العبيدي: دخولنا إلى منظمة التجارة يفتح آفاقًا استثمارية للتأمينات الاجتماعية
العبيدي: دخولنا إلى منظمة التجارة يفتح آفاقًا استثمارية للتأمينات الاجتماعية
في ظل النجاح الكبير الذي حققته المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية مثار حديث المحللين والمختصين في مجالي التنمية والاستثمار في السعودية، "الاقتصادية" التقت أحد المختصين والمطلعين عن قرب على هذه التجربة التنموية، صالح بن محمد العبيدي، الذي يعد أحد خبراء التأمينات الاجتماعية، وهو من المختصين السعوديين القلائل في هذا المجال.
كيف تقيم مسيرة المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية منذ إنشائها حتى الآن؟
لقد استطاعت المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية أن تسعى جاهدة للمساهمة في دعم مسيرة التنمية الشاملة التي تعيشها المملكة في مختلف المجالات وبجميع المقاييس، وعلى الرغم من أن التأمينات الاجتماعية نوع من أنواع التقاعد، إلا أنها استطاعت أن تقدم خدمات كبيرة جدًا فيما خصص لها، وهي خدمات ملموسة. فما تقدمه من خدمات إنما هي مؤشر مهم على تقدم الأمم ولاسيما أنها تقدم خدماتها لأهم عناصر التنمية، وهو الإنسان، كما أن الإنجازات التي حققتها حاليًا، في مجالات التنمية تستحق التسجيل والتقدير، ولاسيما أنها شكلت قيمة مضافة مهمة لبناء الاقتصاد الوطني الشامخ، الذي يعيش اليوم واحدة من أزهى فتراته، مشكلاً الطفرة الاقتصادية الثانية في تاريخ المملكة.
وقد ارتفع عدد المشتركين خلال العام الماضي، ليصل إلى 8.8 في المائة عن العام السابق، فيما سجل إجمالي أنواع المنافع ارتفاعًا بلغت نسبته 27 في المائة عن العام السابق. في حين ارتفع عدد المنشآت المشتركة في النظام خلال عام 1426هـ بما نسبته 15 في المائة تقريبًا، وهذه مؤشرات تدل على مدى النجاح الذي أحرزته المؤسسة في مجالات عملها، كما يعطي مؤشرًا إلى مدى تزايد اقتناع المجتمع، بجميع فئاته، بضرورة الاشتراك في المؤسسة، ما يعكس قوة في أداء المؤسسة وتحقيق أهدافها.
بحكم خبرتكم في المجالات المالية والاقتصادية، كيف تنظرون إلى التجربة الاستثمارية للمؤسسة؟
أن المتأمل لمسيرة المؤسسة في المجال الاستثماري يجد أنها من المؤسسات القلائل التي استطاعت أن تقدم الخدمة، وتدير الاستثمار في وقت واحد. كما أنها كانت من المؤسسات التي تمكنت من إحراز الكثير من النجاح في المجال الاستثماري بانتهاجها أسلوبًا خاصًا يتمثل في تنويع مصادر الاستثمار، وتحقيق عوائد معقولة على المديين القصير والمتوسط، وعلى المدى الطويل.
وحققت المؤسسة نموًا متواصلاً، فوصل إجمالي عوائد استثماراتها في قطاع البنوك إلى نحو 22 مليار ريال، وبلغ عدد الشركات المستثمرة 52 شركة، إضافة إلى استثماراتها في المجال العقاري والمالي. ومن هنا يمكن القول إن للمؤسسة دورها الملموس والبارز في التنمية الاقتصادية والاستثمارية.
فقد استطاعت المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية أن تدخل الحقل الاستثماري من أوسع الأبواب، واستطاعت بفضل سياستها الاستثمارية أن تحافظ على حقوق المشتركين. كما بادرت في إطار تنويع مصادر الاستثمار إلى الاستثمار داخل المملكة وخارجها، وهو ما أعطاها تميزًا وخبرة واسعين في هذا المجال. ومن هنا، فإن هناك الكثير من المؤسسات الخدمية والاستثمارية في آن واحد مدعوة إلى الاستفادة من تجربة المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية في هذا المجال، ولا سيما أنه أسهم في إقامة العديد من الصروح الاقتصادية، التي يراها المواطن والمقيم تنتشر في المملكة.
