدة وكندا.
يقول كيوس من الشركة النرويجية "إن الاستراتيجيتين ستضمنان مكانتها في سوق المسافات الطويلة منخفضة التكاليف. أعتقد أن الأنموذجين يخدمان أغراضا مختلفة. مثلما رأينا مع الطيران طويل المدى منخفض التكاليف، بإمكاننا إنشاء طبقات جديدة من الناس الذين يُريدون السفر".
لكن ليس فقط الشركة النرويجية هي التي تتطلّع إلى إمكانيات التكنولوجيا الجديدة. كل من "إير لينجوس"، التي هي جزء من مجموعة الخطوط الجوية الدولية، و"جيت بلو" في الولايات المتحدة، أشارتا إلى اهتمام باستخدام طائرة "A321 LR". بالنسبة إلى الأخيرة، هذا يُمكن أن يؤدي إلى أولى غزواتها في سوق الطيران عبر الأطلسي.
يقول أندرو تشارلتون، وهو محلل طيران مقره جنيف "هل ستعمل الطائرة الجديدة ذات الهيكل الضيق على تسهيل دخول مزيد من الشركات الجديدة؟ بكل تأكيد. هل هذا ما تُريده الشركات التي دخلت حديثا أو الشركات الراسخة؟ قطعا لا".
بعضهم يبقى متشككاً في أنموذج الطائرة ذات الهيكل الضيق بعيدة المدى، منخفضة التكاليف. يقول جون ستريكلاند، مستشار الطيران "السؤال هو كم من هذه الأسواق الصغيرة يُمكن تطويرها ودعمها. هل هناك طلب كاف من المسافرين"؟ مشيرا إلى أن عددا من الخدمات عبر المحيط الأطلسي إلى المطارات الإقليمية البريطانية انخفض بسبب شركات الطيران الراسخة، ما يُسلط الضوء على خطر اكتظاظ الطائرات على هذه المسارات. ويضيف "هذا منذ الآن علامة على أن الأمر سيكون صعباً، حتى مع أنموذج مختلف لديه تكاليف وأسعار أقل".
من المرجح أيضاً أن يواجه المنافسون الجُدد عبر المحيط الأطلسي معركة قوية من شركات الطيران الراسخة، العازمة على الدفاع عن حصتها السوقية.
يقول شاي ويس، كبير الإداريين التجاريين في "فيرجين أتلانتك"، "الجميع يعرف أن الطيران عبر المحيط الأطلسي هو سوق الطيران الأكثر ربحية في العالم. ليس من المفاجئ كثيراً أنه يحظى باهتمام من شركات الطيران الأخرى التي تحاول دخول السوق، لكنني لن أُقلل من أهمية شركات الطيران كاملة الخدمات". "فيرجين" التي لديها شراكة عبر المحيط الأطلسي مع "دلتا"، تقول "إنها ليست لديها خطة لإطلاق شركة تابعة منخفضة التكاليف - لكنها ستُركّز على المنافسة على السعر".
يقول لوبنبرج "شركات الطيران الراسخة تعي بشكل لا يُصدق خطر الخدمات بعيدة المدى منخفضة التكاليف. إنه المكان الذي تُحقق فيه غالبية أرباحها. ولن ترتكب الغلطة السخيفة نفسها التي ارتكبتها مع الرحلات الأوروبية قصيرة المدى، حيث خسرت لمصلحة شركات الطيران الاقتصادي".

الأكثر قراءة