النص المسرحي يكتبه أناس لم يدرسوا أبجديات الكتابة للمسرح!!

النص المسرحي يكتبه أناس لم يدرسوا أبجديات الكتابة للمسرح!!

أين أصبح المسرح السعودي بعد نحو 40 سنة على انطلاق أول عرض؟
أصبح يقدم عروضه في قاعات محاضرات لا كواليس فيها ولا إضاءة ولا أجهزة صوت، أصبح يحتاج المسرح إلى دورة إدارية طويلة حتى تقام مسرحية، أصبح يستأذن فيها مدير القاعة ويستعطفه أن يقتطع من وقت الحجوزات يوما أو يومين للبروفات وتركيب الديكور والعرض، أصبح تائها لا مكان له, أصبح بألف مدير, أصبح أسيرا لميزانية دائرة حكومية, أصبح غير معترف به كمهنة رسمية.

المسرح السعودي اشتعل.. وانطفأ.. وتوهج من جديد.. كيف يقرأ رجا العتيبي هذا التذبذب؟
المسرح لم يشتعل حتى ينطفئ, ولم يتوهج بعد بالصورة التي نريدها, كل ما هنالك أعمال مسرحية مدعومة (سنويا) من الجهات الحكومية, فعندما تقترب ميزانية المسرح نرى مسرحا يكون حجمه بحجم الميزانية, ثم يتوقف المسرح لحين صدور الميزانية الجديدة من العام المالي اللاحق، فهو ليس تذبذبا كما يخيل إلينا, بقدر ما هو مسرح (حولي) حكومي مرتبط بميزانية حكومية.
الجهات ( التقليدية ) المعنية بالمسرح أو التي لها اهتمامات مسرحية, مثل: جمعيات الثقافة والفنون والجامعات والمؤسسات التربوية, تنتج مسرحا حوليا بميزانية قليلة ليس فيها نصيب للدعاية والإعلان, وهي على هذه الحالة من سنوات طويلة, ولكن أمانة منطقة الرياض قلبت على الجميع الطاولة وأثبتت أن للمسرح جماهير وفنانين ومخرجين على قدر عال من الاحترافية.

والنشاط المسرحي في السعودية عموما؟
المسرح لا يمكن أن نعده نشاطا, كما هو الحال لدى المؤسسات التربوية, التي ما زالت تدخله ضمن قائمة النشاط الطلابي, المسرح أكبر من كونه عملية تنشيطية, إنه حالة فنية, حاجة بشرية, رؤية جمالية, وأجواء ترفيهية, إنه يحوي جميع الفنون, وعندما نعده نشاطا فإننا ننتقص من قدر المسرح، إن قولنا "نشاط مسرحي" هو أحد المسميات التي شوهت المسرح في السعودية, وحدت من انطلاقته, وتحديدا في المؤسسات التربوية، المسرح في السعودية لم يقدم بعد كصورة بصرية, كناحية جمالية, مازال المسرح في كثير من مناطقنا "منبر توجيه وإرشاد" أو "جلسة في استراحة شبابية", القيمة الفنية في المسرح السعودي مازالت غائبة عن كثير من العروض, ومن جانب آخر, مازالت الجماهير هي الأخرى غير قادرة على التذوق الفني، فمعظم جماهير المسرح في السعودية يتوقعون أن المسرح مكانا للضحك والسخرية أو التركيز على مصطلحات "غرف النوم" فحسب, وقد نعذر مثل هؤلاء, لأنهم لم يدرسوا المسرح في المدارس, وليس لهم تراكم مسرحي, وهو ليس جزءا من ثقافة المجتمع.