بماذا تفسرون عزوف بعض رجال الأعمال عن الاشتراك في نظام المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية؟
أعتقد أن هذا الأمر عائد إلى سببين: هما: عدم وجود الوعي الكافي لدى بعض رجال الأعمال حول أهمية الاشتراك في نظام التأمينات، ومعرفة الفوائد الكبيرة التي ستعود عليه، وعلى المنشأة التي يمتلكها، وعلى العاملين فيها، وأعتقد أن علاج هذا الأمر يكون بزيادة الجرعات التوعوية التي تقوم المؤسسة بتوجيهها إلى فئات المجتمع المختلفة بين الحين والآخر، والسبب الآخر، هو عدم وضوح مفهوم التأمينات الاجتماعية من قبل بعضهم، وهو جانب يقع على عاتقها، إذ إنه من المهم أن يتم تحديد مفهوم التأمينات الاجتماعية، والفرق بينه وبين التقاعد.
فدور المؤسسة، حسب اعتقادي، أوسع، ويتمثل في تحقيق الأمن الاقتصادي للعامل، وهو الدور الذي يجب أن تبرزه المؤسسة عبر مختلف الوسائل، وعلى اختلاف المناسبات.
إلى أي مدى نجحت التأمينات في نشر ثقافة التأمينات من وجهة نظرك؟ وما الدور المطلوب من وسائل الإعلام في هذا المجال؟
استطاعت المؤسسة أن تحرز نجاحًا ملحوظًا في مجال نشر الثقافة التأمينية، إلا أنني أعتقد أنه مع التوسع الكبير الذي تشهده المملكة في مجال نمو القطاع الاقتصادي وقطاع الأعمال، من خلال دخول رأس المال الأجنبي والمستثمر الأجنبي، بات من الضروري أن تعمل المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية على توسيع دورها في هذا المجال، وأن تعمل على ابتكار الوسائل الجديدة التي تتماشى مع حجم دورها في التنمية الاقتصادية. وكذلك في مجال التنمية الشاملة بأوجهها الاقتصادية، والاجتماعية، والتنموية، لتتمكن من تحقيق المزيد من النجاح في أداء رسالتها الاجتماعية والتنموية.
ما الدور الذي يمكن أن تقوم به التأمينات في مجال تحقيق السعودة؟
ينقسم هذا الأمر إلى شقين: الأول، تحقيق السعودة في المؤسسة، وأعتقد أن هذا الأمر قد تحقق بالفعل، ولله الحمد، في أعمال المؤسسة من خلال ما أظهرته من بيانات ومعلومات تشير إلى تحقيق المؤسسة إنجازًا كبيرًا في هذا المجال، أما الشق الثاني، والمتمثل بدورها في مجال تحقيق السعودة في القطاع الخاص، فإنني أتصور أنه لا يزال يُنتظَر منها دور خاص، وأوسع في هذا المجال، ويتمثل ذلك في أن تبادر المؤسسة بإنشاء صندوق لدعم صغار المستثمرين، وأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
فمثل هذا النوع من المشاريع يعد ذا تكاليف محدودة، وعوائد معقولة، كما أن من شأن هذه الخطوة أن تعزز من مكانتها في المجتمع، وتتيح المزيد من الفرص، ليتمكن الراغبون، في إقامة مشاريع متوسطة وصغيرة، من تحقيق أحلامهم من خلال دعم مضمون من مؤسسة حكومية ذات سمعة، ومكانة كبيرة في المجتمع. كما تعمل على توفير فرص عمل لعدد من الشباب السعودي، ما يسهم في علاج مشكلة البطالة، ويوسع القاعدة الاستثمارية للمؤسسة، وبسياسة استثمارية ناجحة، كما أشرنا سابقًا.
