البيئة بين الحماية والتنمية المستدامة
لقد أفاق العالم في الربع الأخير من القرن الماضي على عظم الخطر الذي يهدد البيئة الطبيعية جراء الاستخدام الجائر لمجموعة المواد الإنتاجية واستثمارها بشكل غير سليم مما أدى إلى تلوث البيئة وتدهورها في مختلف أجزائها، لذا كان مؤتمر استكهولم عام 1972م بمثابة الانطلاقة الأولى لحث المجتمع الدولي على وضع سياسة تنظيمية وتشريعية حول الحد من التلوث البيئي.
وقد تلا هذا المؤتمر مؤتمرات أخرى مثل مؤتمر جوهانسبيرج وريو وكيوتو وغيرها من الاجتماعات واللقاءات العلمية التي تعنى بشؤون البيئة، وقد أثمر هذا التحرك الدولي حول العناية بالبيئة وحمايتها تبني معظم الدول سياسات تشريعية بيئية، إلا أن هناك فريقا يرى أن الحماية البيئية مقدمة على مظاهر التلوث ولو كان محدوداً وفي أضيق نطاقه وهذا الرأي تسانده مجموعة أنصار حماية البيئة وجماعة الخضر وغيرهما من الجمعيات التي تعارض بشدة كل مؤثر يتولد عنه تلوث للبيئة الطبيعية أياً كانت غايته وهدفه.
وفي المقابل هناك فريق كبير يؤكد ضرورة صون البيئة من مسببات التلوث مع الأخذ بالتنمية المستدامة كبديل مناسب وعملي في استكمال دورة النمو والازدهار الصناعي والمدني على حدٍ سواء وذلك من خلال اتباع برامج القياس والتحويل إلى درجة تكفل معها سلامة البيئة غير أن الفريق الأول يتهم الآخرين بالحرص والتركيز على المكاسب المادية وما تعود به من ثروات طائلة على حساب صون البيئة ومواردها، بيد أن التساؤل الذي يثور هو كيف تنسجم الفكرتان مع بعضهما بشكل متواز؟
إن الوصول إلى ضبط التوازن البيئي والحيلولة دون تفاقم الأوضاع سوءاً يكون بالعمل على توجيه المسار الصناعي والمدني في الميزان البيئي العادل بدون تجاوز أو تحيز وذلك باستخدام الطرق والوسائل التقنية الحديثة وبتطبيق اشتراطات ومقاييس السلامة البيئية ومن ثم العمل على تطويل أمد الدورات الإنتاجية في مراحل إعادة التصنيع والتدوير، وهذا الرأي هو الذي يفضي إلى معنى التنمية المستدامة في شكلها التقليدي والعلمي، علماً أن الدول الأوربية المتقدمة على سبيل المثال وأمريكا قطعت شوطاً كبيراً في تطبيق التنمية المستدامة بمقاييس عالية.
إذن إننا لا يمكن أن نغفل الجانب الصناعي والتقدم التكنولوجي المفيد للبشرية بحقليه البحثي والتطبيقي وحيث لا نحرم الأجيال القادمة من نتائج البحوث العلمية التي تعود بالفائدة في ازدهار الشعوب في ظل تطبيق البرامج البيئية المتفق عليها، لذا فإن المصادقة على المعاهدات الدولية في الجانب البيئي أمر يجب أن تعيه مجموعة الدول الموقعة على بنودها والعمل على تنفيذ ما جاء في نصوصها بدون تمييز.
ولعلني هنا أضع إطلالة ولو بشكل وجيز على جهود السعودية في هذا الجانب والتي ما فتئت تحرص دوماً على خدمة وتشجيع ومؤازرة كل ما من شأنه صلاح العباد والبلاد في جميع الأزمنة والأمكنة ولقد كانت المملكة سباقة في هذا المضمار في تبنيها سياسة تشريعية للبيئة. لذا فقد أعدت النظام العام للبيئة وتبعته اللائحة التنفيذية له وأوكل للرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة أمر تطبيقه وتنفيذه وهي تسعى بجد وحرصٍ أكيدين على تفعيله والرقي بمستوى الوعي والثقافة البيئية إذ إن الهدف الذي تسعى إليه المملكة من خلال هذا النظام هو الحد من خطر تلوث البيئة بما لا يعوق عجلة التقدم الحضاري لها وهو ممكن في تنفيذ برامج المقاييس والاشتراطات البيئية واستخدام الوسائل التقنية المتطورة في التخلص من أعباء الملوثات بشتى أنواعها.
وأعتقد أن الجانب التوعوي في مجال البيئة مهم جداً كخطوة أولى في تطبيق النظام العام للبيئة فبتوزيع النشرات العلمية والتثقيفية على مستوى المصانع والورش والمجمعات المعنية بمصادر التلوث وربط ذلك بجوائز تحفيزية سيعطي أثره الكبير في احترام النظام العام ورفع مستوى الوعي البيئي وتلازم ذلك مع ما أوجب من عقوبات ردعية على مخالفة النظام ولوائحه التنفيذية ومن المستحسن إحداث أو إيجاد مكتب اتصال يكون مقره في الجهة المنوط بها تطبيق النظام مع الجهات ذات الصلة كوزارة الصحة والبلديات وخفر السواحل ووزارة الزراعة والمياه حتى تظهر الدراسات والبرامج في حالة متكاملة ويكون العمل خالياً من الازدواجية ومن إعاقة رفع مستوى الكفاءة في تطبيق النظام العام للبيئة، خصوصاً أن ولي العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود رجل البيئة الأول ما فتىء وهو يبذل كل ما في وسعه من أجل المحافظة على البيئة وصونها من مسببات التلوث متابعاً وداعما ومشجعا لكل أمرٍ فيه سلامة البيئة والمحافظة عليها ولا أدل من ذلك تلك الجوائز التي تقدم للباحثين والمعنيين بمجال البيئة والمحافظة عليها.
وكذلك ما يبذله الأمير تركي بن ناصر بن عبد العزيز آل سعود الرئيس العام للأرصاد وحماية البيئة من متابعة بشكل دؤوب حول تطبيق النظام العام للبيئة ومدى تحقيقه الأهداف المنشودة منه ويسهم مساهمة فعالة في المراجعة والتدقيق لمراحل التطبيق. وهو شخصية يحق أن تُعلق عليها آمال عراض لما يتسم به من دراية وحكمة وبُعد نظر.
أسأل الله أن يسدد خطاه ويمده بعونه وتوفيقه.
باحث قانوني متخصص في شؤون البيئة