ما التحديات التي تواجه "أوبك"؟
ما التحديات التي تواجه "أوبك"؟
إن أبرز تحد تواجهه "أوبك" الآن هو كيفية كبح جماح الأسعار المتصاعدة حتى لا تسبب كساداً في اقتصادات الدول المستهلكة وتغير استهلاك الطاقة من النفط إلى مصادر بديلة. فقد حصل كلا الأمريْن في مستهلّ ثمانينيات القرن الماضي، ولم يستردّ إنتاج "أوبك" عافيته حتى عام 2006. وإذا كان الارتفاع الكبير في سعر النفط في السنوات الأخيرة لم يتسبّب في اتجاهات مماثلة إلى الآن، فلا بدّ لنا أن نتذكّر أنّ متوسط أسعار النفط الحقيقية لا تزال أدنى من سعرها الفعليّ عندما وصلت إلى ذروتها في عام 1979. مع ذلك، فإنّ التوترات السياسية الحالية قد تدفع بالأسعار إلى ما هو أبعد من تلك الذروة بكثير، وإلى مستويات تخفض الطلب على نفط "أوبك" بشكل دائم.
قد تكون قدرة الاقتصاد العالمي على استيعاب زيادات إضافية في سعر النفط أضعف من الفترات الماضية. فقد انخفضت توقّعات النمو العالمي على المدى القريب جرّاء انفجار فقاعة الائتمان العقاري الأمريكيّة. في الوقت ذاته فإن الاتفاقيات التجاريّة الإقليمية والعالمية، التي حفزت التوسّع الاقتصادي العالمي ما بعد الحرب العالميّة الثانية، قد بلغت مداها. فجولة الدوحة للمفاوضات التجاريّة وصلت إلى طريق مسدود، بينما تواجه الاتفاقيات الثنائية عقبات في الكونجرس الأمريكي. ويقوم العديد من الدّول النامية، كالصين مثلا، بالتعويض عن ارتفاع أسعار النفط العالمية بتحديد الأسعار وتقديم المعونات المالية الحكومية، لكن هذه السياسات قد لا تستمر، خاصة مع زيادة الفرق بين السعر بين العالمي والمحلي.
نسأل مجدّدا: ماذا يمكن أن تفعل "أوبك" حيال الارتفاع المستمر في الأسعار؟ فقد ارتفعت الأسعار إثر شكوك حول الطاقة الإنتاجية الفائضة ومدى قدرتها على التعويض عن أي انقطاع مفاجئ في الإمدادات. باستطاعة "أوبك" كبح جماح الارتفاع في الأسعار الناجم عن التخوّفات آنفة الذّكر وذلك من خلال إعادة طمأنة السوق. لكن هذا يتطلب منها إقناع الجميع بأن لديها الطاقة الإنتاجية الكافية وأنها تقوم بمشاريع تطوير إضافية.
إن الزيادات الطفيفة في إنتاج "أوبك" ستسهم في رفع مستويات المخزون وستسهم في تهدئة السوق لفترة قصيرة من الزمن، لكنّها لن تكون وافية لتبديد قلق المستهلكين بشأن قدرة "أوبك" على التعويض عن أي انخفاض في الإنتاج الناتج عن أزمة ما. إن "أوبك" لن تهدئ الأسواق إلا بتوفير زيادة وافية ومستمرة في الطاقة الإنتاجية الفائضة.
وقد ردّ بعض كبار منتجي النفط على تحدٍ كهذا من خلال طلبهم تطمينات على استمرار الطلب كشرط لتوظيف أموالهم في مشاريع جديدة. الغريب أنّه إذا لم تتم زيادة الطاقة الإنتاجية الفائضة فإن نمو الاستهلاك العالمي من النفط سيتوقف بسبب ارتفاع الأسعار.
من بين الحلول المطروحة على أعضاء "أوبك" دعوة البلدان المستهلكة إلى تقاسم المخاطرة الناتجة عن بناء طاقة إنتاجية فائضة قبل التحقق من الطلب. وقد يرحّب أعضاء "أوبك" بمساهمة حكومات الدول المستوردة وشركات النفط العالمية الموجودة هناك في استثمارات الاستكشاف والتنقيب. ولسوء الطالع، فمن غير المتوقع أن يجمع أعضاء "أوبك" على حلّ كهذا. ففي حين نجد أنّ بعض الأعضاء يسمحون بالاستثمار الأجنبي في صناعاتهم الهيدروكربونية فإنّ الآخرين ليسوا كذلك. لقد فقدت "أوبك" القدرة على التنسيق المشترك بشأن التعامل المالي مع شركات النفط العالمية.
تستطيع "أوبك" أن تخفف من حدة ارتفاع الأسعار عن طريق رفع أسعار الوقود المحلية كي تناسب الأسعار العالمية بهدف تخفيض الاستهلاك المحلي وتحويل الكميات الموفرة إلى صادرات. هذه العملية ستغير الانطباع السائد بمحدودية الطاقة الإنتاجية الفائضة، وسيخفف من الضغط الذي يجبر الأسعار على الارتفاع. للأسف فإنه المستبعد اتفاق الدول الأعضاء على تدابير كهذه لأسباب سياسية محلّية.
تستطيع "أوبك" تبني سياسات أبعد مما سبق اقتراحه عن طريق إحلال مصادر الطاقة البديلة محل النفط والغاز المستخدمين في الاستهلاك المحلّي، وبهذا تتمكن من تصدير كميات إضافية من النفط. فدول مجلس التعاون الخليجي مثلا تفكّر في استخدام الطاقة النوويّة في توليد الكهرباء وتحلية المياه. مع ذلك، فمن غير المرجّح بحث برنامج كهذا نظراً لتنوّع العضوية وأيضاً للخلاف المحيط ببرنامج إيران النووي.
من الممكن أن تتبنى "أوبك" طرقا أخرى لمنع أسعار النفط من الاستمرار في الارتفاع منها الإعلان عن خطة استثمارية في مجال الطاقة البديلة عالميا، وحتى خارج حدودها. يبدو هذا، وللوهلة الأولى، مناقضا لمصلحة "أوبك" التي تتطلب الدعم المستمر لاستهلاك النفط والغاز، ولكنّ له منافعه كونه يهدّئ أسواق النفط ويحول دون الركود الاقتصادي الناجم عن ارتفاع أسعار النفط. كما أنه يمنع تحول الدول المستهلكة إلى مصادر طاقة بديلة نتيجة تخوفها من استمرار أسعار النفط في الارتفاع. وهناك منافع أخرى لهذه الاستراتيجية منها تطوير وتعميق وتعزيز الخبرة الوطنية في الصناعات غير الهيدروكربونية، وبهذا تسهم في تحقيق الهدف المنشود منذ أمد بعيد ألا وهو تحقيق التنوّع الاقتصادي.
من المستبعد أن توافق "أوبك" على أيّ من هذه الإجراءات المقترحة أعلاه لأسباب عدة، منها اختلاف مصالح الدول الأعضاء، وقصور الدّوْر المؤسساتي، وافتقاد المبادرة الكفيلة بمعالجة القضايا الجوهرية، وربّما انعدام الرغبة في مجرّد الإفصاح عن المصاعب التي تعترض سبيل الدول الأعضاء لزيادة قدرتها الإنتاجية.
لم يكن أيّ من زعماء "أوبك" اليوم يتولى مقاليد السلطة في بداية عقد الثمانينيات، لكنّهم جميعاً ناضجون بما يكفي للإحساس باحتمال تكرار ما حدث في بداية الثمانينيات.
خبير دولي في مجال النفط (يقيم في جنيف)