ما مدى تأثير المسرح السعودي في تشكيل عقلية الجيل؟
ليس للفنون علاقة مباشرة بتشكيل العقول, ولا بالنصح والإرشاد, وهذا ما فطن إليه الغرب جيدا, حيث يصنفون الأعمال المسرحية ضمن حقول "الترفيه", وليس ضمن حقول التوجيه والإرشاد، المسرح فن ترفيهي, هدفه قطع المتفرج عن حياته الروتينية والاندماج في الخيال الفني الذي يشاهده أمامه, بحيث يخرج من العرض شخصا آخر متجددا مليئا بالحيوية والطاقة والتحفيز (الغسيل) أو ما يسميه أرسطو (التطهير)، نحن لا ننتظر من المسرح أن يقلب المواجع على المتفرجين, ولا أن يلومهم على تقصيرهم في حياتهم أو في تحقيق إنجازاتهم, أو يحملهم هموم العالم, ليست هذه مهمة الفن, قد تكون مهمة المرشدين والتربويين والمصلحين ولكنها ــقطعاــ ليست مهمة الفن، الذي يبني عقول الشباب هي المؤسسات التربوية, والأسر, ومراكز البحث, ووسائل الإعلام... إلخ. أما المسرح فليس له علاقة مباشرة بهذه الموضوعات، وسيموت المسرح والفن عندما يتحول إلى منبر إرشادي.

ما سبب تسيد المسرح الكوميدي؟
عندما نعود بالذاكرة قليلا, نجد أن الجماهير السعودية نشأت على المسرح التجاري المصري الذي يشاهدونه من خلال التلفزيون, مثل مسرحيات سمير غانم, ووحيد سيف, وسيد زيان, ومحمد نجم... إلخ.
وتأكد هذا المسرح في أذهانهم أكثر عندما رأوه بالعين المجردة أثناء رحلات الصيف التي تنظمها الأسر السعودية للقاهرة، فأصبح هذا النوع من مسرح "التهريج" الذي يطلقون عليه مسرحا كوميديا هو النوع المطلوب لأنهم لا يعرفون غيره, وفي المقابل لم ينجح المسرح الجمالي القائم على حقيقة المسرح أن يلفت نظر الجمهور لضعف الدعم وقلة العاملين فيه.
هذا الشيء حدا بكثير من المسرحيين السعوديين لأن يقلدوا المسرح التجاري المصري ويعيدوا أداء الممثلين المصريين بطريقة سعودية فتجد كثيرا من المسرحيات التي تسير على هذا الخط مليئة، بالتعليقات الساخرة, والألفاظ الجنسية, والأداء "القردوي", ثم يطلقون على ذلك مسرحا كوميديا، وتسيد هذا النوع من المسرح لأنه امتداد لذاكرة شعبية لم يفلح أحد تغييرها بعد, وأصبح هو النموذج لكل مسرحية يطلق عليها مسمى كوميدية، وفي تقديري أن المسرح الكوميدي بخلاف ذلك, إنه المسرح الذي لا يحتقر أحدا ولا يسطح عقول المتفرجين, إنه المسرح يضحكنا من دون أن يؤذينا أو يؤذي مشاعرنا, إنه المسرح الذي يعتمد على كوميديا الموقف المصنوعة باحترافية وليس الخارجة عن النص.

المسرح المدرسي والجامعي.. ما مدى تفعيلها والاستفادة منها؟
المسرح التربوي تائه بين (الصورة الفنية) و بين (القيم التربوية) فلم يستطع حتى هذه اللحظة أن يجمع بين الاثنين, ولأن معظم القائمين عليه غير متخصصين في مجال المسرح والفنون الجميلة, لهذا تطغى عليه القيم التربوية بشكل جعل منه منبرا إرشاديا أكثر من كونه منبرا للجمال، والكثير من التربويين يريدون المسرح المدرسي من أجل: تعويد الطلاب على الخطابة, ومواجهة الجمهور بدون خوف أو وجل, وأن يعلمهم العمل بروح الفريق الواحد, وهذه كلها قيم تربوية رائعة, ولكنها وحدها لا تنتج مسرحا حقيقيا, فمن الضروري أن يغلف كل ذلك بالقيم الفنية التي تجعل المسرح أكثر جمالا وأكثر تأثيرا, ولا يأتي هذا إلا بتجهيز المسرح بكافة متطلباته من الأجهزة الصوتية والضوئية والمساحة المناسبة, وإعداد القائمين عليه إعدادا مسرحيا تبعا لحقيقة المسرح.

