مجموعة أجنيلي .. مالكة «فيات» و«فيراري» تبتعد عن جذورها الإيطالية

مجموعة أجنيلي .. مالكة «فيات» و«فيراري» تبتعد عن جذورها الإيطالية

في الوقت الذي يغادر فيه جون إلكان مطعما إيطاليا في ميونيخ، يقابله زوجان شابان. تسأله الشابة، وهي تضحك من جرأتها: "هل يمكنني التقاط صورة معك؟" يرد عليها بكل سهولة كما لو أنه اعتاد على مثل هذه الطلبات من قبل.
إلكان صاحب الوجه الطفولي الذي يتحدث بهدوء، هو أقرب ما يكون إلى النجم اللامع إن كان هناك مثل هذا الشخص في عالم الأعمال. جده، جياني أجنيلي، كان الملك غير المتوج لإيطاليا، ورجل الدولة ــ الصناعي الأوروبي البارز في فترة السبعينيات والثمانينيات. وحفيده الذي يبلغ من العمر 41 عاما مشهور لدى الإيطاليين بأنه مالك نادي يوفنتوس لكرة القدم وشركتي السيارات "فيات" و"فيراري".
لكن، خلف الكواليس، إلكان الذي ولد في مدينة نيويورك يعمل على تغيير وجه "إكسور"، مجموعة الاستثمار الخاصة بالعائلة التي تبلغ قيمتها 12 مليار يورو، والتي ورثها في عام 2011، مبعدا إياها عن جذورها في إيطاليا وفي الصناعة. تحويل الشركة يشتمل على رهانات كبيرة في قطاعات ليست له فيها خبرة تذكر، وخلال هذه العملية يكون قد قطع علاقات قدمت تقليديا الدعم للشركة في الأوقات العصيبة.
يقول رودولفو دي بينديتي، رئيس مجلس إدارة المجموعة الصناعية "سي آي آر" التي تسيطر عليها العائلة: "لديه رؤية لتنفيذ عدد من الأمور من وجهة نظر هيكل الشركة، فقد بسط وركز على عدد قليل من الأصول الرئيسة". ويعمل هو وإلكان الآن على دمج أصول الصحف الخاصة بالعائلة في إيطاليا. ويضيف: "أكن الكثير من الاحترام لما فعله".
بالنسبة لكثير من المحللين والمستثمرين، يتضمن المسار الذي اتخذه إلكان لـ "إكسور" مخاطر لا يستهان بها. وبالنسبة لآخرين، هذه عملية تحديث طال انتظارها للنهج الذي تتخذه أسرة أجنيلي في إدارة ثروتها.
لا شيء يرمز إلى التحول أكثر من القرار الذي تم اتخاذه في العام الماضي، المتمثل في نقل مقر الشركة من إيطاليا إلى هولندا. فهو يمثل نهاية حقبة ليس فقط بالنسبة للشركة التي، خلال فترة الذروة في الثمانينيات، كانت تسيطر بشكل مباشر أو غير مباشر على ما يقارب ربع البورصة الإيطالية، وإنما يمثل أيضا نهاية حقبة لإيطاليا.
إلكان الذي تم تعيينه في مجلس إدارة شركة فيات في عام 1997، حين كان ابن 21 سنة، أصبح رئيس العائلة بعد ذلك بسبع سنوات، إثر وفاة ابن عمه، جيوفاني، الوريث الأصلي للعائلة، وبعد وفاة كل من جياني أجنيلي وأومبيرتو، عم إلكان، في غضون أشهر وراء بعضهما بعضا. ونظرا للوضع غير الصحي نسبيا للأعمال التي خلفها أجنيلي الأب، التي كانت على وشك الإفلاس، وبسبب افتقاره للخبرة، توقع كثيرون أن ينهار تحت الضغط.
يقول ديفيد هيرو، كبير الإداريين الاستثماريين في "هاريس أسوشيتس" التي تمتلك 7.3 في المائة من "إكسور": "اتخذ جون نهجا حديثا جدا تجاه المحفظة الاستثمارية. ما يحدث في كثير من الأحيان في هذه الأمور هو أن الناس تصبح متعلقة بأصول معينة، لكن جون ابتعد عن أي نوع من الولاء لإرثه القديم".