كيف يمكن للمؤسسة أن تستفيد من الطفرة الحالية التي تعيشها المملكة؟
أعتقد أن المؤسسة خير من استفادت من الطفرة الاقتصادية الحالية، فقد اتسعت قاعدة استثماراتها وحجمها بشكل ملحوظ خلال السنوات القليلة الماضية من خلال إدارتها، واستثماراتها في عدد من المجالات والمشاريع، والتي حققت قيمة سوقية عالية مقارنة بتكلفتها. كما يتضح حجم الاستفادة من خلال المشاريع التي تديرها فمن المعروف أن من ضمن خطتها التوسع في القطاع البنكي من خلال المساهمة في أحد البنوك، والذي سبق أن أعلنت عنه أخيرا.
من وجهة نظري، فإنه لا يزال هناك العديد من الفرص الاستثمارية التي يمكن لها المشاركة فيها، وتسهم أيضًا في التنمية الاقتصادية، كما تقترب من تلبية احتياجات المواطن، وذلك من خلال نجاحها في القطاع العقاري. وأعتقد أنه حان الأوان لإنشاء صندوق للتمويل والاستثمار العقاري.
فالاستثمار العقاري يعد ثاني أكبر سوق في المملكة بعد الأسهم، ومن هنا، فإنه يمكن للمؤسسة أن تسهم، من خلال إنشاء الصندوق، في حل أزمة الإسكان التي يعيشها المجتمع حاليًا، إضافة إلى التوسع في الحقل الاستثماري العقاري.
ما مدى تأثير انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية على المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، سواء من حيث الاستثمار، أو من حيث تقديم الخدمات التي تقوم بها؟
لا شك في أن انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية خطوة مهمة في مجال تطوير الاقتصاد الوطني، هذا من جانب، ومن جانب آخر، وهو ما يخص المؤسسة، فإن لانضمام المملكة إلى المنظمة انعكاسات مهمة على عمل المؤسسة من جهة، واستثماراتها من جهة أخرى.
إن انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية فتح آفاقًا استثمارية واسعة أمام المؤسسة من خلال الدخول في شراكات مع الشركات العالمية، كما يمكن لها أن تستفيد من خبرتها في مجال إدارة الاستثمار، وخصوصًا في المشاريع التي يمكن أن تنفذها خارج المملكة. ومن بين أهم الآثار التي ستواجهها من خلال تلك الخطوة هي ضرورة أن تقوم بتطوير أنظمتها وآلية عملها، لتتماشى مع هذه الخطوة المهمة. ولعل من أهم الجوانب، إعادة تعريف نظام التأمينات الاجتماعية، وأعتقد أنه من الضرورة بمكان الاستفادة من التجارب الدولية في هذا الجانب المهم.
كيف يمكن للمؤسسة أن تستفيد من توسع مشاركة المرأة في قطاع الأعمال؟
النساء شقيقات لنا، وقد أثبتن تميزًا في العمل والأداء، وحققن الكثير من النجاح في قطاع الأعمال. ومن هنا، فإن مشاركتهن تعد رافدًا مهمًا لدعم حركة الاقتصاد الوطني. أما بالنسبة للمؤسسة فأعتقد أنه مع زيادة إقامة المشاريع النسائية، وزيادة مساهمة المرأة في مجالات الاستثمار، وإقامة المشاريع التي تديرها سيدات الأعمال، والتي تحتاج إلى توظيف عدد من الكفاءات النسائية يستلزم الأمر الاشتراك في نظام التأمينات الاجتماعية، فإن هذا من شأنه أن يضيف إلى أرصدة المؤسسة أرصدة جدية، ما يعني التوسع في تقديم الخدمة، ومن ثم التوسع في حجم الاستثمار، وإتاحة الفرصة أمام جميع فئات المجتمع للاستفادة من المؤسسة، وخصوصًا سيدات الأعمال.
كيف تنظرون إلى مستقبل المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية؟
أكاد أجزم بأن مستقبل المؤسسة محمل بالكثير من الخير والبشر لهذا الصرح الوطني الكبير، ولاسيما في مجال الأعمال، والاستثمار، وهو ما يؤكد أن المؤسسة مقبلة على قفزة نوعية من نوع جديد، ومتميز، كما ستتوسع في تقديم خدماتها، سواء الاجتماعية أو الاستثمارية، ما يعود بالنفع على الوطن والمواطن على حد سواء.