كيف نصنع جمهورا للمسرح السعودي؟
جماهير المسرح في السعودية لا تحتاج إلى صناعة, فهي موجودة على الدوام, وتبحث عن المسرح بشغف, وهي جماهير تملأ قاعات المسرح في ساعات معدودة, ولكن نحتاج أن نصنع مسرحا وفقا لطموح الجماهير السعودية التي تسأل عن المسرح منذ سنوات، لقد أثبتت فعاليات مسرح الأمانة أن جمهور المسرح السعودي كثيف, فتخيل مسرحية واحدة يحضرها ما لا يقل عن أربعة آلاف متفرج, وهذا عدد لم يحدث لدينا في السنوات الماضية، فلا توجد لدينا أزمة جمهور, ولكن لدينا أزمة دعاية وإعلان, وأزمة عرض بمواصفات فنية عالية.

تابعتم مهرجان العيد المسرحي، كيف تقرؤون هذه التظاهرة ؟ و ما هي مقولتك للمهرجان.. للمخرجين.. للممثلين.. للكوادر الفنية؟
أمانة منطقة الرياض, ومن خلال برنامجها المسرحي الذي يأتي ضمن احتفالاتها بعيد الفطر المبارك, قدمت دعما مغايرا واهتماما مختلفا أعادت للمسرح هيبته وأهميته وجماهيره, فأصبح مسرح أمانة منطقة الرياض له حضور مميز وجماهير بالآلاف, وهذا العام تخطو الأمانة خطوة متقدمة في هذا المجال, حيث ستقدم المسرح طوال العام, وهي خطوة جبارة وغير مسبوقة, وتستحق الأمانة على هذا العمل كل تقدير، التظاهرة المسرحية في عيد الفطر المبارك, لفتت أنظار الجميع, وباتت محل اهتمامهم, وأصبح المسرح في العيد شيئا مختلفا, فالجماهير الكبيرة التي تزحف بشكل مهول على العروض المسرحية, تحيلنا إلى أن قرار المسرح قد نضج اجتماعيا, ولم يتبق سوى القرار الرسمي, وهذا ما فطنت له وزارة الثقافة والإعلام عندما أقرت جمعية المسرحيين السعوديين التي ستدشن في نهاية شهر ذي القعدة الجاري, بوصف ذلك يعطي مشروعية رسمية للمسرح بعد غياب طويل, وبعد مطالبة من المسرحيين بهذا الغطاء الرسمي.
فنقول للمهرجان المسرحي في العيد: شكرا لأنك كشفت الجهات "النايمة" التي كنا نتوقع أنها معنية بالمسرح, وعريتها وأثبت كم أضروا بالمسرح كل هذه السنين، في حين أقدم كل شكري لأمانة منطقة الرياض, ولكل العاملين في المهرجان, وكل زملائي المسرحيين وكل الداعمين, وأؤكد على أهمية تقديم عروض متقدمة فنيا تليق بمهرجان الأمانة, فالمسرحيون أصبحوا شركاء الأمانة في المهرجان وهذا يعطيهم مسؤولية أكبر في تقديم الأفضل.

في المهرجانات الكثيرة في بلدنا يحضر كل شيء و يغيب المسرح؟
عندما نعد المسرح حالة فنية بكل تجليات الجمال فيها, فإن ربطه بكل مهرجان مفسدة له, فليس من الضروري أن نربط المسرح بكل مهرجاناتنا طالما أن الموقف لا يتطلب ذلك, المسرح يمكن أن يقوم بذاته, وأن يعمل وحده, وأن يصنع من نفسه مهرجانا مستقلا، فبعض البرامج المسرحية التي قامت برعاية مهرجانية فشلت, مثل: مهرجان أبها المسرحي الذي يأتي ضمن فعاليات التنشيط السياحي, ولم ينجح سوى مسرح أمانة منطقة الرياض الذي يأتي ضمن احتفالاتها بعيد الفطر المبارك وبشهادة الجميع.

هذا الحديث سيقودنا بالضرورة إلى السؤال التقليدي عن المشكلات التي يواجهها المسرح السعودي؟
قد يكون غياب "القانون", أهم المشكلات التي تواجه كل شيء فينا, بما في ذلك المسرح, فمع القانون تحل كثير من المشكلات, وتزول كل العقبات, فعلا سبيل المثال: سيجعل القانون المسرح مهنة, مثلها مثل كل المهن الأخرى, بحيث يعتلي المسرح ممثل بشهادة أكاديمية وباعتراف من الخدمة المدنية, وكذلك الحال لبقية فنون المسرح، وإذا أصبح المسرح مهنة وفقا للقانون, هنا نكون بدأنا أولى خطواتنا نحو دخول عالم المسرح الحقيقي، وإلا سنظل بمشكلاتنا سواء على مستوى المهنة أو على مستوى القانون أو على مستوى الشرعية.