نشر الجناحين

نقل مقر المجموعة هو علامة على زيادة التنويع في محفظة "إكسور" الاستثمارية، جغرافيا وعلى مستوى القطاع. طوال تاريخها كانت أصولها تهيمن عليها شركة فيات، لكن الآن الشركة القابضة "إف سي أيه" التي تمتلك شركات صناعة السيارات تشكل ربع محفظة "إكسور" فقط. في تورينو ــ التي تمثل حرف "ت" في اسم شركة فيات ــ يوجد 34 ألف عامل في مصنع فيات، مقارنة بعدد بلغ 100 ألف خلال فترة الذروة.
مع ذلك، لا تزال الشركة متوجهة بشكل كبير نحو صناعة السيارات، الدورية وذات الاستخدام المكثف لرأس المال، ما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت ستقلل من مقتنياتها مرة أخرى. كان هناك فصل ناجح لشركة فيراري، التي حقق الاكتتاب العام الأولي الخاص بها في عام 2015 عائدات بلغت 9.8 مليار دولار، وأدى إلى تخفيض حصة "إكسور فيها إلى 23 في المائة، كما أدى إلى التخلص من بعض ديون "إف سي أيه" التي تم تحويلها على شركة فيراري.
الرحيل المقرر في عام 2019 لسيرجيو ماركيونه، الرئيس التنفيذي الذي ينسب له الفضل بشكل كبير جدا في تحويل حظوظ "فيات" بعد أن كادت تقترب من الإفلاس عام 2004، ومن ثم توجيهها من خلال عملية الاندماج مع شركة كرايزلر في عام 2009، يعيد إحياء التكهنات حول "إف سي أيه".
أشار ماركيونه خلال معرض السيارات في جنيف الشهر الماضي إلى احتمال حدوث اندماج مع شركة فولكسفاجن. لكن محللين يعتبرون أن الشريك الأكثر ملاءمة لشركة فيات هو "جنرال موتورز"، على الرغم من أن ماري بارا، الرئيسة التنفيذية لـ "جنرال موتورز"، امتنعت حتى عن الاجتماع مع ماركيونه. في مطلع آذار (مارس)، شدد إلكان في مقابلة مع "فاينانشيال تايمز" على عدم وجود محادثات أو خطة طويلة الأجل للخروج من قطاع السيارات، مضيفا: "كان سيرجيو واضحا جدا إزاء مزايا تصويب الأوضاع إن سار على النهج الصحيح، وقد كنت واضحا جدا في ذلك، ولم أغير رأيي".
الرهان الأكبر الذي اتخذه إلكان تمثل في عملية شراء في العام الماضي بقيمة 6.1 مليار دولار لـ "بارتنر ري" PartnerRe، الشركة الأمريكية المختصة في إعادة التأمين، بعد معركة استحواذ مريرة نتج عنها دفع شركة إكسور علاوة بلغت 24 في المائة مقابل امتلاك الشركة. وكانت تلك الصفقة النقدية بالكامل هي الأكبر بالنسبة لـ "إكسور". ويقول مصرفيون إن التحدي الأكبر الذي يواجهه إلكان يتمثل في تبرير ذلك السعر الذي دفعه، على الرغم من أن صفقات لاحقة في ذلك القطاع كانت ذات قيمة كبيرة أيضا.
عملية الشراء جلبت معها عددا من المخاطر الكبيرة على "إكسور". شركة بارتنر ري هي الاستثمار الوحيد الكبير الذي تمتلك فيه حصة كاملة بنسبة 100 في المائة، وتشكل الشركة 34 في المائة من صافي قيمة الأصول في المحفظة. ومن أجل تمويل الصفقة، اضطرت "إكسور" إلى أن تتكبد مبالغ كبيرة من الديون ــ 4.1 مليار يورو بحلول أيلول (سبتمبر) 2016 ــ ما يجعل نسبة القرض إلى القيمة، وهو مقياس رئيس في شركات الاستثمار القابضة، تزيد على 20 في المائة. يقول إلكان إن هذه النسبة انخفضت إلى 18 في المائة، وستنخفض أكثر بفعل مزيد من عمليات بيع الأصول.
لكن "بارتنر ري"، باعتبارها شركة خاصة، زادت نسبة الأصول غير المدرجة في محفظة "إكسور" الاستثمارية. والانخفاض اللاحق في مقتنياتها من الأصول المدرجة من أربعة أخماس إلى أكثر من النصف بقليل، اعتبرته وكالات التصنيف أمرا سلبيا. كارول ميسودان، المحللة لدى "ستاندر آند بورز"، التي ترى أن الشركات غير المدرجة تتطلب قدرا أكبر من الحذق والمهارة من حيث البيع والتقييم، تقول: "بارتنر ري صفقة كبيرة وتعني دينامية مختلفة من حيث إدارة المحفظة". وتضيف: "إكسور قوضت مرونتها بالنسبة لمستوى التقييم الحالي".
إلكان يرفض المخاوف التي من هذا القبيل، ويقول إنه إذا كان بحاجة إلى السيولة، فإن المجموعة قادرة على الاستفادة من استثمارات سائلة أخرى، وإن متوسط تاريخ الاستحقاق لديون "إكسور" يزيد على خمس سنوات. المفارقة أن الصفقة عملت من الناحية السطحية على تنويع "إكسور"، إلا أنها أيضا جعلت المحفظة مركزة على رهانين كبيرين؛ السيارات وإعادة التأمين، ومعظم الباقي موجود في "سي إن إتش إندستريال" CNH Industrial وأصول إعلامية. ومع أن أعمال التأمين ربما تكون أقل تقلبا من السيارات، إلا أن "إكسور" ليست لها خبرة تذكر في هذا القطاع.
شركات إعادة التأمين التي تتولى المخاطر من شركات التأمين الأخرى، هي أيضا ليست الأعمال التي كانت عليها في السابق حين كانت العائدات في منتصف العقد أمرا عاديا. يقول إلكان: "ما كانت أعمالا جيدة جدا هي الآن أعمال أقل من جيدة"، لكنه يصر على أنها "لا تزال أعمالا جيدة"، لا سيما عند مقارنتها بالعائدات في صناعتي السيارات أو وسائل الإعلام. غير أن القطاعين الأخيرين يواجهان ضغوطا هامشية ضخمة، وبالتالي يقدمان مقارنات مغرية.