ماذا عن غياب الصحافة الفنية ؟
الصحافة الفنية لم تتجاهل المسرح, ولا نتوقع منها أن تغطي المسرح باهتمام طالما أنه لم يشكل "حدثا" بعد, المسرح مازال طوال السنوات الماضية يسير ببطء, ويعمل بشكل عادي جدا, وهذا النوع من الصفات لا يثير الإعلام, ولا يشبع نهم الصحافيين, وإذا ما عرفنا أن الإعلام يتبع الحدث أيا كان نوعه وشكله ولونه, كقاعدة إعلامية مشهورة, فإننا لن نلوم الصفحات الفنية التي لم تلقي، بالا في السنوات الماضية للمسرح لأنه لم يشكل حدثا، وهي معذورة، وحتى يكسب المسرح الإعلام عليه أن يستوعب هذا الدرس جيدا, ويعمل بكونه حدثا, وليس كمهمة إدارية تنتهي بتقرير رسمي يبعث للمسؤول.

غياب النص المحلي هل هو إحدى هذه المشكلات ؟
إشكالية النص المسرحي تدخل ضمن إشكالية منظومة الفن, فإذا غاب الفن غاب معه كل متعلقاته، فيغيب المسرح, ويغيب النص, ويغيب الإخراج, ويغيب الممثل، النص المسرحي يكتبه أناس لم يدرسوا أبجديات الكتابة للمسرح, أو على أقل تقدير لم يقرؤوا كثيرا في النصوص العالمية, ولم تتشكل في أذهان كثير من المعنيين بالمسرح نماذج عليا للكتابة المسرحية, كل ذلك يؤكد أننا نعيش أزمة نص بشروطه الفنية، فالكتابة للمسرح لا تعني تدبيج خطب رنانة, أو تصفيف كثير من السماجات اللغوية أو توجيه الناس وإرشادهم, عندما يدخل ذلك في النص المسرحي فإنه يحيله عن جادته, ومن يستطيع أن يكتب "نصا بصريا" يكون قد اقترب كثيرا من مفهوم المسرح.

هل نستطيع المقاربة أو التشبيه بين غياب الكاتب المحلي وغياب المسرحي المتفرغ؟
لا أظن أن التفرغ معيار للجودة, التفرغ يأتي مرحلة تالية عندما نستوفي شروط الكاتب المسرحي فنيا ومعرفيا, والمعاهد المتخصصة لا تضع التفرغ شرطا فنيا للكتابة المسرحية، فنحن لا نريد كاتبا متفرغا, وإنما نريد كاتبا "مهنته" الكتابة, وباعتراف من الجهات الرسمية سواء على مستوى المؤهل أو على مستوى الجهة الإدارية الرسمية، التفرغ مفهوم مطاط لا يفي بالغرض, ولا أظنه بمفهومنا الحالي يمكن أن يحل المشكلة.

تحدثت عن المعوقات والواجب عمله من المؤسسات والوزارات.. فما دور جمعية المسرحيين السعوديين التي أوشكت على الظهور ؟
التحدي: ليس في إنشاء جمعية من ورق مليئة بالأهداف والإجراءات والشروط والبنود، فالجمعيات القائمة (الآن) كلها ورق وملفات واستمارات، ولكن التحدي هو: في الكيفية التي ستكون عليها العلاقة بين الجمعية وأعضائها: العاملين والمنتسبين.
وكلما كانت الجمعية (جهة تقدم خدمة) كانت أقرب إلى الناس، منها لو أنها صارت جهة رقابية أو مركزية أو ديكتاتورية أو شللية.
ومن جانبٍ آخر.. الجمعيات المدنية فكرة حضارية، لهذا ستفشل أو ستنجح بحسب قربنا أو بعدنا من الحراك المدني، وكلما كان الأعضاء والعاملون في الجمعية يتمتعون بصفة (حضارية) كانت الجمعية أقرب إلى النجاح، وكلما كان العاملون والأعضاء بهم ملامح من شيخ القبيلة، كانت أقرب إلى (الإخفاق).
إن سعادتنا بتوجه وزارة الثقافة والإعلام نحو إنشاء الجمعيات المدنية، يعكره خوفنا أن تنشأ هذه الجمعيات بلا فعل حقيقي، نتيجة لاعتبارات مالية وثقافية وإدارية، وما نأمله أن تولد الجمعيات بكامل قواها وبجميع ملامح جسدها وبكامل أرصدتها المالية، وأن تكون جهة اعتبارية مستقلة إدارياً لا تخضع لوزارة الثقافة والإعلام إلا فيما يتعلق بالأمور المالية والسياسة العليا للوزارة، وأتوقع أن جمعية المسرحيين التي ستدشن خلال الشهر الحالي ستجعلنا أمام اختبار حقيقي على مدى استيعابنا للمسألة المدنية وطريقة الانتخابات في تشكيل هيكلها الإداري والمالي, وسنرى كيف ستكون ( مسرحيتنا ) الحقيقية: هل سنكون ملتزمين بالنص المدني ومبدعين في صنع إشراقة مسرحية أم سيطغى علينا النسق الثقافي, ويحيلنا إلى تكتلات نسقية, بعدد دويلات الطوائف, ورؤساء كثر يحتفلون بالبلاغة والخطاب المدرسي أكثر من احتفالهم بقيمة العمل.
ولا يسعني وأنا في قمة تساؤلاتي: إلا أن أقدم كل الشكر لوزير الثقافة والإعلام إياد مدني, الذي له من اسمه نصيب من المدنية, وكل الشكر أيضا لوكيل وزارة الثقافة والإعلام الدكتور عبد العزيز السبيل الذي أنار سبيل الجمعيات وفتح لها كل الطرق, وشجع الجميع على العمل.

هل نعاني غياب دور النقابات أو الاتحادات في الحركة المسرحية؟
نشأت النقابات والاتحادات في الدول الغربية نتيجة لتحولات فكرية واقتصادية, فالنقابة والاتحاد مصطلحان جاءا نتيجة مباشرة للمجتمعات العمالية في تلك البلدان, ولا أظن أننا مررنا بنفس التجربة حتى يمكن أن نستخدم المصطلحات نفسها، وهناك أسماء تتناسب مع مجتمعنا مثل: جمعية أو هيئة, وذلك لارتباط هذين المصطلحين بالمجتمعات المدنية, فهما أعمال نفعية للمصلحة العامة أكثر من كونهما ردود أفعال طبقية، ولكن في السنوات الأخيرة رأينا تحركا جادا باتجاه إنشاء الجمعيات المدنية التي تعنى بالأنشطة الثقافية والفنية وهذا تحرك إيجابي, كانت باكورته جمعية التشكيليين, وجمعية المنتجين, وقريبا جمعية المسرحيين.

في السابع والعشرين من آذار (مارس) يوم المسرح العالمي هل هو يوم لإعادة الاعتبار للمسرحيين؟
ليس بالضرورة أن يكون كذلك, المسرح مكانته قائمة لدى الغرب, وليس ثمة ما يدعو إلى إعادة الاعتبار لديه هناك, ويوم المسرح يأتي لمزيد من التواصل العالمي عبر هذا الفن التاريخي الذي يعترف به كل العالم.
يوم المسرح يطرح أبرز التحديات التي تواجه المسرح, ويطرح أبرز الفلسفات في مجال المسرح, ويطرح رؤية العالم الآخر للمسرح, إنه فرصة للتعبير عن فكرة مسرحية تقال لكل العالم في يوم واحد وساعة واحدة.