البقاء ضمن الأسرة

رهانه الكبير على شركة إعادة التأمين الأمريكية هو أوضح إشارة حتى الآن على التغييرات التي أدخلها إلى المجموعة. هناك عمليات أخرى أقل أهمية من الناحية المالية، لكنها تدل أيضا على نهج جديد، منها صفقة لضم "لا ستامبا"، الصحيفة التي تملكها عائلة أجنيلي منذ نحو قرن، إلى الشركة التي تسيطر على الصحيفة المنافسة "لا ريبوبليكا"، وشراء حصة نسبتها 43 في المائة في مجموعة "ذي إيكونومست" عام 2015.
يقول إلكان إنه قرن استثماراته بمعايير أكثر انضباطا مما كان عليه الحال في السابق، وإن المستثمرين يدعمون الاتجاه الذي يأخذ إليه "إكسور". لكن مهما بدا عليه من تفاؤل، يجب على إلكان أن يوازن بين احتياجات المستثمرين المختلفة جدا في هيكل ملكية معقد. في إيطاليا تمت الإشادة به لأنه حافظ على عائلة أجنيلي موحدة، وهو إنجاز تعاني كثير من العائلات الإيطالية الأخرى من أجل تحقيقه.
يقول: "أعتقد أن وجود الأسرة هو في الواقع أمر إيجابي لأنها ليست قاعدة سهلة للمساهمين (...) وترتبط معظم ثروات وسمعة مساهمي الأسرة بشركتنا العائلية. بالتالي الالتزام الذي تمنحه لك كمنظمة هو التزام مهم جدا. المستثمرون المؤسسيون (...) يتحدون على أفق زمني أقصر".
لكن مهما قلل من شأن ذلك، تبقى إدارة مستثمري العائلة ضربا من التحدي. عملية صنع القرار التي تتبعها الأسرة محيرة في تعقيدها ــ فضلا عن أنها تبدو غير مرنة في رغبتها في إبقاء أيدي العائلة على زمام الأمور.
تسيطر العائلة على شركة إكسور من خلال شركتها القابضة "جياني أجنيلي وشركاه"، التي تمتلك حصة نسبتها 53 في المائة في ذراع الاستثمار ولديها مجلس يتألف من عضوين من كل من فروع الأسرة الثلاثة، فضلا عن عضوين مستقلين. ولدى المجلس صلاحيات، مثلا، لاستبدال إلكان رئيسا للأسرة ورئيسا لمجلس إدارة "إكسور". غير أن الخلافة ليست شاغلا وشيكا. إلكان، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة إكسور، لديه القدرة على إدارة الشركة لسنوات عديدة. ويجادل بأنه مسؤول أمام مجلس قوي ــ سبعة من المديرين غير المستقلين وثمانية من المستقلين، بمن فيهم مايك فولبي، الرئيس التنفيذي السابق لشركة سيسكو الذي تحول إلى مختص برأس المال المغامر ــ وليس هناك حاجة لأي قلق بشأن الحوكمة.
يقول: "إذا كان لديك كثير من الناس ــ رئيس مجلس إدارة غير تنفيذي وعضو التنفيذي، عندها ينتهي بك المطاف بتعقيد بعيد جدا، وأحيانا قد تذهب الحوكمة إلى أقصى الحدود. التنظيم وهياكل السلطة البسيطة جدا أكثر فعالية".