من الملاحظ أن معظم محاولات الحصول على التمويل هي من مصادر حكومية لماذا لا يتوجه المسرحي السعودي إلى التمويل الخاص؟
عندما تفتش في حقيبة رجل الأعمال لا تجد نصوصا مسرحية, ولا تجد أحدا منهم في قاعات المسرح, ويعود الأمر بكل بساطة إلى أن عائد المسرح لا يغطي التكاليف, وإذا ما عرفنا أن التاجر يبحث عن الربح فإن المسرح لا يعد ذلك المكان المغري الذي يمكن أن يستقطب رجال الأعمال، ولم يبادر أحد من رجال الأعمال حتى هذه اللحظة, مع يقيني أن فكرة الرعاية ناجحة بحد ذاتها لو أحسن تنفيذها.

كونكم صاحب تجربة نسأل: على أية أرضية تقف الدراما السعودية، و هل تراها حققت شرط الإبداع؟‏
ليس من مهمة الدراما ــ أي دراما ـ عكس هموم المجتمع إطلاقا, وإنما مهمتها صناعة عالم مستقل بكل ما فيه من شخصيات وإيرادات وصراع بإزاء العالم الحقيقي الذي نعيشه.
فإذا تطرق العمل الدرامي إلى سلبيات المجتمع وأخذ يوجه أو يصف أو يعكس فإنه في هذه الحالة لا يعد عملا دراميا, ويخرج حينها من منطقة الدراما إلى مناطق أخرى فيمكن أن يكون عملا تربويا أو إرشاديا أو توجيهيا أو سمه ما شئت.. المهم أنه ليس عملا دراميا لأنه افتقد الشرط الدرامي الأساسي وهو صناعة عالم مستقل بذاته بإزاء العالم الحقيقي الذي نعيشه.
إن العمل الدرامي لا يتبنى وجهة نظر معينة و لا يسعى أن يسوقها ويقنع الناس بها وكثيرا ما تكون وجهة النظر هذه: إما رأي الممثل أو رأي الكاتب أو رأي المخرج و أي تدخل من المخرج أو الممثل أو حتى الكاتب نفسه في (إرادة) الشخصيات الدرامية.. ويوجهها حسب وجهة نظره هو: هنا يسقط الشرط الدرامي ويكون العمل عملا موجها.
إن العمل الدرامي الذي يصنع عالما مستقلا.. يمكن أن يستفيد المشاهد من التجارب التي تمر بالشخصيات أو من بعض الحوارات التي تدور بين الشخصيات أو من الأحداث.. أو تكون واحدة من الشخصيات ملهمة له في إنجاز عمل لديه، ذلك أن المسلسل التلفزيوني أو الفيلم أو حتى المسرحية إذا وصلت مرحلة متقدمة من الصدق الفني تحدث أثرا كبيرا في المتلقي وتسقط أحداث العمل أو شخصياته أو مفاهيمه عليه ويتقبلها بإرادته هو.
و المشاهد له مطلق الحرية في أخذ ما يفيده من دون أن تفرض عليه وجهة نظر معينة من منفذي العمل نفسه.
هذه هي الأرضية التي يفترض أن تنطلق منها أعمالنا المسرحية حسب الآراء الفنية, ولكن هل فعلا أعمالنا انطلقت منها فعليا أم لا, هنا أترك للقارئ أن يقارن بين هذه الرؤية الفنية, وبين الأعمال المحلية التي شاهدها.

كيف ترى مستقبل صناعة السينما في المملكة في ظل اعتمادها على جهود فردية؟
لا يوجد في السعودية كلها "كاميرا سينمائية" فما بالك بقاعات سينما وعروض سينمائية !! وسيظل العمل السينمائي لدينا معتمدا على الاجتهادات الفردية حتى يصدر قرار رسمي يعلن فيه عن قاعات سينما وكاميرات سينما وجدول عروض، وفي المقابل, هناك محاولات جادة من شباب سعوديين في مجال الأعمال المرئية لهم نشاطهم الواضح في المهرجانات الخليجية والعالمية, وهناك صفحات متخصصة في مجال السينما تقدم الثقافة السينمائية مثل: صفحة السينما في جريدة "الرياض" التي يشرف عليها رجا بن ساير المطيري, وهناك مخرجون لديهم حس سينمائي عالي مثل: سمير عارف وعبد الله آل عياف ومحمد بازيد غيرهم.
وهناك مهرجانات محلية للأفلام المرئية تقام في مدينة جدة، هذا كله يشكل نواة لأعمال سينمائية جادة في المستقبل, ولكنها ستظل بلا تأثير كبير طالما أن القرار الرسمي لم يدعمها بعد.

إلى أي مدى قدم الإخراج المسرحي المحلي مستوى تقنيا وإبداعيا يواكب المستوى العالمي؟
عندما نعقد مثل هذه المقارنة الكبرى, فإننا نؤكد أننا ما زلنا في بداية الطريق, فلم يصل الإخراج المسرحي لدينا إلى مستوى المسرح العالمي, ولا أظنه سيصل في القريب العاجل, طالما أن بيئتنا لم (تسر) فيها ماكينة المسرح بالشكل الذي تنشأ معه (حركة إنتاج مسرحية)، حتى نصل بمسرحنا إلى العالمية, فإن ثمة شروطا قاسية علينا تنفيذها, أولها أن نعترف بالمسرح في جامعاتنا, لأن التأسيس الأكاديمي يصنع العقلية المنهجية التي تقدم الأعمال الفنية وفقا لشروطها, وليس وفقا لشروط الواقع الهزيل للمسرح, الأعمال الفنية التي تقدم بصورة منهجية هي طريقنا للعالمية, أما الاجتهادات التي تلد مسرحا مشوها لا أظنها قادرة على أن تتعدى محيط القاعة.

نلحظ تكثيف مسرحيا في مدينة الرياض.. دون غيرها من مدن المملكة؟
التكثيف المسرحي في مدينة الرياض, نابع من فعاليات مسرح أمانة منطقة الرياض, فهي التي أعادت لمسارح الرياض وهجها, واستطاعت أن تعيد الجماهير للمسرح, أما لو اقتصر الأمر على جمعية الثقافة والفنون بالرياض, لما شاهدت مسرحا يستحق العناء إليه، فقد كانت الرياض خاملة مسرحيا، ولكن الأمانة أنعشت هذا الجانب, وجعلته أكثر حيوية.

المسرح الشعري.. لا يكاد يلحظ؟
إلى هذه اللحظة لم ينجح أحد في تقديمه بالطريقة الصحيحة, ولا يوجد لهذا المسرح جمهور يبحث عنه, وربما أنه انحسر تبعا لانحسار الشعر الفصيح.

تندر الاستعانة بأسماء عربية للمشاركة في مسرحيات محلية؟
المسألة هنا تتعلق بالنواحي المالية, أجور الممثلين العرب عالية جدا, ولا يفي بها دخل المسرحية, ورغم التجارب التي طرقت هذا الجانب إلا أنها لم تكرر نفسها لأن الناحية المالية تمثل أكبر عائق في الاستعانة بممثلين عرب أو حتى خليجيين.

غياب الأسماء الكبيرة.. هل هو تكبر على المسرح؟
لا أظنه تكبرا أو غرورا, ولكن المسرح يحتاج إلى وقت طويل لإعداد مسرحية, والأسماء المعروفة ليس لديها الوقت الكافي للانخراط في مسرحية, كما أن التلفزيون بالنسبة لهم أكثر فائدة سواء من الناحية المالية أو من ناحية الشهرة والانتشار, فالذي يجرب الشاشة الفضية وينجح معها, لا يعود للمسرح، ورغم أن الكثير منهم يتمنون أن يعودوا للمسرح, وينفذوا مسرحيات, لأن المسرح له (طعم) خاص، يختلف عن الشاشة.

ناصر القصبي، عبد الله السدحان، خالد سامي، يوسف الجراح وغيرهم.. أسماء كبيرة تخرجت من المسرح ولم تعد إليه.. لماذا؟
القصبي والسدحان انشغلا مع طاش طوال العام, ورغم ذلك فإن في نيتهما عمل مسرحي, وهذه الفكرة تراودهما منذ زمن ولكن لم يتم، أما خالد سامي فهو فنان مسرحي متميز, وله حضوره الكبير على الخشبة, ولا نعلم لماذا هجر المسرح, رغم أن له جماهيره ومعجبيه، أما يوسف الجراح فله موقف من المسرح, رغم نجاحاته السابقة, ولا أظنه سيعود للمسرح.

طموح رجا العتيبي وأحلامه؟
أكاديمية للفنون الجميلة

الأكثر قراءة