ويقول هيرو إنه ليست لديه أية مشكلة مع حوكمة الشركات في "إكسور"، على اعتبار أن مصالح إلكان، بوصفه مساهما، تتوافق مع مصالح المستثمرين الآخرين. كما أن إلكان، على عكس جده، الذي تم تصويره خلسة على الريفييرا الإيطالية في حفل مع جاكلين كينيدي، يبدو نقيض كثير من أقرانه في نخبة الأعمال العالمية.
يضيف هيرو: "مهارة جون الكبرى هي الاستماع وطرح الأسئلة. عندما أجلس معه، يسأل تقريبا أسئلة أكثر مما (أفعل أنا)".
لكن مع أنه بنى نفوذا في قاعات مجالس الإدارات في مختلف أنحاء العالم، لا يزال إلكان وعائلة أجنيلي مثيرين للجدل في إيطاليا. وقد أدى تنويع الأسرة بعيدا عن إيطاليا إلى إزعاج الذين يتذكرون اعتماد فيات على حوافز الدولة لصناعة السيارات خلال سنوات ازدهار الثمانينيات، الأمر الذي ساعد على دعم الشركة. وقد اجتذب إلكان أيضا الجدل عبر تصريحات كانت في غير موقعها، ما يظهر جانبا مختلفا للشخصية المؤدبة المقدمة دوليا. في عام 2014، نقل عنه قوله إن الشباب الإيطالي عاجز عن العثور على وظائف لأنهم كانوا مرتاحين في المنازل ويفتقرون إلى الطموح. وقال في وقت لاحق إن الكلمات نُقِلت عنه بشكل غير صحيح.
على الصعيد المالي، مجال المناورة أمام "إكسور" يبقى محدودا بسبب وضعها الحالي من الرفع المالي، ما يعني أنها ستكافح لتمويل مزيد من عمليات الاستحواذ أو تعزيز توزيعات الأرباح. وهي تركز بشكل متزايد على الولايات المتحدة في وقت الذي تبدو فيه بيئة السياسة للشركات الصناعية هناك غير مؤكدة، وفي الوقت الذي تعد فيه آفاق النمو أكثر إثارة في آسيا. كما أنها أصبحت أكثر، وليس أقل، تركيزا بعد الصفقات الأخيرة.
على الرغم من الاستحواذ على "بارتنر ري"، لا تزال "فيات كرايزلر" تمثل ربع صافي قيمة أصول "إكسور". كما أن أربعة أخماس أرباح المجموعة، قبل الفوائد والضرائب والاستهلاك والإطفاء، تعتمد على الولايات المتحدة.
وفي حين يسعى إلكان إلى تطوير أنموذج جديد للعائلة، فإنه لا محالة يُجتذَب إلى الماضي. يقول الناس المقربون من عائلة أجنيلي إن السمة المميزة التي تجمع بين ذروة الثمانينيات والوقت الحاضر هي أن سليل الأسرة له جانب مقابل يتمثل في رئيس تنفيذي "قوي".
في أيام جياني أجنيلي كان ذلك الرئيس التنفيذي هو سيزار روميتي. اليوم هو ماركيونه. ويشير التاريخ إلى أن إيجاد خليفة لماركيونه، وتحديد مستقبل قطاع السيارات، من المرجح أن يحددا نجاح إلكان في تنمية ثروة العائلة للجيل التالي.

الأكثر قراءة